بالرغم من أن الشيعة في السعودية يشكلون أقلية صغيرة ويعيشون تحديداً في شرق المملكة, إلا أنّ أهمية تسليط الضوء عليهم يكمن في كون السعودية تحتوي الأماكن الإسلامية المقدسة, بحيث غدت السعودية اليوم قلب العالم الإسلامي.
وإضافة إلى كون السعودية قلب العالم الإسلامي –وهذا ما يغضب الشيعة– فإن شيعة الإحساء في المنطقة الشرقية من المملكة, هم الأصل في التواجد الشيعي العربي في الجزيرة (من أيام القرامطة في القرن الهجري الثالث) ومنهم تكونت التجمعات الشيعية الأخرى في حيث تتشابه الأصول والنشأة.
دخول التشيع إلى السعودية:
يتركز الوجود الشيعي في السعودية في شرق البلاد في منطقة الإحساء, التي كانت تعرف قديماً ببلاد البحرين, ويعود الوجود الشيعي في هذه المنطقة إلى القرامطة(1) , وهم من الشيعة الإسماعيلية, وقد استطاعوا تأسيس دولة لهم في هذه المنطقة –إضافة إلى أجزاء أخرى من الجزيرة العربية– في أواخر القرن الثالث الهجري أثناء حكم العباسيين, إلى أن كانت نهايتهم على يد السلاجقة سنة 467هـ.
وعودة إلى كلمة "البحرين", فلقد كانت تعني المنطقة الشرقية من جزيرة العرب وتشمل باصطلاحنا اليوم جزءاً من الكويت, والمنطقة الشرقية من السعودية, والبحرين وقطر, وقسماً من اتحاد الإمارات العربية(2) , وقد خضعت هذه المنطقة لسيطرة القرامطة منذ نهاية القرن الثالث الهجري, فعاثوا في الأرض الفساد, وأفسدوا العقائد, وأساءوا إلى الحياة الاجتماعية, ولمّا جاء السّلاجقة إلى حكم بغداد, وأنهوا نفوذ البويهيين (الشيعة) فيها عام 447هـ, طمع عبد الله بن علي العيوني أحد رجالات بني عبد القيس في البحرين بالقضاء على القرامطة فيها, فطلب دعم السّلاجقة له, فأرسل له ملك شاه السلجوقي أربعة آلاف مقاتل عام 467هـ, فاستطاع بذلك الدعم أن يقضي على القرامطة, وأن يؤسس دولته التي عرفت بالعيونية نسبة إليه, أو نسبة إلى بلدة العيون التي ينتمي إليها بالإحساء, واستمرت هذه الدولة حتى عام 642هـ, حيث خلفتها في الحكم أسرة بني عقيل, وكان الحكم بعد ذلك يتنقل بين الأسر والقبائل(3).
وكان للقرامطة نفوذ في منطقة أخرى في الجزيرة العربية وذلك في اليمامة وسط جزيرة العرب التي ضعف الاهتمام بها في العصر العباسي, حيث قامت هناك الدولة الاخيضرية, وهي دولة شيعية كانت تحت نفوذ القرامطة إلى حدّ ما, وأفسحت لهم المجال بالحركة في مناطق نفوذها(4) .
وقد اتخذ القرامطة البحرين والإحساء مركزاً لأعمالهم, ومن هذا المركز اجتاحوا البصرة, حيث عجز العباسيون عن حمايتها وكذلك فعلوا بالكوفة, وفي سنة 317هـ (929م) دخلوا مكة وفتكوا بحجاج بيت الله الحرام وأخذوا الحجر الأسود, ثم استولوا على عُمان بعد ذلك, وسيطروا على معظم شرق الجزيرة العربيةة(5) , وينحدرون من قبائل ربيعة, ومن قبائل وعشائر أخرى وقدت من نجد وغيرها لأسباب اقتصادية.
وبعد نهاية دولة القرامطة على يد السلاجقة سنة 467هـ وقيل 470هـ, لم يعد للقرامطة أثر بعد ذلك في الإحساء. أما الشيعة الذين بقوا في الإحساء بعد ذلك فهم فرع من الشيعة الجعفريين من الأثني عشرية يسمون الشيخيينة(6).
وفي القرن السابع الهجري, وفي شرق الجزيرة العربية قام الصلخوري أتابك إقليم فارس –وهو صديق الشاعر الفارسي المشهور سعدي الشيرازي– بضم عدد من جزر الخليج إلى ولايته, وعبر إلى الضفة العربية "الغربية" من الخليج, وضمّ كلّ إقليم البحرين والإحساء إلى سلطانه, وهذا ما سبب تلاشي سلطان بني عيون, الذي سبق الإشارة إليه, خاصة مع منافسة قبيلة عامر بن عقيل له, والتي كانت تحظى بتأييد الأتابكة(7).
شيعة السعودية:
سبق القول أن شيعة السعودية يتركزون في شرق البلاد وخاصة في:
1–منطقة القطيف –وهي أكبر مناطقهم– كما أنهم يتواجدون في القرى التابعة لها مثل سيهات, جزيرة تاروت, العوامية, الجارودية, أم الحمام, الجش...الخ.
2–منطقة الإحساء, ومن مناطقهم فيها الهفوف, المبرز, القارة, المنصورة, البطالية..الخ.
3–مدينة الدّمام, وخاصة في حي العنود, إضافة لأحياء أخرى كالجلوية والعزيزية والنخيل.
4–بقية مناطق الشرقية كالجبيل ورأس تنورة, والخبر والظهران.
وإضافة إلى المنطقة الشرقية فإنّهم يتواجدون بكثرة في:
5–المدينة المنوّرة, وخاصة في حي العوالي. ويطلق عليهم اسم "النخاولة".
6–مناطق أخرى, بدأوا بالتكاثر فيها مؤخراً كالرياض وحفر الباطن والمنطقة الغربيةة(8).
هذا فيما يتعلق بالشيعة الإثنى عشرية, أما الشيعة الإسماعيلية والزيديين القادمين من اليمن فإن لهم وجوداً في المنطقة الجنوبية, وفي هذا البحث يقتصر حديثنا عن الشيعة الإمامية الإثنى عشرية.
وأما نسبتهم في المملكة فمختلف فيها, خاصة وأن الشيعة دائماً ما يلجأون إلى تضخيم أعدادهم لأغراض سياسية واضحة كما هو الحال في البحرين والعراقة(9) إضافة إلى عدم وجود إحصاءات رسمية تقسم السكان على أساس مذهبي, إلا أنّ مصادر غير سنّية تشير إلى أنهم يشكلون 5% من مجموع سكان المملكة, كما جاء في دراسة "سوريا وإيران والنظام الأمني الخليجي الجديد" ص67 الصادر عن مركز راند الأميركي, والتي نشرها مركز القدس للدراسات السياسية في الأردن, كما أن هذه النسبة وردت في الدراسة الصادرة عن شبكة الدفاع عن السّنة, والتي سبق الإشارة إليها.
وتعتمد هذه الدراسات عادة على عدد السكان الكلي للمملكة, واحتساب أماكن التجمعات الشيعية من هذا العدد للوصول إلى رقم تقريبي.
وبعض مراكز الدراسات تجعل نسبة الشيعة في السعودية 10%, مثل مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية في مصر في تقريره السنوي الأول الصادر سنة 1993, وهذا المركز عرف عنه المبالغة في أرقام الشيعة, فهو يجعلها في العراق 65% وفي البحرين 70% في تقريره الصادر سنة 1999, وهذه الأرقام لا يخفى على أحد عدم صحتها ومخالفتها للواقع.
كما أنّ الوكالة الشيعية للأنباء والتي تبالغ هي أيضاً في نسب الشيعة جعلت نسبة الشيعة في السعودية 10% وعلى أي حال, فإن النسبة لا تتجاوز بأي حال من الأحوال 10%, ولا تقل عن 5%, ولا صحة لما ينشره الشيعة بين الحين والآخر من أن نسبتهم في السعودة تصل إلى 15% وربما أكثر.
أنشطتهم:
أ–الدينية:
يمارس الشيعة عباداتهم وأنشطتهم الدعوية بشكل مكثف في المنطقة الشرقية, وتنقسم هذه الأنشطة إلى:
1–المساجد والحسينيات:
وفي مساجدهم في القطيف تسمع في النداء (أشهد أنّ عليّاً ولي الله) و (حي على خير العمل) ولهم مساجد كثيرة منها (الزهراء, عمّار بن ياسر , مسجد الإمام الحسين بصفوى, مسجد الإمام علي, القلعة, العباس, الإمام الحسن في القطيف), ومن الحسينيات (الزهراء, الإمام المنتظر بسيهات, حسينية الناصر بسيهات أيضاً, والزائر بالقطيف, والإمام زين العابدين, والرسول الأعظم, والراشد بسيهات, العامرة في المدينة المنورة).
وقد كانت القطيف فيما سبق يطلق عليها (النجف الصغرى) لكثرة الحوزات الشيعية فيها.
2–الدروس والمحاضرات:
وفي مساجدهم وحسينياتهم, تكثر الدروس والمحاضرات, وتوضع الإعلانات لذلك دون رقيب أو حسيب في الوقت الذي لا يسمح لجيرانهم من أهل السنة بإقامة المحاضرات إلا بإذن من الإمارة ومركز الدعوة, وهذه بعض محاضراتهم:
أهل البيت في القرآن لعلي السيد ناصر, والتشيع والولاية لعبد الله الموسوي, والتقية وحدودها لمنير الخبّاز, والندوة العقائدية لحسن الخويلدي.
3–الأعياد والمآتم:
وهم كغيرهم من الشيعة دائمو الاحتفال بمناسبات يلصقونها بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وكثيرو الإقامة للمآتم, ومن ذلك:
–أسبوع الرسول الأعظم في ذكرى ميلاده مسجد العباس بالعوامية, في الفترة من 12–17 ربيع الأول 1424, وإضافة إلى المحاضرات احتوى الأسبوع على معرض كتاب وأناشيد.
–الاحتفال بالمبعث النبوي في القطيف في مسجد علي المرهون في 27 رجب 1423, وألقى المحاضرة حسن الصفّار, أحد أبرز علماء وشخصيات الشيعة في السعودية.
4–حملات وشركات الحج والعمرة:
وتكثر الإعلانات عندهم عن حملات الحج والعمرة والزيارة لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم والعتبات المقدسة في المناسبات المختلفة, مثل الرجبية, وعطلة الربيع وأشهر الحج وغيرها.
ويرافق هذه الحملات عدد من شيوخهم للتوجيه والإرشاد ومحاولة التأثير على الحجاج, ومن حملاتهم:
–حملة الإمام زين العابدين ويشرف عليها حسني مكي الخويلدي.
–حملة علي أحمد العبد العال في الخويلدية بالقطيف ويشرف عليها حسين صالح آل صويلح.
–حملة أحمد خميس آل عطية لزيارة مسجد الرسول الأعظم والعتبات المقدسة!
5–محكمة الأوقاف والوصايا:
وهي خاصة بهم ويرأسها شيعي, رغم أنها تتبع وزارة العدل. وفي حقبة سابقة وتحديداً زمن مؤسس المملكة عبد العزيز آل سعود تم تعيين الشيخ الشيعي علي الخنيزي قاضياً أكبر في القطيف يتقاضى أمامه جميع السكان السنة والشيعة على حد سواءة(10) .
ب–التربوية والثقافية:
للشيعة في السعودية تواجد تربوي وثقافي, وحضور في مختلف المؤسسات والدوائر, وفي مناطقهم الكثير من المدراس لمختلف المراحل وهي غالباً مكتظة بالطلاب, ويقبل الشيعة على العمل في سلك التعليم, وفي الوظائف الإدارية المرتبطة به, ففي منطقة المدينة النبوية التعليمية تعمل 300 مدرسة شيعية, أما في المنطقة الشرقية فالعدد كبير جداً, إضافة إلى أن المدرسين الشيعة يقومون بتدريس الطلاب من أهل السنة, ويبثون فيهم بعضاً من عقائدهم وأفكارهم.
وإضافة إلى المدارس, فلهم في الجامعات تواجد ملحوظ, وخاصة في جامعة الملك فيصل بالدمام والإحساء والملك فهد بالظهران, كما أن لهم ميولاً للعمل في الكليات والمعاهد التقنية والصناعية.
ويحرص الشيعة على إقامة المعارض الثقافية ومعارض الكتاب وفيها تباع الكتب المخالفة للعقيدة الإسلامية ككتاب التوحيد لابن بابويه القمي, والآيات البينات لمحمد الحسين كاشف الغطا. كما يحرصون على الكتابة في الصحف والمجلات وإنشاء النوادي الأدبية والإصدارات الثقافية.
ج–الاجتماعية:
يمتلك الشيعة جمعيات خيرية عديدة تلقى دعم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وبعض أفراد أهل السنة, ومن هذه الجمعيات: جمعية العمران الخيرية, وجمعية المواساة الخيرية بالقارة, وجمعية البطالية, وجميعها بالإحساء.
وتقوم هذه الجمعيات وغيرها بجهود كبيرة لمساعدة الشيعة في رعاية المرافق العامة في المنطقة كأماكن العبادة ومغاسل الموتى وإصلاح المقابر, وإقامة الدورات المختلفة في الحاسوب والطباعة والخياطة, والاهتمام بالمرضى ومساعدات الزواج وإقامة الأعراس الجماعية التي يعول عليها الشيعة لزيادة نسبتهم في السعودية.
د–الاقتصادية:
للشيعة نشاط اقتصادي كبير وخاصة في شرق المملكة وتواجد ملحوظ في المؤسسات النفطية وهم يمارسون مهناً ثابتة كالزراعة والصيد والحرفة (11) , ومن تجارهم الكبار:
السيهاتي للنقل, وأبو خمسين وهو صاحب تجارة منوعة, والمرهون للمزادات العلنية, كما أنهم يستحوذون على تجارة الذهب في المنطقة الشرقية, وكذلك أسواق الخضار والفواكه, والأسماك والتمور, إضافة إلى المؤسسات المتنوعة في المنطقة الشرقية وكذلك في المدينة المنورة ة(12) .
هـ–السياسية:
وكذلك يتولى بعض الشيعة مراكز هامة في الدولة وأيضاً كان لهم مركز معارضة في لندن وواشنطن تصدر عنه مجلة الجزيرة العربية.
وقد شكل الشيعة عصب التنظيمات والحركات السياسية السرّيّة التي شهدتها المملكة والتي كانت معروفة على الصعيد العربي مثل القوميين والبعثيين والشيوعيين والناصريينة(13) وهذا مما يدل على التقارب الحقيقي بين كافة أبناء اليهودية العالمية (الشيعة/ ابن سبأ – الشيوعية/ ماركس)!
الشيعة في السعودية والتغيرات الداخلية والأوضاع الإقليمية:
يتأثر شيعة السعودية كغيرهم من الشيعة سلباً وإيجاباً بالأوضاع الإقليمية, وتطورات الأوضاع في بلدهم, لكن الثابت أن علاقة الشيعة بالسعودية ليست إيجابية في معظم أوقاتها, وقد بدأت المعارضة الشيعية للدولة السعودية منذ وقت مبكر, فقد أنشأ محمد الحبشي سنة 1925 جمعية شيعية اعتبرتها السلطات غير قانونية, وفي سنة 1948 وصلت القلاقل الشيعية إلى حد الانفجار في مظاهرات واسعة النطاق وفوضى عمّت "القطيف" بقيادة محمد بن حسين الهراج, حيث كان المتظاهرون يطالبون بالانفصال عن المملكة, وكان من أسباب الدعوة إلى الانفصال ظهور النفظ في شرق المملكة, وتعاظم أهميتها الاقتصادية.
وفي سنة 1949 اكتشفت الحكومة وجود جماعة ثورية(14) بالقطيف تعمل تحت اسم جمعية تعليمية, فقامت بحل الجمعية ومات أحد زعمائها وهو اليساري عبد الرؤوف الخنيزي في السجن, وامتدت هذه الحركة إلى الجبيل سنة 1950. وظلت الاضطرابات والمصادمات مستمرة بين شيعة المنطقة الشرقية والسلطات السعودية في أعوام 1953 و 1970 و 1978(15) .
إيران:
ومع قدم ثورة الخميني في فبراير سنة 1979, كان شيعة السعودية على موعد مع الأمل, إذ أن هذه الثورة التي انقاد لها معظم الشيعة في العالم أوجدت لديهم الرغبة في الحكم وتأملوا بصعود نفوذهم, ففي أواخر سنة 1979, اندلعت الاضطرابات الواسعة في القطيف وسيهات وجاءت متزامنة مع أيام الحداد الديني لدى الشيعة (عاشوراء) واحتجاز الرهائن الأمريكيين في طهران, وأحداث جهيمان في مكة المكرمة (16) , كما أنها جاءت استجابة لنداء الخميني لشيعة السعودية بالثورة على آل سعود, وفي 19 نوفمبر سنة 1979 سحق الحرس الوطني السعودي المظاهرات الشيعية واستمرت الاضرابات حتى نهاية ذلك العام.
وبالرغم من التأثير الكبير للثورة الإيرانية على شيعة السعودية, إلا أن هذا التأثير بدأ بالنزول بسبب تجاوزات نظام الخميني في الداخل وعجزه عن إحراز نصر حاسم على العراق (17) .
وظلت علاقات السعودية بشيعتها غير ودية, وكانت علاقة المملكة المتوترة مع إيران إحدى أسباب هذا "اللاود", حيث كانت دول الخليج ومن ضمنها السعودية مسرحاً للتخريب الإيراني, والاعتداء على السفارة السعودية في طهران, وبلغ التخريب أوجه في محاولة الاعتداء على بيت الله الحرام, وإفساد موسم الحج عامي 1987 و 1989م.
إلا أنّ سنوات التسعينات وبعد وفاة الخميني وانتهاء الحرب العراقية الإيرانية شهدت تقارباً إيرانياً مع معظم دول العالمة (18) , ومنها السعودية, حيث توقفت الحملات بين البلدين, وتوثقت العلاقات الاقتصادية, وتوالت الزيارات لكبار المسؤولين من كلا البلدين, ووقّع البلدان اتفاقية أمنية سنة 2001م تعتبر علاقة مميزة في العلاقات بين البلدين.
وكان من الطبيعي أن ينعكس هذا التقارب بين السعودية وإيران على شيعة السعودية, ومن ذلك الاتفاق الذي تم بين الحكومة السعودية والمعارضة الشيعية في الخارج وعلى أثره أغلقت مكاتبها وعادت إلى السعودية دون ملاحقات.
العراق:
وجاءت الأحداث المتسارعة في العراق, وسقوط نظام صدام حسين, والصعود الكبير للشيعة لتنعش آمال شيعة السعودية, حيث قام 450 شخصة شيعية في المملكة فور انتهاء الحرب على العراق, وبدء الظهور الشيعي هناك بتوجيه عريضة إلى ولي العهد السعودي عبد الله بن عبد العزيز يطالبون فيها بتحسين أوضاعهم وأن تتاح أمامهم الفرص, وباستلامهم لمناصب عليا في مجلس الوزراء والسلك الدبلوماسي والأجهزة العسكرية والأمنية ورفع نسبتهم في مجلس الشورى.
كما طالبوا في العريضة بالتوقف عن وصف مذهبهم بالكفر والشرك والضلال, والسماح بإدخال الكتب والمطبوعات الشيعية إلى البلاد, واستحداث جهة رسمية للأوقاف تابعة إدارياً لوزارة الأوقاف كما هو الحال في البحرين والكويت.
وقد عبّرت هذه العريضة عن مختلف الأطياف الشيعية, إذ أنها لم تقتصر على رجال الدين, فقد وقّع عليها علمانيون وشيوعيون وشخصيات عادية, كما أنّها شهدت للمرة الأولى مشاركة شيعة المدينة المنورة في العرائض, حيث ولّد الوضع عندهم وعند غيرهم ثقة بالغة بالنفس. كما طالبوا بأن تحترم الحكومة السعودية جميع المذاهب ومنها المذهب الشيعي, كما طالبوا بأن يكون لهم تمثيل في المؤسسات الإسلامية التي ترعاها المملكة كرابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية والمجلس الأعلى للمساجد.
البحرين:
وفي البحرين التي حقق فيها الشيعة إنجازات هامة مع قدوم الشيخ حمد بن عيسى 1999 كإطلاق سراح المعتقلين وعودة المبعدين وإنشاء الجمعيات السياسية وإصدار الصحف والمنتديات والدخول إلى المجلس النيابي ومجالس البلديات. والتغيرات التي حدثت في البحرين والعراق والتي ترتبط ارتباطاً كبيراً بالمنطقة الشرقية تؤثر في شيعة السعودية.
ومن أبرز الذين وقّعوا على هذه العريضة: محمد سليمان الهاجري قاضي محكمة الأوقاف والمواريث بالإحساء, وعلي ناصر السلمان وحسن الصّفّار وهاشم السلمان وهم من رجال الدين, وزكي الميلاد رئيس تحرير مجلة الكلمة, ومن رجال الأعمال جعفر الشايب وحسين النمر وأحمد النخلي ورضا المدلوح…(19) .
الحرب على الإرهاب:
وعملت المتغيرات العالمية والحرب على الإرهاب في الضغط على الحكومة السعودية وتم تحميلها المسؤولية أو جزءاً منها في أحداث نيويورك وواشنطن سنة 2001, وبدأ القادة الأميركيون يوجهون هجومهم نحو السعودية وسياستها ومنهاجها التعليمية, وكانت الورقة الشيعية إحدى الأوراق التي تهدف إلى الضغط على الحكومة السعودية وإظهارها بمظهر المعادي لحقوق الإنسان.
واستغل الشيعة هذا الأمر وبدءوا يعلنون مطالبهم ويكثرون من الشكوى, وأدى هذا إلى قيام الدولة السعودية بعقد الحوار الوطني السعودي لأول مرة بين علماء السنة وممثلين عن الشيعة والإسماعيلية وغيرهم.
وقد كان لهذا الحوار أصداء كبيرة لم تظهر للآن النتائج المترتبة عليه, لكن الشيعة سعياً لتحقيق المزيد من المكاسب يستخدمون سياسة تصعيد المطالب والاستمرار فيها من أجل إرباك الدولة والاستفادة من حاجة السعودية للأمن لتحسين صورتها في الإعلام العالمي بالتصريح لوسائل الإعلام أنهم مظلومون وأنهم مقموعون وهكذا.
المراجع:
1– الأصولية في العالم العربي – ريتشارد دكمجيان.
2– هموم الأقليات – التقرير السنوي الأول لمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية في مصر لسنة 1993.
3– تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدّامة – د. محمد عبد الله عنان.
4– وجاء دور المجوس – د. عبد الله الغريب.
5– أطلس تاريخ الإسلام – د. حسين مؤنس.
6– التاريخ الإسلامي – الجزء السابع – محمود شاكر.
7– ملوك العرب – أمين الريحاني.
دوريات ومواقع:
1– القدس العربي.
2– شبكة الدفاع عن السّنة.
3– الوكالة الشيعية للأنباء.
––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––
(1) القرامطة: حركة باطنية هدّامة, اعتمدت التنظيم السري العسكري, وسميت بهذا الاسم نسبة إلى حمدان قرمط بن الأشعث الذي نشرها في سواد الكوفة سنة 278هـ.
انظر للمزيد من عقائدهم وأفكارهم وانتشارهم:
–الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة الصادرة عن الندوة العالمية للشباب الإسلامي ص395.
–وجاء دور المجوس للدكتور عبد الله الغريب ص69.
(2) هناك من يوسّع بلاد البحرين فيرى أنها المنطقة الممتدة بين مسقط (في عُمان) والبصرة (جنوب العراق). انظر ملوك العرب لأمين الريحاني ص720.
(3) محمود شاكر, التاريخ الإسلامي – الجزء السابع ص117–118.
(4) المصدر السابق ص115.
(5) د. حسين مؤنس, أطلس تاريخ الإسلام ص207.
(6) المصدر السابق ص209.
(7) المصدر السابق ص209.
(8) انظر دراسة: المخطط الرافضي في المملكة العربية السعودية الصادرة عن شبكة الدفاع عن السّنة بتاريخ 25/4/2003.
(9) نشرت شبكة الراصد بحثين عن الشيعة في هذين البلدين في العددين الأول والثالث.
(10) نجيب الخنيزي – النشاط السياسي للشيعة في السعودية.
(11) النشاط السياسي للشيعة في السعودية – نجيب الخنيزي المنشور في الوكالة الشيعية للأنباء.
(12) انظر دراسة المخطط الرافضي في المملكة العربية السعودية المنشور في شبكة الدفاع عن السنة.
(13) النشاط السياسي للشيعة في السعودية.
(14) لاحظ انتشار الأفكار الثورية دائماً بين الشيعة وهذا يؤكد الصلة بين التشيع والشيوعيين لأنهم من مصدر يهودي!
(15) ريتشارد دكمجيان, الأصولية في العالم العربي ص204.
(16) أصدر شيعة السعودية كتاباً في الثناء على جهيمان وتمجيد ثورته يعنوان "دماء في الكعبة!" وذلك لأنهم يرون أن نجاح جهيمان في القضاء على الدولة السعودية يفتح لهم باباً واسعاً للقضاء عليه فيما بعد.
(17) المصدر السابق ص206.
(18) وذلك بسبب السياسة الشيعية الجديدة (الانفتاح الثقافي) ولاحظ أنها جاءت بعد السياسة الشيوعية البيروسترويكا الإصلاح!! وكيف أن إيران والشيعة في الدول العربية قد حصلوا على مكاسب بالدبلوماسية لم يستطيعوا الحصول عليها بالثورة والعنف, ثم للأسف بعض أهل السنة الآن يتخذ العنف الوسيلة الوحيدة للعمل؟!
(19) انظر القدس العربي 1/5/2003.
وإضافة إلى كون السعودية قلب العالم الإسلامي –وهذا ما يغضب الشيعة– فإن شيعة الإحساء في المنطقة الشرقية من المملكة, هم الأصل في التواجد الشيعي العربي في الجزيرة (من أيام القرامطة في القرن الهجري الثالث) ومنهم تكونت التجمعات الشيعية الأخرى في حيث تتشابه الأصول والنشأة.
دخول التشيع إلى السعودية:
يتركز الوجود الشيعي في السعودية في شرق البلاد في منطقة الإحساء, التي كانت تعرف قديماً ببلاد البحرين, ويعود الوجود الشيعي في هذه المنطقة إلى القرامطة(1) , وهم من الشيعة الإسماعيلية, وقد استطاعوا تأسيس دولة لهم في هذه المنطقة –إضافة إلى أجزاء أخرى من الجزيرة العربية– في أواخر القرن الثالث الهجري أثناء حكم العباسيين, إلى أن كانت نهايتهم على يد السلاجقة سنة 467هـ.
وعودة إلى كلمة "البحرين", فلقد كانت تعني المنطقة الشرقية من جزيرة العرب وتشمل باصطلاحنا اليوم جزءاً من الكويت, والمنطقة الشرقية من السعودية, والبحرين وقطر, وقسماً من اتحاد الإمارات العربية(2) , وقد خضعت هذه المنطقة لسيطرة القرامطة منذ نهاية القرن الثالث الهجري, فعاثوا في الأرض الفساد, وأفسدوا العقائد, وأساءوا إلى الحياة الاجتماعية, ولمّا جاء السّلاجقة إلى حكم بغداد, وأنهوا نفوذ البويهيين (الشيعة) فيها عام 447هـ, طمع عبد الله بن علي العيوني أحد رجالات بني عبد القيس في البحرين بالقضاء على القرامطة فيها, فطلب دعم السّلاجقة له, فأرسل له ملك شاه السلجوقي أربعة آلاف مقاتل عام 467هـ, فاستطاع بذلك الدعم أن يقضي على القرامطة, وأن يؤسس دولته التي عرفت بالعيونية نسبة إليه, أو نسبة إلى بلدة العيون التي ينتمي إليها بالإحساء, واستمرت هذه الدولة حتى عام 642هـ, حيث خلفتها في الحكم أسرة بني عقيل, وكان الحكم بعد ذلك يتنقل بين الأسر والقبائل(3).
وكان للقرامطة نفوذ في منطقة أخرى في الجزيرة العربية وذلك في اليمامة وسط جزيرة العرب التي ضعف الاهتمام بها في العصر العباسي, حيث قامت هناك الدولة الاخيضرية, وهي دولة شيعية كانت تحت نفوذ القرامطة إلى حدّ ما, وأفسحت لهم المجال بالحركة في مناطق نفوذها(4) .
وقد اتخذ القرامطة البحرين والإحساء مركزاً لأعمالهم, ومن هذا المركز اجتاحوا البصرة, حيث عجز العباسيون عن حمايتها وكذلك فعلوا بالكوفة, وفي سنة 317هـ (929م) دخلوا مكة وفتكوا بحجاج بيت الله الحرام وأخذوا الحجر الأسود, ثم استولوا على عُمان بعد ذلك, وسيطروا على معظم شرق الجزيرة العربيةة(5) , وينحدرون من قبائل ربيعة, ومن قبائل وعشائر أخرى وقدت من نجد وغيرها لأسباب اقتصادية.
وبعد نهاية دولة القرامطة على يد السلاجقة سنة 467هـ وقيل 470هـ, لم يعد للقرامطة أثر بعد ذلك في الإحساء. أما الشيعة الذين بقوا في الإحساء بعد ذلك فهم فرع من الشيعة الجعفريين من الأثني عشرية يسمون الشيخيينة(6).
وفي القرن السابع الهجري, وفي شرق الجزيرة العربية قام الصلخوري أتابك إقليم فارس –وهو صديق الشاعر الفارسي المشهور سعدي الشيرازي– بضم عدد من جزر الخليج إلى ولايته, وعبر إلى الضفة العربية "الغربية" من الخليج, وضمّ كلّ إقليم البحرين والإحساء إلى سلطانه, وهذا ما سبب تلاشي سلطان بني عيون, الذي سبق الإشارة إليه, خاصة مع منافسة قبيلة عامر بن عقيل له, والتي كانت تحظى بتأييد الأتابكة(7).
شيعة السعودية:
سبق القول أن شيعة السعودية يتركزون في شرق البلاد وخاصة في:
1–منطقة القطيف –وهي أكبر مناطقهم– كما أنهم يتواجدون في القرى التابعة لها مثل سيهات, جزيرة تاروت, العوامية, الجارودية, أم الحمام, الجش...الخ.
2–منطقة الإحساء, ومن مناطقهم فيها الهفوف, المبرز, القارة, المنصورة, البطالية..الخ.
3–مدينة الدّمام, وخاصة في حي العنود, إضافة لأحياء أخرى كالجلوية والعزيزية والنخيل.
4–بقية مناطق الشرقية كالجبيل ورأس تنورة, والخبر والظهران.
وإضافة إلى المنطقة الشرقية فإنّهم يتواجدون بكثرة في:
5–المدينة المنوّرة, وخاصة في حي العوالي. ويطلق عليهم اسم "النخاولة".
6–مناطق أخرى, بدأوا بالتكاثر فيها مؤخراً كالرياض وحفر الباطن والمنطقة الغربيةة(8).
هذا فيما يتعلق بالشيعة الإثنى عشرية, أما الشيعة الإسماعيلية والزيديين القادمين من اليمن فإن لهم وجوداً في المنطقة الجنوبية, وفي هذا البحث يقتصر حديثنا عن الشيعة الإمامية الإثنى عشرية.
وأما نسبتهم في المملكة فمختلف فيها, خاصة وأن الشيعة دائماً ما يلجأون إلى تضخيم أعدادهم لأغراض سياسية واضحة كما هو الحال في البحرين والعراقة(9) إضافة إلى عدم وجود إحصاءات رسمية تقسم السكان على أساس مذهبي, إلا أنّ مصادر غير سنّية تشير إلى أنهم يشكلون 5% من مجموع سكان المملكة, كما جاء في دراسة "سوريا وإيران والنظام الأمني الخليجي الجديد" ص67 الصادر عن مركز راند الأميركي, والتي نشرها مركز القدس للدراسات السياسية في الأردن, كما أن هذه النسبة وردت في الدراسة الصادرة عن شبكة الدفاع عن السّنة, والتي سبق الإشارة إليها.
وتعتمد هذه الدراسات عادة على عدد السكان الكلي للمملكة, واحتساب أماكن التجمعات الشيعية من هذا العدد للوصول إلى رقم تقريبي.
وبعض مراكز الدراسات تجعل نسبة الشيعة في السعودية 10%, مثل مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية في مصر في تقريره السنوي الأول الصادر سنة 1993, وهذا المركز عرف عنه المبالغة في أرقام الشيعة, فهو يجعلها في العراق 65% وفي البحرين 70% في تقريره الصادر سنة 1999, وهذه الأرقام لا يخفى على أحد عدم صحتها ومخالفتها للواقع.
كما أنّ الوكالة الشيعية للأنباء والتي تبالغ هي أيضاً في نسب الشيعة جعلت نسبة الشيعة في السعودية 10% وعلى أي حال, فإن النسبة لا تتجاوز بأي حال من الأحوال 10%, ولا تقل عن 5%, ولا صحة لما ينشره الشيعة بين الحين والآخر من أن نسبتهم في السعودة تصل إلى 15% وربما أكثر.
أنشطتهم:
أ–الدينية:
يمارس الشيعة عباداتهم وأنشطتهم الدعوية بشكل مكثف في المنطقة الشرقية, وتنقسم هذه الأنشطة إلى:
1–المساجد والحسينيات:
وفي مساجدهم في القطيف تسمع في النداء (أشهد أنّ عليّاً ولي الله) و (حي على خير العمل) ولهم مساجد كثيرة منها (الزهراء, عمّار بن ياسر , مسجد الإمام الحسين بصفوى, مسجد الإمام علي, القلعة, العباس, الإمام الحسن في القطيف), ومن الحسينيات (الزهراء, الإمام المنتظر بسيهات, حسينية الناصر بسيهات أيضاً, والزائر بالقطيف, والإمام زين العابدين, والرسول الأعظم, والراشد بسيهات, العامرة في المدينة المنورة).
وقد كانت القطيف فيما سبق يطلق عليها (النجف الصغرى) لكثرة الحوزات الشيعية فيها.
2–الدروس والمحاضرات:
وفي مساجدهم وحسينياتهم, تكثر الدروس والمحاضرات, وتوضع الإعلانات لذلك دون رقيب أو حسيب في الوقت الذي لا يسمح لجيرانهم من أهل السنة بإقامة المحاضرات إلا بإذن من الإمارة ومركز الدعوة, وهذه بعض محاضراتهم:
أهل البيت في القرآن لعلي السيد ناصر, والتشيع والولاية لعبد الله الموسوي, والتقية وحدودها لمنير الخبّاز, والندوة العقائدية لحسن الخويلدي.
3–الأعياد والمآتم:
وهم كغيرهم من الشيعة دائمو الاحتفال بمناسبات يلصقونها بآل بيت النبي صلى الله عليه وسلم وكثيرو الإقامة للمآتم, ومن ذلك:
–أسبوع الرسول الأعظم في ذكرى ميلاده مسجد العباس بالعوامية, في الفترة من 12–17 ربيع الأول 1424, وإضافة إلى المحاضرات احتوى الأسبوع على معرض كتاب وأناشيد.
–الاحتفال بالمبعث النبوي في القطيف في مسجد علي المرهون في 27 رجب 1423, وألقى المحاضرة حسن الصفّار, أحد أبرز علماء وشخصيات الشيعة في السعودية.
4–حملات وشركات الحج والعمرة:
وتكثر الإعلانات عندهم عن حملات الحج والعمرة والزيارة لقبر الرسول صلى الله عليه وسلم والعتبات المقدسة في المناسبات المختلفة, مثل الرجبية, وعطلة الربيع وأشهر الحج وغيرها.
ويرافق هذه الحملات عدد من شيوخهم للتوجيه والإرشاد ومحاولة التأثير على الحجاج, ومن حملاتهم:
–حملة الإمام زين العابدين ويشرف عليها حسني مكي الخويلدي.
–حملة علي أحمد العبد العال في الخويلدية بالقطيف ويشرف عليها حسين صالح آل صويلح.
–حملة أحمد خميس آل عطية لزيارة مسجد الرسول الأعظم والعتبات المقدسة!
5–محكمة الأوقاف والوصايا:
وهي خاصة بهم ويرأسها شيعي, رغم أنها تتبع وزارة العدل. وفي حقبة سابقة وتحديداً زمن مؤسس المملكة عبد العزيز آل سعود تم تعيين الشيخ الشيعي علي الخنيزي قاضياً أكبر في القطيف يتقاضى أمامه جميع السكان السنة والشيعة على حد سواءة(10) .
ب–التربوية والثقافية:
للشيعة في السعودية تواجد تربوي وثقافي, وحضور في مختلف المؤسسات والدوائر, وفي مناطقهم الكثير من المدراس لمختلف المراحل وهي غالباً مكتظة بالطلاب, ويقبل الشيعة على العمل في سلك التعليم, وفي الوظائف الإدارية المرتبطة به, ففي منطقة المدينة النبوية التعليمية تعمل 300 مدرسة شيعية, أما في المنطقة الشرقية فالعدد كبير جداً, إضافة إلى أن المدرسين الشيعة يقومون بتدريس الطلاب من أهل السنة, ويبثون فيهم بعضاً من عقائدهم وأفكارهم.
وإضافة إلى المدارس, فلهم في الجامعات تواجد ملحوظ, وخاصة في جامعة الملك فيصل بالدمام والإحساء والملك فهد بالظهران, كما أن لهم ميولاً للعمل في الكليات والمعاهد التقنية والصناعية.
ويحرص الشيعة على إقامة المعارض الثقافية ومعارض الكتاب وفيها تباع الكتب المخالفة للعقيدة الإسلامية ككتاب التوحيد لابن بابويه القمي, والآيات البينات لمحمد الحسين كاشف الغطا. كما يحرصون على الكتابة في الصحف والمجلات وإنشاء النوادي الأدبية والإصدارات الثقافية.
ج–الاجتماعية:
يمتلك الشيعة جمعيات خيرية عديدة تلقى دعم وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وبعض أفراد أهل السنة, ومن هذه الجمعيات: جمعية العمران الخيرية, وجمعية المواساة الخيرية بالقارة, وجمعية البطالية, وجميعها بالإحساء.
وتقوم هذه الجمعيات وغيرها بجهود كبيرة لمساعدة الشيعة في رعاية المرافق العامة في المنطقة كأماكن العبادة ومغاسل الموتى وإصلاح المقابر, وإقامة الدورات المختلفة في الحاسوب والطباعة والخياطة, والاهتمام بالمرضى ومساعدات الزواج وإقامة الأعراس الجماعية التي يعول عليها الشيعة لزيادة نسبتهم في السعودية.
د–الاقتصادية:
للشيعة نشاط اقتصادي كبير وخاصة في شرق المملكة وتواجد ملحوظ في المؤسسات النفطية وهم يمارسون مهناً ثابتة كالزراعة والصيد والحرفة (11) , ومن تجارهم الكبار:
السيهاتي للنقل, وأبو خمسين وهو صاحب تجارة منوعة, والمرهون للمزادات العلنية, كما أنهم يستحوذون على تجارة الذهب في المنطقة الشرقية, وكذلك أسواق الخضار والفواكه, والأسماك والتمور, إضافة إلى المؤسسات المتنوعة في المنطقة الشرقية وكذلك في المدينة المنورة ة(12) .
هـ–السياسية:
وكذلك يتولى بعض الشيعة مراكز هامة في الدولة وأيضاً كان لهم مركز معارضة في لندن وواشنطن تصدر عنه مجلة الجزيرة العربية.
وقد شكل الشيعة عصب التنظيمات والحركات السياسية السرّيّة التي شهدتها المملكة والتي كانت معروفة على الصعيد العربي مثل القوميين والبعثيين والشيوعيين والناصريينة(13) وهذا مما يدل على التقارب الحقيقي بين كافة أبناء اليهودية العالمية (الشيعة/ ابن سبأ – الشيوعية/ ماركس)!
الشيعة في السعودية والتغيرات الداخلية والأوضاع الإقليمية:
يتأثر شيعة السعودية كغيرهم من الشيعة سلباً وإيجاباً بالأوضاع الإقليمية, وتطورات الأوضاع في بلدهم, لكن الثابت أن علاقة الشيعة بالسعودية ليست إيجابية في معظم أوقاتها, وقد بدأت المعارضة الشيعية للدولة السعودية منذ وقت مبكر, فقد أنشأ محمد الحبشي سنة 1925 جمعية شيعية اعتبرتها السلطات غير قانونية, وفي سنة 1948 وصلت القلاقل الشيعية إلى حد الانفجار في مظاهرات واسعة النطاق وفوضى عمّت "القطيف" بقيادة محمد بن حسين الهراج, حيث كان المتظاهرون يطالبون بالانفصال عن المملكة, وكان من أسباب الدعوة إلى الانفصال ظهور النفظ في شرق المملكة, وتعاظم أهميتها الاقتصادية.
وفي سنة 1949 اكتشفت الحكومة وجود جماعة ثورية(14) بالقطيف تعمل تحت اسم جمعية تعليمية, فقامت بحل الجمعية ومات أحد زعمائها وهو اليساري عبد الرؤوف الخنيزي في السجن, وامتدت هذه الحركة إلى الجبيل سنة 1950. وظلت الاضطرابات والمصادمات مستمرة بين شيعة المنطقة الشرقية والسلطات السعودية في أعوام 1953 و 1970 و 1978(15) .
إيران:
ومع قدم ثورة الخميني في فبراير سنة 1979, كان شيعة السعودية على موعد مع الأمل, إذ أن هذه الثورة التي انقاد لها معظم الشيعة في العالم أوجدت لديهم الرغبة في الحكم وتأملوا بصعود نفوذهم, ففي أواخر سنة 1979, اندلعت الاضطرابات الواسعة في القطيف وسيهات وجاءت متزامنة مع أيام الحداد الديني لدى الشيعة (عاشوراء) واحتجاز الرهائن الأمريكيين في طهران, وأحداث جهيمان في مكة المكرمة (16) , كما أنها جاءت استجابة لنداء الخميني لشيعة السعودية بالثورة على آل سعود, وفي 19 نوفمبر سنة 1979 سحق الحرس الوطني السعودي المظاهرات الشيعية واستمرت الاضرابات حتى نهاية ذلك العام.
وبالرغم من التأثير الكبير للثورة الإيرانية على شيعة السعودية, إلا أن هذا التأثير بدأ بالنزول بسبب تجاوزات نظام الخميني في الداخل وعجزه عن إحراز نصر حاسم على العراق (17) .
وظلت علاقات السعودية بشيعتها غير ودية, وكانت علاقة المملكة المتوترة مع إيران إحدى أسباب هذا "اللاود", حيث كانت دول الخليج ومن ضمنها السعودية مسرحاً للتخريب الإيراني, والاعتداء على السفارة السعودية في طهران, وبلغ التخريب أوجه في محاولة الاعتداء على بيت الله الحرام, وإفساد موسم الحج عامي 1987 و 1989م.
إلا أنّ سنوات التسعينات وبعد وفاة الخميني وانتهاء الحرب العراقية الإيرانية شهدت تقارباً إيرانياً مع معظم دول العالمة (18) , ومنها السعودية, حيث توقفت الحملات بين البلدين, وتوثقت العلاقات الاقتصادية, وتوالت الزيارات لكبار المسؤولين من كلا البلدين, ووقّع البلدان اتفاقية أمنية سنة 2001م تعتبر علاقة مميزة في العلاقات بين البلدين.
وكان من الطبيعي أن ينعكس هذا التقارب بين السعودية وإيران على شيعة السعودية, ومن ذلك الاتفاق الذي تم بين الحكومة السعودية والمعارضة الشيعية في الخارج وعلى أثره أغلقت مكاتبها وعادت إلى السعودية دون ملاحقات.
العراق:
وجاءت الأحداث المتسارعة في العراق, وسقوط نظام صدام حسين, والصعود الكبير للشيعة لتنعش آمال شيعة السعودية, حيث قام 450 شخصة شيعية في المملكة فور انتهاء الحرب على العراق, وبدء الظهور الشيعي هناك بتوجيه عريضة إلى ولي العهد السعودي عبد الله بن عبد العزيز يطالبون فيها بتحسين أوضاعهم وأن تتاح أمامهم الفرص, وباستلامهم لمناصب عليا في مجلس الوزراء والسلك الدبلوماسي والأجهزة العسكرية والأمنية ورفع نسبتهم في مجلس الشورى.
كما طالبوا في العريضة بالتوقف عن وصف مذهبهم بالكفر والشرك والضلال, والسماح بإدخال الكتب والمطبوعات الشيعية إلى البلاد, واستحداث جهة رسمية للأوقاف تابعة إدارياً لوزارة الأوقاف كما هو الحال في البحرين والكويت.
وقد عبّرت هذه العريضة عن مختلف الأطياف الشيعية, إذ أنها لم تقتصر على رجال الدين, فقد وقّع عليها علمانيون وشيوعيون وشخصيات عادية, كما أنّها شهدت للمرة الأولى مشاركة شيعة المدينة المنورة في العرائض, حيث ولّد الوضع عندهم وعند غيرهم ثقة بالغة بالنفس. كما طالبوا بأن تحترم الحكومة السعودية جميع المذاهب ومنها المذهب الشيعي, كما طالبوا بأن يكون لهم تمثيل في المؤسسات الإسلامية التي ترعاها المملكة كرابطة العالم الإسلامي والندوة العالمية للشباب الإسلامي وهيئة الإغاثة الإسلامية العالمية والمجلس الأعلى للمساجد.
البحرين:
وفي البحرين التي حقق فيها الشيعة إنجازات هامة مع قدوم الشيخ حمد بن عيسى 1999 كإطلاق سراح المعتقلين وعودة المبعدين وإنشاء الجمعيات السياسية وإصدار الصحف والمنتديات والدخول إلى المجلس النيابي ومجالس البلديات. والتغيرات التي حدثت في البحرين والعراق والتي ترتبط ارتباطاً كبيراً بالمنطقة الشرقية تؤثر في شيعة السعودية.
ومن أبرز الذين وقّعوا على هذه العريضة: محمد سليمان الهاجري قاضي محكمة الأوقاف والمواريث بالإحساء, وعلي ناصر السلمان وحسن الصّفّار وهاشم السلمان وهم من رجال الدين, وزكي الميلاد رئيس تحرير مجلة الكلمة, ومن رجال الأعمال جعفر الشايب وحسين النمر وأحمد النخلي ورضا المدلوح…(19) .
الحرب على الإرهاب:
وعملت المتغيرات العالمية والحرب على الإرهاب في الضغط على الحكومة السعودية وتم تحميلها المسؤولية أو جزءاً منها في أحداث نيويورك وواشنطن سنة 2001, وبدأ القادة الأميركيون يوجهون هجومهم نحو السعودية وسياستها ومنهاجها التعليمية, وكانت الورقة الشيعية إحدى الأوراق التي تهدف إلى الضغط على الحكومة السعودية وإظهارها بمظهر المعادي لحقوق الإنسان.
واستغل الشيعة هذا الأمر وبدءوا يعلنون مطالبهم ويكثرون من الشكوى, وأدى هذا إلى قيام الدولة السعودية بعقد الحوار الوطني السعودي لأول مرة بين علماء السنة وممثلين عن الشيعة والإسماعيلية وغيرهم.
وقد كان لهذا الحوار أصداء كبيرة لم تظهر للآن النتائج المترتبة عليه, لكن الشيعة سعياً لتحقيق المزيد من المكاسب يستخدمون سياسة تصعيد المطالب والاستمرار فيها من أجل إرباك الدولة والاستفادة من حاجة السعودية للأمن لتحسين صورتها في الإعلام العالمي بالتصريح لوسائل الإعلام أنهم مظلومون وأنهم مقموعون وهكذا.
المراجع:
1– الأصولية في العالم العربي – ريتشارد دكمجيان.
2– هموم الأقليات – التقرير السنوي الأول لمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية في مصر لسنة 1993.
3– تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدّامة – د. محمد عبد الله عنان.
4– وجاء دور المجوس – د. عبد الله الغريب.
5– أطلس تاريخ الإسلام – د. حسين مؤنس.
6– التاريخ الإسلامي – الجزء السابع – محمود شاكر.
7– ملوك العرب – أمين الريحاني.
دوريات ومواقع:
1– القدس العربي.
2– شبكة الدفاع عن السّنة.
3– الوكالة الشيعية للأنباء.
––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––––
(1) القرامطة: حركة باطنية هدّامة, اعتمدت التنظيم السري العسكري, وسميت بهذا الاسم نسبة إلى حمدان قرمط بن الأشعث الذي نشرها في سواد الكوفة سنة 278هـ.
انظر للمزيد من عقائدهم وأفكارهم وانتشارهم:
–الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة الصادرة عن الندوة العالمية للشباب الإسلامي ص395.
–وجاء دور المجوس للدكتور عبد الله الغريب ص69.
(2) هناك من يوسّع بلاد البحرين فيرى أنها المنطقة الممتدة بين مسقط (في عُمان) والبصرة (جنوب العراق). انظر ملوك العرب لأمين الريحاني ص720.
(3) محمود شاكر, التاريخ الإسلامي – الجزء السابع ص117–118.
(4) المصدر السابق ص115.
(5) د. حسين مؤنس, أطلس تاريخ الإسلام ص207.
(6) المصدر السابق ص209.
(7) المصدر السابق ص209.
(8) انظر دراسة: المخطط الرافضي في المملكة العربية السعودية الصادرة عن شبكة الدفاع عن السّنة بتاريخ 25/4/2003.
(9) نشرت شبكة الراصد بحثين عن الشيعة في هذين البلدين في العددين الأول والثالث.
(10) نجيب الخنيزي – النشاط السياسي للشيعة في السعودية.
(11) النشاط السياسي للشيعة في السعودية – نجيب الخنيزي المنشور في الوكالة الشيعية للأنباء.
(12) انظر دراسة المخطط الرافضي في المملكة العربية السعودية المنشور في شبكة الدفاع عن السنة.
(13) النشاط السياسي للشيعة في السعودية.
(14) لاحظ انتشار الأفكار الثورية دائماً بين الشيعة وهذا يؤكد الصلة بين التشيع والشيوعيين لأنهم من مصدر يهودي!
(15) ريتشارد دكمجيان, الأصولية في العالم العربي ص204.
(16) أصدر شيعة السعودية كتاباً في الثناء على جهيمان وتمجيد ثورته يعنوان "دماء في الكعبة!" وذلك لأنهم يرون أن نجاح جهيمان في القضاء على الدولة السعودية يفتح لهم باباً واسعاً للقضاء عليه فيما بعد.
(17) المصدر السابق ص206.
(18) وذلك بسبب السياسة الشيعية الجديدة (الانفتاح الثقافي) ولاحظ أنها جاءت بعد السياسة الشيوعية البيروسترويكا الإصلاح!! وكيف أن إيران والشيعة في الدول العربية قد حصلوا على مكاسب بالدبلوماسية لم يستطيعوا الحصول عليها بالثورة والعنف, ثم للأسف بعض أهل السنة الآن يتخذ العنف الوسيلة الوحيدة للعمل؟!
(19) انظر القدس العربي 1/5/2003.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق