2009/04/27

شوكة في الحلق الشيعي

شريف عبد العزيز
مفكرة الإسلام
أثار إعلان القبض علي خلية لحزب الله تعمل علي نشر المذهب الشيعي وزعزعة الاستقرار الداخلي في مصر الكثير من التساؤلات عن حالة الاسترخاء الأمني والثقافي والاجتماعي التي عليه السلطات المصرية، والتي أدت لتكوين لوبي إيراني قوي داخل مصر أكبر دول العالم الإسلامي والعربي، ومركز الثقل القوي في العالم السني، بعيداً عن التصنيفات السياسية الخاصة بأنظمة الحكم المتبعة داخلها حتى، لا يجادل البعض بكونها أنظمة علمانية أو غير ذلك، وبعيداً أيضا عن محاور الاعتدال أو الممانعة، فالقضية تتعلق بالقاعدة الشعبية، وطبقة جماهير الأمة التي صارت في الفترة الأخيرة غرضاً لتيارات مشبوهة تستهدف النيل من ثوابتها ومبادئها، وما درجت عليه من الفتح الإسلامي حتى وقتنا الحاضر.
فمصر كانت ولا زالت شوكة في الحلق الشيعي وعقدة تاريخية راسخة لدي التيارات الشيعية علي اختلاف فرقها ومذاهبها، فالشيعة أبداً لم ولن ينسوا أن مصر كانت ولقرنين من الزمان عقر دار التشيع، وقلعة الرفض، وحصن الزندقة الذي يأتيه الضلال والزنادقة والكارهون للإسلام من كل فج عميق، الشيعة لن ينسوا أبداً أن الأزهر منارة الإسلام لقرون طويلة، كان قلعتهم العلمية، وحوزتهم البدعية، وهم الذين بنوه بأيديهم، وأوقفوا عليه الأموال والأرزاق والأوقاف الضخمة، ليكون منارة للتشيع في العالم الإسلامي قديماً، الشيعة لن ينسوا أمجاد الدولة العبيدية الخبيثة الملقبة زوراً بالفاطمية، والتي كانت شجي في حلوق المسلمين في كل مكان، وشوكة في خاصرة الدولة العباسية السنية، الشيعة لن ينسوا عندما كان الدعاة الشيعة ينطلقون من قاهرة المعز إلي شتي بقاع الأرض محملين بالعقائد الفاسدة والضلالات والخرافات، لينشرونها في كل مكان، وينشرون معها الفوضى والاضطراب، والشواهد التاريخية علي ذلك كثيرة .
هذه ليست المرة الأولي التي يحاول الشيعة الرافضة وغيرهم النيل من مصر حكومة وشعباً، القصة قديمة والعزم أكيد، والمحاولات لم ولن تنقطع، فبعد أن نجح صلاح الدين الأيوبي رحمه الله في اجتثاث الدولة العبيدية الخبيثة من مصر سنة 567 هجرية، اجتمع عدة رجال من أتباع الدولة البائدة منهم عمارة اليمني الشاعر وابن عبد القوي وداعي الدعاة وغيرهم، وقرروا التآمر علي اغتيال صلاح الدين وخواصه، وإعادة مجد الدولة الفاطمية، ولكن الله كشف مخططهم، وفشلت المؤامرة، وبعد ذلك بعدة سنين، وصلاح الدين مشغولاً بجهاد الصليبيين في الشام والحرب علي أشدها من أجل تحرير بيت المقدس، خرج مجموعة من دعاة الشيعة، في أحياء القاهرة يهتفون بشعارات الشيعة، و يصرخون يا آل علي، فلم يستجب لهم أحد من أهل مصر الذين فرحوا بشدة لذهاب أيام الشيعة النحاسات مع الدولة الفاطمية، فلما رأي الدعاة الشيعة هذا التجاهل والإعراض ولوا هاربين قبل أن يقعوا في يد رجال صلاح الدين .
واليوم وبعد مئات السنين من سقوط معقل التشيع في مصر، عاد التشيع ليطل بوجهه القبيح مرة أخري في أرض مصر، مستغلا حالة التميع السياسي والتناحر الداخلي بين رجال النخبة الحاكمة من الحرس القديم وأنصار الفكر الجديد، وحالة التدهور الاقتصادي ومشاكل البطالة وارتفاع الأسعار، أضف لذلك حالة الاحتقان الكبير الذي عليه الشعوب العربية عموماً والمصرية خصوصاً، أعقاب حرب غزة، والجروح الغائرة التي خلفتها هذه الحرب في العلاقة بين الشعوب وحكوماتها، خلال هذه البيئة المحتقنة و الأجواء المتوترة، بدأت أفاعي التشيع في التسلل ببطء داخل البيئة المصرية، مستغلة الفراغ السكاني في بعض أحياء القاهرة، وبفكر الأقلية المنبوذة أخذ العراقيون الشيعة الذين استضافتهم القاهرة بعد أن شردتهم الحرب في التجمع بمدينة 6أكتوبر التي أصبحت محافظة قائمة بذاتها الأن، وامتلكوا الشقق والعقارات والمحلات، وأقاموا المصانع وفتحوا المحال، ومارسوا كل الظروف المعيشية بمنتهي الحرية، في ظل الأمان التام والراحة الكاملة التي وفرتهم لها الحكومة المصرية، وبعد فترة من السكون والتقية أخذ الشيعة في إظهار نواياهم الخبيثة، وبان سر تفضيلهم لمصر تحديداً كمهجر ووطن لهم بعد سقوط العراق مع أن الدولة الأن للشيعة هناك، واتضح سر اختيار هذه البقعة النائية عن صخب القاهرة، فطالبوا بإقامة حسينيات لهم ب6أكتوبر ليمارسوا فيها شعائرهم البدعية، وحوزات لنشر الفكر والدين الشيعي، وعندما رفضت الحكومة المصرية بإصرار طالبوا الهيئات الدولية بالتدخل، وأبلغوا لجان حقوق الإنسان، وأثاروا المسألة لدي المحافل المتربصة بالعالم الإسلامي، ليصدر آخر تقرير من منظمة العفو الدولية مديناً مصر بانتهاك الحريات الدينية للشيعة بمنعهم من أداء شعائرهم الدينية، وأخذت المحلات المملوكة لعراقيين شيعة بالمدينة، في تشغيل أشرطة الخطب الشيعية، والإغلاق في المناسبات الشيعية، من باب تمهيد قبول مثل هذه الممارسات البدعية داخل المدينة، ثم تلي ذلك إقبال الطلبة الخليجيين الشيعة على السكنى في 6أكتوبر تحديداً، وتنظيم لقاءات دورية لتدارس أحوال التشيع داخل مصر، وفق مخطط مدروس بعناية يستهدف التغلغل داخل شرائح الشعب المصري وطبقاته، حتى استطاعت أجهزة الأمن المصرية القبض على خلية حزب الله، لتتعطل الكثير من مخططات التشيع في مصر، فيقرر الشيعة أخذ خطوة جريئة تمثلت في قيام مجموعة من الطلبة الشيعة والخليجيين برفع الآذان في غير وقته المعروف، وبالصيغة الشيعية الشهيرة .
ولكن ما الذي دفع الشيعة للإقدام علي هذه الخطوة التي تبدو للوهلة الأولي أنها خطوة متسرعة؟
هناك عدة أسباب من الممكن فهم الخطوة الشيعية، وقراءة الحدث من خلالها:
ـ جس نبض الشارع المصري تجاه مثل هذه الممارسات العلنية للتشيع داخل المجتمع السني، ومدي تفاعله مع مثل هذه الشعائر غير المألوفة، وقد جاء رد الفعل المصري برداً وسلاماً علي كل مسلم وسني، حيث سارع سكان الحي الذين سمعوا الآذان الشيعي بالنزول إلي الحسينية المستترة، والاشتباك مع الطلبة الشيعة واقتيادهم لمخفر الشرطة .
ـ استغلال حالة التعاطف التي داخلت بعض المصريين نتيجة الدعايات الشيعية المكثفة التي أظهرت إيران وحزب الله بأنهم حماة الإسلام، وقوي الممانعة ضد الهيمنة الأمريكية والغطرسة الإسرائيلية، وأيضا نتيجة فجاجة وسوقية الهجوم الإعلامي من بعض وسائل الإعلام المصرية ضد حسن نصر الله وحزبه، والتي خلقت نوعاً من التعاطف مع الحزب الذي ظل الإعلام الذي يسبه الأن يرفع فيه ويمجده من قبل .
ـ زيادة الفوضى والتوتر والاضطراب الواقع في مصر هذه الأيام جراء الكشف عن خلية الحزب، والحملة الأمنية العنيفة التي تلت هذا الكشف، والتي طالت أناس لا ناقة لهم في الموضوع ولا جمل، وبيئة الفوضى هي البيئة المفضلة لدي الشيعة لنشر مذهبهم وعقائدهم .
ـ إظهار مصر في صورة البلد الذي يضطهد الشيعة ويضيق عليهم ويمنعهم من أداء شعائر دينهم، مما يسبب إحراجاً للحكومة المصرية في المحافل الدولية، ويعطي الشيعة وأعداء الأمة ورقة ضغط جديدة تضاف لأوراق الأقباط والبهائيين والقرآنيين .
وربما تكون هناك أسباب أخري غير التي ذكرناها، لكن الأهم من ذلك أن اللوبي الإيراني داخل مصر أصبح الأن قوياً وظاهراً، وأصبح متغلغلاً داخل الكثير من الأماكن الحساسة في المجتمع المصري، أصبح له الأن صحف تتحدث باسمه وتروج لمعتقداته، وكتاب وصحفيون يدافعون عنه، أحزاب تتبني مشروعه وأفكاره، وجماعات إسلامية تسعى لتطبيق منهجه وآلية حركته، وأئمة مساجد وجوامع يعتلون المنابر كل يوم جمعة ليوجهوا مشاعر الناس وقلوبهم ناحيته .
وبالجملة مصر الأن تدفع ثمن سكوتها وإغضاءها الطرف عن التبشير الشيعي في بلادها، مصر تدفع ثمن دخولها في مهاترات جانبية مع بعض الدول العربية، وانشغالها بقضايا داخلية تافهة، مصر تدفع ثمن سكوتها علي بعض الصحف التي تجرأت من قبل وسبت الصحابة واستهزأت بهم،وقبل ذلك كله تدفع ثمن قعودها عن الذب عن دينها وسنة نبيها الأكرم عليه الصلاة والسلام، كما يليق ويناسب مكانة هذا البلد الكبير، ولكن رغم كل شيء، فإن الوقت لم يفت، وبالإمكان إدراك ما كان شريطة الانتباه وترك الغفلة والالتفات قليلا ً نحو الغزو الشيعي لعقر دار الإسلام.

أبناء إيران ياأبناء الأزهر !

خالد روشه
مفكرة الإسلام
لم يكن اعتراف حسن نصر الله بإرساله لتنظيم شيعي مسلح إلى مصر مستغربا عند المدركين للطرق والأساليب التي اتبعتها الثورة الخومينية منذ ظهورها وحتى الآن، ولا عند المدققين في دهاليز وطرق الألاعيب الإيرانية ومحاولتها التوسعية في المنطقة، ولا عند المراقبين للشأن اللبناني ولا العراقي حيث تبدو بوضوح الخطوط الإستراتيجية لحزب الله ونظرائه من الميلشيات الشيعية المدعومة إيرانيا والتي قد أذاقت أبناء السنة في البلدين المر والحنظل ..
الذين أصابتهم الدهشة ربما أو الخيبة من باب أولى، وسقط في أيديهم، هم الطابور الخاص من الإعلاميين المدعومين إيرانيا، والمسيسين شيعيا، وبعض المشتغلين بالسياسة ممن يتسللون من طرف خفي ليفرضوا أجندة تخفي خلفها أطماعا لتكوين امبراطورية فارسية صفوية تكون الدول السنية جزءا منها ..
أما نحن فلنا حق أن نستغرب ردود أفعال هؤلاء حتى بعد اعتراف " نصر الله" بإرساله عناصر من حزبه المسلح والمدرب عسكريا إلى مصر، ولنا حق أن نتساءل عن سبب ذاك الدفاع الشديد عن موقف ذاك الرجل الذي لازال يهدد الدولة السنية الأكبر في المنطقة، سواء بخطاباته الرنانة الداعية إلى ثورة شعبية أو بتنظيماته المسلحة الراغبة في تخريب البلاد ونشر الفوضى بين ابنائها ..
كذلك نجد صعوبة كبيرة في فهم ما أعلن عنه من مواقف بعض قادة جماعات إسلامية واسعة الانتشار من فعل الرجل وتهديده للأمن القومي المصري, وعدم إصدار أي بيان لإدانة فعلته الشنعاء حتى بعد اعترافه بها، وهو الأمر الذي يجعلنا نضع علامات الاستفهام الكثيرة أمام ذلك التعاطي مع الاتجاه الشيعي والسياسة الإيرانية،ويجعل كثيرا من المراقبين يضمون ذلك مباشرة لسلسلة التصريحات التي أدلى بها قادة تلك الاتجاهات والتي لم تر فيها بأسا بنشر التشيع في المنطقة في الوقت الذي يستهدف الشيعة فيه علماء الأمة ودعاتها وأوطانها .
نصر الله أبى إلا أن يستهدف بلدا مسلما سنيا بتنظيماته المسلحة، ويعمد إلى فتح ذراع لحزبه داخل بلد الأزهر الشريف، ويخطو خطوات متتابعة لنشر التشيع بين أفراده .
وعجبا سمعنا تبريره للحادثة بينما يلقي الخطاب المتلفز الذي تميز بافتعال الهدوء الشديد وأخفى خلفه توترا كبيرا لم يعتد عليه الرجل في خطاباته السابقة إبان تهديده لمصر علنا ودعوته ضباطها للانقلاب !
التبرير العجيب تمثل في قوله إنه قد أرسلهم لتقديم دعم لوجستي للمقاومة في غزة، ولم يفسر زعيم حزب الله لماذا لم يقدم هذا الدعم بصورة رسمية عن طريق الحكومة اللبنانية التي هو مشارك فيها؟ كما لم يوضح لماذا لم يقدم هذا الدعم عن طريق سوريا بما تربطها بحماس من روابط كثيرة، ,ولم يفسر نصر الله لنا لماذا وكيف بدأ ترتيبه هذا قبل حرب غزة بفترات طويلة جدا ؟ هل لأنه كان يعلم بحرب غزة من أطراف صهيونية مثلا قد أنبأته النبأ ؟! أم أنه أراد أن يقيم قاعدة محصنة في القاهرة يستغرق بناؤها الشهور الطوال؟! ومن ثم يستطيع دعم غزة!!
وهل نسي نصر الله أنه خلال حرب غزة لم يقدم حزبه أي نوع من دعم أو مشاركة بينما أبناء غزة يقصفون ليل نهار؟! ولم يكلف نفسه صاروخا واحدا من ضمن الترسانة الكبيرة للصواريخ التي مازال يتحدث عنها في خطاباته ؟
أبناء نصر الله الذين أرسلهم إلى مصر هم أنفسهم الذين خرجوا للمناطق السنية اللبنانية قبل شهور ليعيثوا فسادا فيها, ويروعوا الآمنين ويقتلوا الناس في الطرقات، وهم أنفسهم الذين شاركوا حركة أمل الشيعية اللبنانية قبل الإعلان عن الحزب في سحق الفلسطينيين في مخيماتهم في حرب لبنان الأولى، وهم أنفسهم الذين دربوا ميلشيات سفك الدم العراقي ، وهم أنفسهم الذين تربوا على التقية بأن يبدو مالا يبطنون من الحقائق، كما تربوا على كراهية من أسموهم النواصب، وهم أهل السنة في كل موطن، وهم أبناؤه الذين مافتئوا يسبون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويتهموا زوجاته بالفاحشة ..
أبناء نصر الله أيها القارىء الكريم انتشروا الآن بين ظهرانينا، يدعون لمذهبهم الكاره للصالحين الأولين، وينشرون الخوف بين أبناء أوطاننا، ويسعون لإغراء قليلي العلم وضعيفي الإيمان بالأموال، والشعارات الزائفة ليستميلوه نحوهم ..
أبناؤه الآن صاروا رؤساء لصحف تشتم أمهات المؤمنين على صفحاتها، وتلمع صورة نصر الله حتى صارت لا تسميه إلا " سيد المقاومة" !، وصاروا سياسيين كبارا تفرد لهم البرامج الفضائية الشهيرة ساعاتها !
لقد بان في خطاب نصر الله الذي أدلى فيه باعترافه كم هو متأثر كنتيجة مباشرة لعلمه بمدى تورط حزبه في القضية ومدى حصول الأمن المصري على دلائل تؤكد اتهامه وضلوعه المباشر في المشكلة، واعتقد أن نصر الله طوال اليومين الذين سبقا خطابه لم يجد بعد طول بحثه تبريرا يمكن أن يحدث بلبلة شعبية أو تعاطفا جماهيريا بعد انكشاف فعلته إلا ما أسماه الدعم اللوجستي للمقاومة ... فهل ينطلي ذلك على أحد حتى من البسطاء؟! إن هذا الشعار الذي رفعه نصر الله مبررا به الاتهام، قد سبقه فيه كثير من المجرمين في حق الأمة الذين كتب التاريخ أسماءهم في سجل الخيانة والعمالة طوال عقود من الزمان، وهم بينما كانوا يهتفون بشعارات فلسطين كانت خناجرهم تطعن أبناءه من الخلف، وأيديهم تعبث تحت المناضد تستلم الثمن .
فلمن يدين حزب الله بالولاء والانتماء؟ أليست إيران ؟! وماهي اليد التي يقبلها حسن نصر الله صباح مساء؟ أليست هي يد خامنئي مرشد الثورة الإيرانية ؟!، أليست إيران هي من فتحت أبواب بغداد للأمريكيين باعترافات قادتها؟ أليسوا هم من سفكوا دماء أبناء العراق السنة وقتلوهم على الهوية ؟!
إن أبناء الحزب الشيعي المتطرف قد قدموا إلى بلادنا يتخطيط مسبق يأملون في بناء عمق استراتيجي لهم يمكنهم أن يستخدموه إذا سنحت لهم الفرصة، وحانت لهم إشارة البدء من أصحاب العمائم السوداء !

تلاعب إيران بالقضية الفلسطينية

أسامة شحادة [1]
شبكة الراصد الإسلامية
من المتفق عليه أن القضية الفلسطينية رافعة لكل من أراد أن يشتهر ويروج بين الناس من دولة أو حزب أو جماعة أو شخص، فيكفي بعض الشعارات الرنانة أو الحركات الاستعراضية التي تدغدغ العواطف وبعدها تأخذ الشرعية والمصداقية من الجماهير الجاهلة والمندفعة، وعلى أساس هذه القاعدة تعاملت إيران الخميني مع القضية الفلسطينية.
البداية:
تعود علاقة إيران الخميني بالقضية الفلسطينية حين كانت مضطهدة ومطاردة في منتصف السبعينيات فهربت إلى العراق ولبنان حاضنة كل الأحزاب والتنظيمات، وهناك تبنت منظمة التحرير الفلسطينية كوادر الخميني فدربتهم على العمل السياسي والعسكري وسلحتهم ودعمتهم من أموال الثورة الفلسطينية لأنهم أعداء الشاه حليف إسرائيل القوي في معسكراتها بالعراق ولبنان، كما أن المنظمة عملت على فتح الأبواب أمامهم لدى الدول العربية وحصلت لهم على مساعدات مالية منها. وذلك بعد أن سبق للمنظمة أن احتضنت موسي الصدر وقدمت له الدعم والرعاية والسلاح والتدريب، حتى قيل أن أبو عمار هو من اختار اسم حركة أمل لها، وبذلك كان الفلسطينيين متفضلين على شيعة لبنان وثورة الخميني ولم يكن البعد الطائفي موجوداً في حساباتهم في لبنان.
كما أن رفسنجاني بمساعدة من موسي الصدر قام بمقابلة عرفات في بيروت قبل قيام الثورة الإيرانية بغية الإستفادة منها حيث كان رفسنجاني ورفاقه معجبون بنموذج الثورة الفلسطينية[2]
بعد نجاح الثورة:
وحين نجحت ثورة الخميني كان عرفات أول من استقبل في طهران مهنئاً بالانتصار، وفي خطاب لعرفات بطهران تفاخر بأنه درب عشرة آلاف عنصر إيراني في معسكرات فتح وأنه أعطاهم عشرة آلاف كلاشنكوف، ومن ثم قدم عرفات مزيد من السلاح للخميني ودرب الحرس الثوري، وقامت إيران بإعطاء منظمة التحرير الفلسطينية مقر السفارة الإسرائيلية في طهران لتكون سفارة لهم، وعين هاني الحسن سفيراً للمنظمة في طهران وجلال الدين الفارسي سفيراً لإيران لدي المنظمة ومن ثم تولى مصطفي جمران السفارة.
كما تم فتح مركز ثقافي للمنظمة في أصفهان وتعيين مندوب عنها في كل مدن إيران ، وطلبت إيران من المنظمة وعرفات الحصول على تأييد حرب الأهواز للثورة، فذهب عرفات وأحمد الخميني لافتتاح مكتب المنظمة بالأهواز لهذه الغاية.
وسرعان ما ظهرت محاولات ثورة الخميني في محاولة أجنحة الثورة لتوظيف المنظمة في أغراضها الخاصة، فبعد أشهر تم الطلب من المنظمة إقفال مكتب الأهواز، واستمرت المضايقات ليغادر هاني الحسن منصبه هناك، ولم يتحسن الوضع مع السفير الجديد، وحين حاول وفد رفيع من المنظمة التوسط في قضية الرهائن الأمريكان رفض الخميني مقابلتهم رغم أن قطب زادة وزير الخارجية الإيراني أرسل برقية رسمية بالموافقة على الوساطة الفلسطينية. وخاصة مع تصاعد سياسات تصدير الثورة ومحاولة الزج بالمنظمة في ذلك، وبعدها جاءت الحرب مع العراق التي وقفت فيها المنظمة على الحياد فاعتبرت إيران ذلك موقف عدائي تجاهها، وبذلك انتهت العلاقة الودية ودخلت مرحلة الجمود[3].
وعلى الجانب اللبناني لم يكن الحال بأفضل من ذلك، فرغم أن المنظمة هي من أنشأت منظمة أمل ودربتها وسلحتها إلا أن الغدر والخيانة كان جزائها منها، فحين غزت إسرائيل لبنان سنة 1982 لم تشارك أمل بالقتال ضد اليهود سوى بالبيانات، بل بعضهم قام بالترحيب بالجيش الإسرائيلي، [4] وقد فضح ذلك شارون في مذكراته حين قال " لم أرَ يوماً في الشيعة أعداء إسرائيل على المدى البعيد " بل أقترح إهدائهم بعض الأسلحة كبادرة حسن نية!!
وبسبب اختفاء مؤسس أمل موسى الصدر وتزايد النفوذ الإيراني في لبنان وحركة الانشقاق في صفوف أمل، أعلنت حركة أمل سنة 1982مبايعتها للخميني إماما للمسلمين في كل مكان[5] .
وبعد أن غادر الفدائيون الفلسطينيون بيروت عقب الغزو الإسرائيلي، بدأت أمل ونواة حزب الله تسعي للتمدد على حساب السنة اللبنانيين والفلسطينيين، ولم يأت عام 1985 إلا وقد أعدت أمل العدة لمجزرة للفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية ببيروت استمرت شهراً كاملاً كما حدث مع غزة مؤخراً، كانت من الفظاعة والإجرام بمكان كبير شملت القتل والذبح والاغتصاب وغيرها[6] .
وقد صادف وقوع هذه المجازر وجود الأستاذ فهمي هويدي في طهران فكتب لنا عما عايشه: " في يونيو 85 وقتال " أمل " للفلسطينيين في بيروت كان قد بلغ ذروته وبينما تكلم مختلف رموز النظام منتظرى ورفسنجانى وخامنئى، فإن الإمام التزم الصمت. وقيل وقتئذ أنه معتكف في الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان. ولما انتهى الصيام خرج الإمام من اعتكافه وألقى خطاباً في " حسينية جمران" بعد صلاة العيد . وفيما توقع الكثيرون أن يعلن موقفاً تجاه ما يجرى في لبنان، فإن الإمام لم يشر إلى الموضوع من قريب أو بعيد، وكان جل تركيزه في الخطاب على دلالة المظاهرات المؤيدة للحرب مع العراق ، التي خرجت يوم القدس ( آخر جمعة من رمضان ). كنت أحد الذين استمعوا إلى خطبة الإمام في صبيحة ذلك اليوم (20 يونيو) ولم أستطع أن أخفى دهشتي من تجاهله لما يجرى في لبنان ، ليس فقط لأن الفلسطينيين هم ضحيته ولكن لأن الجاني منسوب إلى الشيعة . ونقلت اطباعاتى إلى صديق خبير بالسياسة الإيرانية ، فكان رده أن الإمام له حساباته وتوازناته!!".[7]
أما تصريحات رموز النظام فقال عنها هويدي : " كان خامنئى يعبر بصدق عن موقف الحكومة والأجهزة الرسمية، التي لزمت الصمت طوال خمسة أيام بعد بدء الإعتداء على المخيمات الفلسطينية، ثم بدأت تتحدث عن " وقف القتال" " وتجنب استمرار نزيف الدم " وهو موقف بدا خاضعاً " للحسابات " أكثر منه ملتزماً بالمبادئ . إذ كان واضحاً الدور السوري في دعم أمل فضلاً عن أن تلك الأجهزة وضعت في اعتبارها أن " أمل " هي في النهاية منظمة شيعية "[8].
ومع استمرار اعتداء أمل على المخيمات قام الشيخ أسعد بيوض التميمي وغازي عبد القادر الحسيني بالذهاب إلى إيران في العام 1986م من أجل أن يطلبوا من الخميني أن يتدخل لوقف المجازر التي ترتكبها حركة أمل ضد الفلسطينيين في جنوب لبنان ، ولكن رفض ذلك ، ثم ذهبوا بعد ذلك إلى نائبه ( منتظري ) فأصدر فتوى تستنكر هذه المذابح ، ولكن الخميني غضب على (منتظري) لأنه تجاوزه فكان هذا أحد أسباب عزله من نيابة الخميني[9].
القدس جيش ويوم!!
وكان الخميني قد أعلن عن تأسيس جيش القدس سنة 1980 وأن طريقه للقدس يمر بكربلاء، وهكذا تأخر هذا الجيش عن نصرة القدس لانشغاله بحرب العراق، لكن جيش القدس تحول لفيلق القدس، الذي تمكن رغم حربه للعراق من القيام بعمليات نوعية ضد العديد من الشخصيات والأهداف الإسلامية في أنحاء متفرقة من العالم، فقد قام هذا الفيلق عبر أجنحته المختلفة ومنها أحزاب الله المنتشرة في عدة دول بتفجيرات واغتيالات في مكة والبحرين والكويت ولبنان، وبعد احتلال أمريكا للعراق قام فيلق القدس بالعديد من العمليات ضد السنة العراقيين والفلسطينيين بدلاً من حرب الأمريكان الذين احتلوا العراق بما فيها كربلاء، والآن بعد أن تثبت أقدام إيران في العراق وتقاسمت النفوذ عليه مع أمريكا، بدل من العودة لمواصلة الطريق للقدس يبدو أن هناك أوضاع طارئة تستدعى تغيير وجهته عن القدس للجزر الإماراتية، والقدس لن تضييع وبإمكانها الصبر قليلاً !!
وأعلن الخميني عن يوم عالمي للقدس ليدغدغ عواطف الفلسطينيين والمسلمين بذلك عبر تريد شعارات الموت لأمريكا وإسرائيل، لكن من يموت هم دوماً أعداء الخميني من أهل السنة وأعداء إسرائيل من المجاهدين فقط!!
حركة الجهاد الفلسطينية:
وفي الثمانينات تواصلت إيران مع حركة الجهاد الفلسطينية المغرمة لليوم بالثورة الخمينية حتى أصبحت حركة الجهاد تحسب على إيران والتشيع[10]، وقد قدمت لها الكثير من الوعود والآمال والقليل من الدعم[11]، وهو ما جعل الشقاقي يحاول فتح خطوط دعم من ليبيا بدلا من إيران فلقي مصرعه في قبرص بعد مغادرة ليبيا، كما حدث من قبل لموسى الصدر الذي وصل ليبيا ولم يخرج منها بعد!!
حماس:
ولم ترحب إيران بالعلاقة مع حماس في البداية وحتى سنوات قريبة، لأنها تعلم أن حماس سنية تتبع لجماعة الإخوان وأن حماس لها خلفية سلفية نوعاً ما، وكان هذا الموقف بتحريض من حركة الجهاد رداً على جهود الإخوان في رمي الجهاد بالعمالة لإيران[12] ، وقد حدثني د. بسام العموش السفير الأردني الأسبق في طهران وهو من القيادات السابقة للإخوان عن شكوى مندوب حماس في طهران له من إهمال الإيرانيين له بعكس مندوب الجهاد.
حزب الله:
أما حزب الله الذي أنشأته إيران[13] لمقاومة إسرائيل فقد أثبتت الأيام أنه وسيلة لتنفيذ الأجندة الإيرانية ومصالحها التي لا تحتوى إزالة إسرائيل أو عداء حقيقي، فقد غير الحزب أكثر من مرة نظرته لإسرائيل بحسب معطيات المرحلة، ففي البداية أعلن الحرب على إسرائيل حتى يتبرء من تقاعس وخذلان الشيعة عند غزو إسرائيل عام 82 ، وبعد ذلك أصبح يحصر الصراع في استعادة الأراضي المحتلة ومن ثم جعل الصراع لبنانياً فقط ولا يتعدى الحدود اللبنانية، وقد تبدى هذا في توقفه عن نجدة غزة بالصواريخ المكدسة عنده بزعم حرب إسرائيل وتنصله من الصواريخ التي أطلقت من الجنوب لفك الضغط عن غزة.
كما قام حزب الله بحصار المقاومة السنية والفلسطينية في الجنوب والقضاء عليها، مما دعا الأمين الأسبق للحزب صبحى الطفيلي بوصف الحزب أنه أصبح حارس للحدود.
وقد بدا بشكل واضح في حرب تموز 2006 أن الحزب لا يرغب بحرب حقيقية مع إسرائيل ولذلك تجنب ضرب المصالح الحيوية لإسرائيل رغم زعمه القدرة على ذلك، كما أن إيران ضبطت إيقاع الحرب من خلال إدارتها المباشرة لذلك، والتي نتج عنها احتلال بيروت وتدعيم قوة الحزب في لبنان مع أضعاف الحكومة والسنة بالتحديد[14].
كما أن الفلسطينيين في المخيمات اللبنانية الذين يقاسون أنواع عديدة من البؤس والعوز في ظل القوانين والقوى اللبنانية التي تخشي أن يكون الفلسطينيين سند وعون لسنة لبنان، فإن إيران وأذرعها تمارس أنواع كثيرة من الأذى بحقهم والتضييق عليهم.
ومن أبرز هذه الأمثلة أن حزب الله من أجل فصل ضابط محسوب عليه في المطار قام باحتلال بيروت، وتحدى الجيش اللبناني ولم يحسب له حساب، لكن مخيم نهر البارد والذي أعلن حزب الله " أنه خط أحمر" لكن ثبت " أن المخيم خط أخضر!! " -على حد تعبير الشيخ داعي الإسلام- فتم تدمير وإزالة مخيم نهر البارد وحزب الله يتفرج ويعد القتلى السنة من الفلسطينيين والجيش !!
جيش لبنان الجنوبي:
قد يصدم الكثير من الناس حين يعلم أن غالبية أفراد جيش لبنان الجنوبي أو ما كان يعرف باسم جيش لحد هم من الشيعة، ولذلك حين انسحبت إسرائيل وسيطر حزب الله على الجنوب لم يتم معاقبة أحد من أفراد الجيش العميل، بل قدم نواب حزب الله قانون عفو عنهم حفاظاً على الوحدة الوطنية.
الاستعداد للاعتراف بإسرائيل:
رغم زعم قادة إيران أنهم ضد إسرائيل وأمريكا الشيطان الأكبر إلا أنهم وحين كان الأميركيون يغزون العراق في 2003، قدمت إيران بموافقة المرشد علي خامنئي "اقتراح" لعقد "صفقة كبيرة" لحل النزاع الأميركي ـالإيراني.
جوهر العرض الإيراني: نعترف بإسرائيل ونتنازل عن النووي ونوقف دعم حزب الله، مقابل منحنا الوصاية على الخليج، والاعتراف بنا: قوة إقليمية شرعية.
تضمن الاقتراح عرض إيران إيقاف دعمها للمجموعات الفلسطينية المعارضة، والضغط عليها لإيقاف عملياتها العنيفة ضد المدنيين الإسرائيليين داخل حدود إسرائيل العام 1967،التزام إيران بتحويل حزب الله اللبناني إلى حزب سياسي منخرط بشكل كامل في الإطار اللبناني، قبول إيران بإعلان المبادرة العربية التي طرحت في قمة بيروت عام 2002م، أو ما يسمى طرح الدولتين، وتنص على إقامة دولتين والقبول بعلاقات طبيعية وسلام مع إسرائيل، مقابل انسحاب إسرائيل إلى ما بعد حدود 1967م. [15]
فلسطينيو العراق:
حين تمكنت الميلشيات الشيعية العراقية الموالية لإيران من السيطرة في بغداد لم تتورع عن القيام بمجازر بحق الفلسطينيين في مجمع البلديات هناك مماثل لمجازر أمل بالمخيمات الفلسطينية بلبنان[16]، دون أن تتدخل إيران لوقف هذه المجازر بل كانت بسلاح إيراني ورضي منها، ولذلك اعترف خالد مشعل أن حماس لم تستطع مساعدة فلسطينيي العراق لدى أصدقائها[17]. وللأسف قام ممثل حماس في المجمع باستضافة قوة من مغاوير الداخلية العراقية, على وجبة إفطار رمضاني في مسجد القدس 28/9/2008 في حين أن تلك القوة قامت في وقت سابق باعتقال إمام المسجد [18]!!!.
ومن لم يقتل من فلسطينيي العراق إما بقي تحت سطوة الخوف وعدم الأمان، أو أصبح لاجئ على الحدود أو المنافي البعيدة، ولم تعمل إيران على المساعدة بعودتهم لبيوتهم أسوة بمئات الألوف الإيرانيين الذين جنستهم في العراق بما تملك من نفوذ !! كما أنها لم تعمل تحسين ظروفهم المعيشية حتى ولا في المخيم الحدود السورية التي تملك فيها حظوة كبيرة.
لا يعترفون بالأقصى !!
رغم تشدق إيران بفلسطين والقدس، إلا أن رواياتهم وعقائدهم لا تعترف بالمسجد الأقصى الذي نعرفه! ولذلك ألف أحد أكبار علماء الشيعة العلامة جعفر مرتضى العاملي كتاب بعنوان " المسجد الأقصى أين ؟ " جاء فيه : " لقد تبين لنا عدة حقائق بخصوص المسجد الأقصى والذي يحسم الأمر أنه ليس الذي بفلسطين"!!
وقرر أن المسجد الأقصى هو في السماء !! كما في كتابه " سيرة الرسول الأعظم " الذي لا تزال تصدر أجزائه تباعاً من عشر سنوات والذي حاز على جائزة أفضل كتاب في إيران مما استدعى تكريم الرئيس نجاد له شخصياً !![19]
دعم إيران لحكومة حماس:
وحين فازت حماس بالانتخابات وشكلت الحكومة قامت إيران بلعبة ذكية شرحها أحد موالين حماس بقوله " وكان الموقف الإيراني من الذكاء بمكان أن دعموا ولم يدعموا حكومة حماس؟؟!!
فإيران أعلنت أنها ستدعم الحكومة الفلسطينية بالملايين ولم تسلمها لا يدويا ولا تحويلا، وأعلنت أنها ستتبرع بآلاف السيارات للحكومة وهي تعلم أن عصفورا لا يدخل لفلسطين بلا موافقة إسرائيل، وأعلنت عن تسخير طائرتين للوزراء المسجونين في غزة والضفة الغربية ؟؟.. وبهذا لن يلومهم أحد بالخذلان"[20] .
والأعجب أن إيران أعلنت شهر 4/2006 أنها ستقدم لحكومة لحماس 50 مليون، ولكن بعد أكثر من شهرين صرح منو شهر متقي وزير الخارجية الإيراني أن هذا المبلغ لم يوافق عليه بعد مجلس الشورى الإيراني.[21]
وحصدت إيران الثناء العاطر من الجماهير العاطفية، رغم أن بعض المحللين ينبهون أن " طهران مشهورة ببخلها. فبرغم أن حزب الله اللبناني المحسوب عليها والذي حقق انتصارات في السياسية الخارجية طيلة ربع القرن المنصرم، بدءاً من حرب الرهائن في الثمانينات إلى حرب تحرير الجنوب وانتهاء الآن بدوره كحاجز صاروخي لردع أي هجوم “إسرائيلي” على منشآتها النووية، إلا إنها لا تقدم له سوى 50 أو 75 مليون دولار سنوياً" [22].
خذلان غزة:
وهاهي غزة تتعرض للإبادة والقصف والناس تترقب صواريخ إيران وحزب الله، فيكون الجواب على لسان سعيد جليلي وحسن نصر الله لن نطلق صواريخ على إسرائيل !!
وقد تنازعت سوريا وإيران على بطولة وشرف من الذي ضبط حزب الله حتى لا يطلق الصواريخ، وكأن حزب الله كان في وارد إطلاق صواريخ وقد أعلن حسن نصر الله من أول يوم لن نطلق الصواريخ، لأن ذلك لا يفيد غزة ولا يضر إسرائيل !!
ولكسب عواطف الجمهور قامت إيران بإرسال سفينة تحتوى على أسلحة لغزة وتم ضبطها، وكل عاقل يدرك أن إسرائيل لا تحاصر غزة بحراً الآن بل هي تقصفها ولا يمكن لقارب فلسطيني الخروج للبحر، ولكن لضرورات الإعلام والدعاية لابد من التضحية ببعض البنادق والذخائر.
وبذلك تكون إيران فرضت نفسها بأنها باب للمشاكل لكنها مستعدة لأن تكون مفتاح للحل أيضاً، إذا تم مراعاة مطالبها بالنفوذ والسيطرة في المنطقة، ولذلك وغزة تحت القصف، وإيران تطلق الشعارات والهتافات لفلسطين وتستقبل قادة حماس وتشارك في قمة الدوحة لنصرة غزة، كشف النقاب عن مباحثات ولقاءات استمرت طوال سنة 2008 بين مستشار نجاد الخاص مجتبى هاشمي وبين ويليام بيرى وزير الدفاع إبان إدارة كلينتون، للوصول لصفقة على غرار ما اقترحته إيران في 2003 من الاعتراف بإسرائيل والضغط على المقاومة الفلسطينية!!![23]
ولذلك جاءت نتائج الاستطلاعات في غزة متدنية بخصوص الرضي عن موقف إيران، حيث صوت 58.2 % أنهم غير راضين عن موقف إيران،وأعرب 45.5% عن عدم رضاهم عن حزب الله[24].
تلاعب إيران بالقضية الفلسطينية حقيقة ثابتة:
وكون إيران تستخدم القضية الفلسطينية لمكاسب إيرانية شيعية ليس سراً، هذا أسامة حمدان أحد قادة حماس يقول في مقابلة بالهاتف مع بعض العلماء: "إننا بإذن الله سبحانه وتعالى لا نقبل أن يغير صمود المجاهدين وصبرهم وجهادهم وتضحيتهم في صالح راية غير الراية التي نحمل ونؤمن أن الجهاد تحت لوائها فمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" .
و يقول أيضاً " ونرجو أن تكون أمتنا معنا في ذلك وأن تبذل الجهد في ذلك إلى جانبنا لا نفرح بأن يقترف هذا النصرَ وأن يقترف هذا الجهاد وهذه التضحيات أحد لا نثق به ولا نعتمد عليه"[25].
أما الدكتور صالح الرقب القيادي البارز في حماس بغزة فيعلن بكل وضوح أن دعوى الشيعة برغبتهم لتحرير القدس وفلسطين " هذه الدعوة المزيّفة، لأن ما يجري على أرض الواقع يُكذب هذه الشعارات التي تعد فقط مطية لكسب تأييد جماهيري، وما يطلقه الإيرانيون في يوم القدس ما هي إلا شعارات وكلمات ثم بعد ذلك ينفض المولد"[26].
ويؤكد على ذلك الكاتب صلاح حميدة الحمساوي بقوله " السياسة الإيرانية في المنطقة في هذه الفترة تقوم على إبقاء التوتر وتصعيده في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين حتى تستنزف القوى المتضررة من التصعيد وتمنعها من التفكير بمهاجمة إيران في هذه المرحلة ، ولذلك فان إنجاح حكومة حماس ليس من ضمن الأجندة الإستراتيجية الإيرانية في المنطقة" [27] .
لماذا لا تنتشر هذه الرؤية؟
ولكن هذه الرؤية الصائبة لحقيقة الموقف الإيراني من قضية فلسطين تلتبس على كثير من المسلمين الخاصة منهم والعامة، لأسباب:
1- أن هذه الرؤية لا يفسح لها المجال للتعبير عن نفسها إلا في مجالات ضيقة ومحدودة وبلغة غير واضحة غالباً بل تكتفي بالتلميح كما في كلام حمدان المتقدم.
2- وأيضاً هذا الكلام يصدر فقط حين يكون المخاطب به هم معارضي مشروع إيران أو في معرض الدفاع عن تهمة ارتباط حماس أو تعاونها مع إيران.
3- كما أن مما يزيد الأمر لبساً هو بعض التصريحات لقيادات من حماس أو جماعة الإخوان التي تضفى على إيران البطولة والمصداقية كما في تصريحات المرشد العام لجماعة الإخوان أو رئيس المكتب السياسي لحركة حماس حين قال لقناة العربية "إيران على الدوام منذ انطلاقة الثورة الإيرانية المظفرة وهي تأخذ مواقف جادة ومواقف كبيرة ومبدئية تجاه القضية الفلسطينية وفي مواجهة المشروع الصهيوني"[28]
خالد مشعل: خطة جديدة بمعنى جديدة لا أعتقد، لكن كما قلت أنا أعتبر السياسة الإيرانية تجاه القضية الفلسطينية هي سياسة مستمرة، امتداد لنهج متعارف عليه معتمد رسمياً وشعبياً في إيران، ونحن نقدر هذا ونثمنه عالياً، ونحن منسجمون في تأكيدنا على الحق الفلسطيني على حق المقاومة في رفض إعطاء الشرعية للكيان الصهيوني، وإذا كانت إيران تقف مع الحق الفلسطيني فالفلسطينيون بكل فصائلهم يقفون مع إيران وحقها والدفاع عن نفسها، ونحن وإياهم في خندق واحد أمام المطامع الأجنبية، وأمام التهديدات والاعتداءات سواء الصهيونية أو الأميركية." رغم أن السؤال كان هل تبلغتم عن خطة جديدة لإيران في الموضوع الفلسطيني بعد تصريحات نجاد بإزالة إسرائيل وعودتها إلى أوربا، مما جعل المذيع يعيد السؤال ليجد نفس الجواب وزيادة " المذيع : هذا يدفعنا إلى السؤال عما إذا كنتم قد تبلغتم خطة إيرانية جديدة في الموضوع الفلسطيني!
4- وتقوم إيران بإطلاق تصريحات كاذبة على لسان قادة حماس لتظهر أنها المتولية لشؤون حماس أو لنفي طائفيتها بدعم حركة سنية، حيث نشرت صحيفة كيهان الإيرانية[29] إن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل قدم تقريرًا حول حرب غزة، لولي أمر المسلمين، مما اضطر حركة حماس لتوضيح أن ذلك ديباجة خاصة بالصحف الإيرانية[30]، وهذا قد تكرر من قبل حين نسبت المواقع الإيرانية عن مشعل قوله " أن حماس هي الابن الروحي للإمام الخميني " وهو مما يستبعد صدوره من مشعل ولم تنفه حماس !! رغم أنه قد زل بقوله " الشيعة والسنة في خندق واحد " وإهداء النصر لإيران وجعلهم شركاء في النصر!!
5- كما أن من سياسة إيران القيام بحملات إعلامية لزيارات قادة حماس لها ونقل صور قادة حماس في زيارة قبر الخميني والقيام بالصلاة معاً لترويج الوحدة المزعومة والكسب من شعبية حماس، وخاصة بعد التعاطف والتضامن الإسلامي الرائع مع غزة وحماس.
وبذلك تكون إيران قد حققت مطلبها من زعم دعم القضية الفلسطينية !!
المطلوب من حماس :
يجب الإقرار بوجود نشاط للتشيع في غزة بخلاف تصريحات بعض قادة حماس مثل الزهار وأسامة حمدان، ويكفينا كلام د. صالح الرقب حول سبب تأليفه لكتاب " الوشيعة في كشف شنائع وضلالات الشيعة " وذلك قبل سنة 2000م ، هو " ما لوحظ من زيادة نشاط الدعوة للشيعة الإثني عشرية في الآونة الأخيرة على مستوى قطاع غزة خاصة "[31] ،وقوله أيضاً " ومما يؤسف له أنه تولى طباعة الصحيفة السجادية وتوزيعها في قطاع غزة بعض الجهلة المغرر بهم ، وأطلقوا عليها " الطبعة الفلسطينية " وكتب أحدهم مقدمة لها غالى في مدحها وتعظيمها "[32] .
ومن الممارسات التي تجرى على الأرض في غزة بالتحديد لنشر للتشيع بشكل مكثف ما يلي:
* نشرت صحيفة الاستقلال - التابعة لحركة الجهاد الإسلامي – بتاريخ 11/ 1/2007م ، مقالا خطيراً فيه لمز وتعريض بالصحابي الجليل أبي سفيان ، وقد تكرر منها ذلك، وما تبثه إذاعة صوت القدس التابعة للجهاد من أفكار تشجع على التشيع .
* إرسال بعض الجرحى للعلاج في إيران ويتم الضغط عليهم للتشيع .
* تأسيس بعض الجمعيات التي تباشر التبشير الشيعي مثل :
1- جمعية الإحسان الخيرية مقرها الرئيس في مدينة غزة ولها فروع في كافة أنحاء القطاع.
2. جمعية غدير ، ومقرها في بيت لاهيا في شمال قطاع غزة .
3. جمعية رياض الصالحين مقرها في مدينة غزة.
4. جمعية أرض الرباط مقرها أيضاً في مدينة غزة .
5. جمعية آل البيت .
ولهذه الجمعيات أنشطة بين طلبة الجامعات وتقوم بترتيب دورات في داخل البيوت للترويج للفكر الشيعي .
* الإعلان عن بداية تأسيس جامعة تحمل اسم جامعة آل البيت.
* توزيع مطويات شيعية بمناسبة عاشوراء.
* أما في محافظة بيت لحم فتم إنشاء اتحاد الشباب الإسلامي وبعض المؤسسات التي تنشر التشيع .
هذا أبرز مظاهر التشيع في فلسطين ولأن حماس هي المسيطرة على غزة اليوم ولأن حماس هي الجهة التي تحاول إيران استغلال شعبيتها ومصداقيتها لخداع المسلمين فإن على حماس مسؤولية وقاية المسلمين في غزة وخارجها من الانخداع بأحابيل إيران أو الظن أن دعم إيران لحماس هو بدافع الولاء الإسلامي، من خلال ما يلي:
في الخارج:
1- على حماس أن تكون أكثر حرصاً في تصريحاتها وخطاباتها وخاصة خالد مشعل، فلا يطلق المدح والثناء العلني لإيران بل ليكن في المجالس الخاصة وليس أمام وسائل الإعلام، فحماس تتلقى الدعم من أطراف عديدة ولم يطلب منها أحد شكراً علنياً فلماذا إيران دون غيرها ؟؟ كما أن هذه التصريحات والزيارات والصور التذكارية عند قبر الخميني وصلاة الجمعة، يتم ترويجها عند كثير من بسطاء المسلمين على أنها تزكية من مجاهدي فلسطين لإيران والخميني والشيعة، وأن منهج التقارب مع الشيعة هو منهج صحيح، كما أن هذه الصور – خاصة صلاة قيادات حماس مع الشيعة- تخالف قناعات حماس بضلال الشيعة وخطأ التقارب معهم، وهذه ما كان يعلنه الشيخ أحمد ياسين والدكتور نزار ريان رحمهما الله.
2- يجب على حماس تكذيب أي خبر إيراني غير صحيح حول علاقتها بإيران علناً، والإعلان عن أن أي تصريح لا ينشر في موقع الحركة أو ما تعلنه هي غير صحيح، لنسحب البساط من أيدي الإيرانيين من استغلال اسم حماس لمصالحهم الطائفية، كما حدث في تصريح " مشعل يقدم تقريره لولي أمر المسلمين" وقبله ما نسبته وكالة مهر الإيرانية لمشعل قوله " حماس الابن الروحي للخميني".
3- على حماس توضيح حقيقة " العلاقة الإستراتيجية مع إيران " بشكل معلن عبر وثيقة أو حوار أو ما شابه ذلك، وليس فقط في المجالس الخاصة للمعارضين للمشروع الإيراني!!
4- يجب على حماس تبني قضايا الفلسطينيين في الخارج بشكل قوي وصريح بخلاف ما جرى في حق مجازر فلسطينيي العراق، من عدم تسمية المجرم باسمه.
5- لا يجوز السكوت عن ما يجرى في المخيمات الفلسطينية في الشتات من تشييع أو تضييق من قبل القوى الشيعية وغيرها.
6- يجب على حماس الشجب العلني لأي ممارسات إيرانية تمس المصالح الحيوية للدول العربية، كما في مطالبات إيران بالبحرين أو جزر الإمارات وغيرها، وبيان أن هذا لا يصب في صالح القضية الفلسطينية، فتغاضي حماس عن مثل هذه التصرفات يولد الشك والريبة في قلوب الأطراف العربية، وعدم التأني في بعض التصريحات ضر حماس والقضية الفلسطينية كما في تصريح أبو مرزوق بخصوص جزر الإمارات والذي تراجع عنه وصححه فيما بعد.
أما في الداخل :
1- على حماس العمل على تعزيز التحصين ضد التشيع، من خلال التركيز على بث وتثبيت عقيدة أهل السنة، والتحذير من خطر البدع والشرك، وتعزيز مكانة أمهات المؤمنين والصحابة، من خلال أجهزة الإعلام التي تملكها ومنابر المساجد والمناهج المدرسية والحركية.
2- التعامل بجدية أكثر مع ظواهر التشيع في أماكن سلطتها، من خطب ومحاضرات ومقالات ومنشورات تروج وتحث على التشيع.
3- إبطال نشاطات التشييع التي تقوم بها حركة الجهاد عبر مؤسساتها الدعوية والإغاثية، ولا يقتصر الحزم معهم في قضايا النفوذ والسلطة!!
4- عدم منع من يعملون على إفشال المشروع الشيعي في غزة وفلسطين، أسوة بعدم منع بقية الفصائل من العمل مع تبنيها لمشاريع وتوجهات مخالفة لحماس، وبعضها للإسلام نفسه، فلماذا تستطيع حماس استيعاب نشاط العلمانيين والرافضة وتعجز عن استيعاب نشاط بعض الإسلاميين من مخالفيهم!!
-------------------------------------------------------
[1] - باحث وكاتب أردني.
[2] - ( حياتي ) رفسنجاني ص 171.
[3] - ( الحرب المشتركة إيران وإسرائيل ) حسين علي هاشمي ص 49.
[4] - أ ثبت ذلك د. مسعود أسد اللهي الباحث الإيراني في رسالته للدكتوراة من جامعة الإمام الصادق بطهران، والحائزة على جائزة وزارة الإعلام الإيرانية لأحسن أطروحة دكتوراة سنة 2000، والتي نشرت بالعربية بعنوان " الإسلاميون في مجتمع تعددي " ص 109، 131، 138.
[5] - ( أمل والمخيمات الفلسطينية ) عبد الله الغريب، ص 182.
[6] - المرجع السابق 69.
[7] - ( إيران من الداخل) فهمي هويدي ، ص 404.
[8] - نفس المصدر 403.
[9] - (ماذا يجري في لبنان) محمد أسعد بيوض ، موقع مفكرة الإسلام، 20/9/2006 م.
[10] - انظر دراسة ( حركة الجهاد والهوى الشيعي الإيراني ) لكاتب هذه السطور.
[11] - ( موسوعة الحركات والأحزاب الإسلامية )تحرير فيصل دراج وجمال باروت ، 2/251 .
[12] - ( دراسة في الفكر السياسي لحركة المقاومة حماس) تحرير جواد الحمد وإياد البرغوثي إصدار مركز الشرق الأوسط المقرب من حماس ص 276 .
[13] - يكفي لإثبات هذا الأمر وجود إيرانيان في قيادة الحزب بشكل غير معلن . ( حزب الله ) غسان عزي ص 34 .
[14] - لمزيد من التفاصيل انظر ( حزب الله تحت المجهر ) لعلي باكير على موقع الراصد نت.
[15]- ( القصة الكاملة للعرض الإيراني السري) ، لعلي باكير في مدونته على مكتوب.
[16] - رصد تفاصيل هذه المجازر كتاب وموقف ( فلسطينيو العراق ).
[17] - مجلة "البيان" عدد 246 – 2/2008.
[18] - (حماس والتشيع السياسي (قراءة في الخطاب)) أحمد عبد العزيز موقع القلم .
[19] - راجع كتاب " الشيعة والمسجد الأقصى " لطارق حجازي، على شبكة الانترنت.
[20] مقال (الموقف الإيراني من حزب الله وحركة حماس) لصلاح الدين حميدة. على شبكة فلسطين للحوار.
[21]- رويترز 9/7/2006.
[22] - (مقال حماس" وإيران و"الجهاد المالي" ) لسعد محيو صحيفة الخليج 23/2/2006.
[23] - الوطن العربي 11/2/2009 .
[24] - استطلاع رقم 67 يناير 2009 نفذه مركز القدس للإعلام والاتصال بالقدس.
[25] - موقع المسلم 15/1/1430 هـ.
[26] - (حماس والتشيع السياسي (قراءة في الخطاب)) أحمد عبد العزيز موقع القلم .
[27] - مقال (الموقف الإيراني من حزب الله وحركة حماس) لصلاح الدين حميدة. على شبكة فلسطين للحوار.
[28] - العربية نت برنامج ضيف وحوار 23/12/2005
[29] - بتاريخ 2-2-2009.
[30] - العربية نت 2/20/2009.
[31]- ص 3 .
[32] - ص 63.

2009/04/23

الخديعة .. درس من التاريخ

جمال سلطان (المصريون) : بتاريخ 22 - 4 - 2009
وبعد أن أوضحنا طبيعة الفتوى المنسوبة إلى الشيخ شلتوت ، والالتباس الذي وقع فيه الشيخ نفسه ، والتناقض بين مواقفه تجاه معطيات المذهب الإثنا عشري نفسه ، نأتي إلى السؤال المنهجي الأساس والمفتتح لأي نقاش في هذا الموضوع ، وهو : هل الشيخ شلتوت شخصية معصومة أو مرجع لا ينطق إلا عن الوحي ، أم أنه عالم يجتهد فيخطئ ويصيب ، فنأخذ من كلامه ونترك ، ولست أظن أحدا من أهل الإسلام ينسب إلى الرجل المعنى الأول ، فلم يبق إلا أنه مجتهد يخطئ ويصيب ، ونأخذ من كلامه ونترك ، وقد تخفى عنه أشياء وتغيب أخرى فتؤثر على حكمه على الأمور ، وقد تضعف خبرته ببعض الشؤون وخلفياتها مما يؤثر على وجهة نظره ، وقد يجهل أشياء أيضا مما يجعله يضع كلمات في الموضع الخطأ ، فإذا كان الأمر كذلك ، فالمنطق والعلم والعقل يقول بأن الكلام المنسوب إلى الشيخ شلتوت حتى بافتراض صحته كفتوى ، فإنها تعرض على الدليل وعلى معطيات الواقع مناط الحكم ، بحيث يستبين صحتها من خطأها ، خاصة إذا كنا نعلم بأن جمهور العلماء من أهل السنة قد ذهب إلى خلاف رأيه ، بل هو إجماع أهل العلم "المؤتمنين" ممن خبروا مذهب التشيع ودرسوه ، ، فلا يوجد عالم مسلم سني له قيمة أو قامة في العلم وخالط قضية التشيع وتحاور مع رجالاتهم واطلع على كتاباتهم الحديثة والقديمة أو رأى ما عليه دولتهم ومجتمعاتهم من فكر وخلق وسلوك تجاه محرمات الإسلام وأصحاب النبي وأمهات المؤمنين وفكرة الوحي والعصمة والمرجعية ، أقول : لا يوجد عالم اطلع على كل ذلك إلا وانقلبت فكرته تماما وأعلن أن فكرة "التقريب" وهم وأكاذيب وتضليل ، حدث ذلك مع الشيخ محمد رشيد رضا ، ومع محب الدين الخطيب ومع الشيخ السبكي ومع الشيخ محمد حسنين مخلوف مفتي مصر الأسبق ومع الدكتور مصطفى السباعي ومع الشيخ عبد المنعم النمر ومع قيادات الإخوان المسلمين في البلاد المتماسة مع المحيط الشيعي والذين هم أخبر بالقوم من بعض الأصوات المصرية ، مثل الشيخ سعيد حوى القيادي الإخواني السوري الكبير الذي كان له رأي فيهم بالغ السوء والشدة ، ومنه قوله ـ رحمه الله ـ "( هؤلاء الخمينيون ظالمون . ومن بعض ظلمهم أنهم يظلمون أبا بكر وعمر ، فكيف يواليهم مسلم والله تعالى يقول : " وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون" . إنه لا يواليهم إلا ظالم ، ومن يرض أن يكون ظالماً لأبي بكر وعمر وعثمان وأبي عبيدة وطلحة والزبير ، ومن يرضى أن يكون في الصف المقابل للصحابة وأئمة الاجتهاد من هذه الأمة ؟ ومن يرضى أن يكون أداة بيد الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ؟ ألا يرى الناس أنه مع أن ثلث أهل إيران من السنة لا يوجد وزير سني ؟! ألا يرى الناس ماذا يُفعل بأهل السنة في لبنان سواء في ذلك اللبنانيون أو الفلسطينيون ؟" انتهى نص كلامه ، ولم يكن الفقيد الراحل قد أدرك ما فعلوه بأهل السنة وعلمائهم ودعاتهم ونسائهم وأطفالهم في العراق ، لأنه توفي قبل المحنة الكبيرة ، وكذلك العلامة الكبير الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله وكان من أخير الناس بهم وحاورهم وصادقهم دهرا ، اكتشف الخديعة بذكاء وإلهام وبصيرة نورانية وطرح نفس السؤال الذي نطرحه هنا ، لماذا يروجون للتقريب في بلادنا ولا يفعلونه في بلادهم ، يقول السباعي : (( دعاة التقريب من علماء الشيعة بينما يقيمون لهذه الدعوة الدور وينشئون المجلات بالقاهرة ويستكتبون فريقا من علماء الأزهر لهذه الغاية ، لم نر أثرا لهم في الدعوة لهذا التقارب بين علماء الشيعة في العراق وإيران وغيرهما ، فلا يزال القوم مصرين على ما في كتبهم من ذلك الطعن الجارح والتصوير المكذوب لما كان بين الصحابة من خلاف) ولا يخفى ما في كلمات العالم الجليل من غمز لسذاجة بعض المشايخ والكتاب في القاهرة ، ثم يضيف الرجل قوله : ( إن بعضهم يفعل خلاف ما يقول في موضوع التقريب فبينما هو يتحمس في موضوع التقريب بين السنة والشيعة إذا هو يصدر الكتب المليئة بالطعن في حق الصحابة أو بعضهم ممن هم موضع الحب والتقدير من جمهور السنة ) ، وهي نفس الكلمات ـ تقريبا ـ الذي قالها بعده بخمسين عاما العلامة يوسف القرضاوي عندما اكتشف حجم الخداع ، فقال أنهم يخدعوننا بالكلام المعسول والدعوة للوحدة في الغرف المغلقة بينما هم يروجون لمذهبهم ويبثون الفتن في كل مكان من بلاد أهل السنة

2009/04/21

الإخوان والشيعة مرة أخرى

د.محمود غزلان
عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين
نشر الأستاذ يوسف ندا مقالاً على موقع (إخوان أون لاين.نت) منذ حوالي شهرين عنوانه ( نحن والشيعة) ادعى أنه يمثل المستقر في الفكر الإخواني في هذا الموضوع، وكان رد الفعل إزاءه سيئًا إذ رفضه معظم المعلقين عليه في الموقع، كما طلب آخرون منا أن نوضح موقفنا فقمت بالرد عليه ووضحت موقفنا جليًا فتلقاه المعلقون بالقبول والاستحسان وظننت أن الرجل استوعب الدرس وعلم أن التشيع ليست له أرضية في أوساطنا وأنه سينصرف عن هذا الموضوع، إلا أنني فوجئت بأنه زاد في مقاله السابق وأضاف إليه فقرات أشد سوءًا ونشره في صحيفة (المصري اليوم) في 11/4/2009 ثم نشر في موقع (إسلام أون لاين.نت) وعجبت من عدة أمور: الإصرار الغريب على نفس الأفكار، ونسبتها للإخوان المسلمين، وتوقيت نشرها وكأنه يريد بث فتنة في صفوف أهل السنة ولكن قوبل من المعلقين على الموقع برفض أشد وإدانة دامغة، واستغاثة بالإخوان ليوضحوا موقفهم من هذا المقال.
ولما كان المقال يروج للفكر الشيعي ويتعارض مع الفكر السني الذي يعتنقه الإخوان، ونتيجة للبلبة التي أثارها في أوساط أهل السنة ولدى قواعد الإخوان اضطررت اضطرارًا لتبيان الحقيقة، وكنت في ذلك كمن يتجرع المر، فرغم أنني كنت أرى أن وحدة الأمة وخصوصًا في هذا الوقت تقتضي الإعراض عن الخوض في المسائل الخلافية إلا أنه فرض عليّ الكتابة فرضًا عملاً بالقاعدة التي تقول بأنه "لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه".

بعيدا عن الإخوان
أول ملاحظة على مقال الأستاذ ندا أنه مليء بالسباب والشتائم والبذاءات التي أطلقها على كل مخالفيه سواء كانوا من الإخوان أو السلفيين أو العلماء القدامى أوالمحدثين، مثل: أنهم لا يفهمون أو لايريدون أن يفهموا، وأنهم أصحاب الفكر القشري المغالي الانتقائي، وأنهم أصحاب الأفكار المتزمتة والمتشعوذة والموجهة والغالية وأنهم ساروا كالقطيع في خط سمي لهم خط العقيدة، وأنهم يمرون بمرحلة مراهقة دينية، وأنهم يرددون صوت سيدهم الذي أخلى عقولهم وحشى محلها بذور الكراهية والتزمت والفرقة والمغالاة والعمى الفكري والتعالي بقشور العلم والمعرفة، وأنهم يرجعون إلى كتب شيوخ السطان المسيسة والمدنسة، وأنهم يجترون معلومات قاصرة تسمم عقيدتهم وتغير بوصلتهم، وأنهم يؤلفون كتباً مليئة بالافتراءات والأكاذيب والمبالغة في التزييف والاختلاف، وأنهم إما موتورون أو مفتونون أو جاهلون أو إمعات أو سياسيون منتفعون باعوا دينهم ليرضى السلطان، وأنهم حشرات ضارة .....إلى آخر هذا الطوفان الكاسح من البذاءات.
وما كنت أتصور أن يصدر كل هذا السوء من شخص عادي ناهيك عمن يدعي التفكير الإسلامي الإخواني .... إن الإسلام دين أخلاقي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ويقول (ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء)، والإخوان ينتهجون التربية الإسلامية وسيلة للتغيير وعلى رأسها التربية الأخلاقية والأستاذ البنا حينما يقرر صفات الأخ المسلم يضع (متانة الخلق) بعد سلامة العقيدة وصحة العبادة، وحينما يقرر خصائص جماعة الإخوان يؤكد أنها لا تتعرض بالتجريح لا للأشخاص ولا للهيئات. إنني في غاية الحزن من أجل المستوى الأخلاقي لهذا الرجل وحظه من التربية والأدب. وهكذا يتضح من أول وهلة أنه لا يمثل المستقر في الفكر الإخواني ولا السلوك الإخواني ولا حتى الإسلامي العام.
الملاحظة الثانية: أن هذه القسوة البالغة والشدة المنفرة خص بها أهل السنة فقط، وعندما تكلم عن الشيعة حتى وهو يذكر تكفيرهم للصحابة وسبهم لهم وتعرضهم لأعراض أمهات المؤمنين كان رفيقًا رقيقًا لطيفًا ....فيا للعجب.
كما أنه أقام مقاله على التدليس والتلبيس، تلبيس الحق بالباطل، والخطأ بالصواب والادعاءات غير الصحيحة. فأول تلبيس هو زعمه أنه لا يمكن أن يخالف فيما يكتب رأي مكتب الإرشاد، وأن الخلاف فقط هو مع أحدهم ( شخصي الضعيف) بما يوهم أن الباقين جميعاً موافقون له وأنا أقرر له أن جميع أعضاء المكتب يرفضون مقالتيه ويلفظونهما، وأنهم مستاءون منهما أشد الاستياء، فإذا كان فعلاً يلتزم برأي المكتب كما يقول فعليه أن يعلن على الملأ وفي نفس الصحيفة السيارة (المصري اليوم) والموقع المنتشر (إسلام أون لاين.نت) خطأه ومخالفته للمستقر في الفكر الإخواني، وأن الإخوان لا يمكن أن يخرجوا على مذهب أهل السنة والجماعة.
وحتى إذا أصر على رأيه فعليه أن يعلن أنه رأيه الخاص وأنه لا يمثل إلا نفسه ولا يمثل الإخوان فيما يقول.
الخلط بين السنة والشيعة
التلبيس الثاني أنه يذكر جملة من الأصول الصحيحة في مذهب أهل السنة ثم يدس فيها أصولاً شيعية مرفوضة، من ذلك قوله: بأن القداسة لله وحده، وأن باب الاجتهاد مفتوح، وأن الفقه والاختلافات الفقهية صناعة بشرية ويجب احترام الأئمة الذين تصدوا لهذه الصناعة، وكل ذلك مقبول.
ثم يدس السم في عبارة (ومن المستقر في الفكر الذي ربيت عليه في صفوف الإخوان أن علياً كرم الله وجهه كان أصلح وأتقى من معاوية الذي اغتصب الخلافة ثم حول المسلمين إلى أدوات له ثم ملكهم لذريته الفاسدة، وهذا تاريخ ثابت لم يؤرخه الإخوان).
والناظر في هذه الفقرة وما قبلها وما بعدها يلاحظ دون عناء أنها مقحمة من خارج السياق مدسوسة دسًا فيما بينها حتى تمر على القارئ وتنطلي عليه.
الأمر الآخر: أن هذا الكلام السيء يتناقض مع أبجديات فكر أهل السنة ومن ثم يتناقض مع أبجديات الفكر الإخواني.
ويثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن المفكر الإخواني الكبير ـ ادعاء ـ إما أنه لم يقرأ الأصول العشرين التي كتبها الإمام البنا كخلاصة علمه ودراسته وفقهه لكل علوم الشريعة، وإما أنه قرأها وتجاهلها لحاجة في نفسه، فقد جاء في الأصل التاسع ما نصه: (فكل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نُهينا عنه شرعًا، ومن ذلك كثرة التفريعات للأحكام التي لم تقع، والخوض في معاني الآيات القرآنية الكريمة التي لم يصل إليها العلم بعد، والكلام في المفاضلة بين الصحابة رضوان الله عليهم، وما شجر بينهم من خلاف، ولكلّ منهم فضل صحبته وجزاء نيته، وفي التأويل مندوحة).
وهكذا يتضح أن الرجل يفتري على الإخوان المسلمين ويريد أن يتدثر بعباءتهم ويرفع لواءهم، وهو ينشر الفكر الشيعي وهذا ما يقوله الشيعة. وأنا أقول له: إن أعجبك الفكر الشيعي أو أردت أن تتشيع فهذا شأنك، أما أن تزعم أن هذا هو فكر الإخوان الذى ربيت عليه فقد أعظمت عليهم الفرية.
تلبيس الحقائق
التلبيس الثالث: أنه يحاول أن يوهم أن آراء ابن تيمية وابن القيم في طاعة ولي الأمر إنما تصب في مصلحة أصحاب السلطان الطغاة مغتصبي السلطة.
والذي لا يعلمه سيادته أن هذا الرأي إنما هو رأي عبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، وأسامة بن زيد، وعثمان بن عفان وكثير من العلماء من أهل الحديث، وأيضًا فإن الطاعة في رأيهم ليست مطلقة وإنما تقترن بجملة من المبادئ:
أ‌- أنهم يعترفون بإمامة المتغلب جريًا على القاعدة التي يتبعونها وهي أنه ينبغي احتمال الضرر الأقل في سبيل دفع الضرر الأكثر، فإذا حدث العكس تغير الحكم.
ب‌- أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب ولا يصح أن يُترك الحبل للحاكم على غاربه ولا يُرضى بأعماله كيف كانت، وإنما لا بد أن يدعي إلى الخير ويصد عن الظلم بكل الطرق الممكنة دون قتال (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر).
ت‌- أن الطاعة لا تكون إلا في المعروف، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة).
أما أن الطغاة يستخدمون هذا الرأي بعد قطعه عن سياقه وعن شروطه، فهذا لا يعيب الرأي وإنما يعيب الاستخدام المنحرف، كما يستخدم أي شيء في غير ما وضع له .
الإخوان وحقيقة الشيعة
التلبيس الرابع: أنه ينسب إلى الفكر الإخواني رفضه لطوفان الكتب التي كتبها علماء أهل السنة في الشيعة، وأنها تقول فيهم ما ليس فيهم افتراءً وكذباً ومبالغة في الاختلاق والتزييف، وأن كاتبي هذه الكتب وناشريها إما موتورون أو جاهلون أو إمعات أو سياسيون باعوا دينهم ليرضى السلطان.
والإخوان ـ كما أسلفت ـ قوم أخلاقيون، كما أنهم لا يجرحون أشخاصاً ولا هيئات ناهيك عن علماء أهل السنة الذين هم أئمتهم وعلماؤهم وأساتذتهم، فهم يبرئونهم من كل هذه الصفات الذميمة التي نسبها إليهم الأستاذ ندا ويعتقدون فيهم العلم والتقوى والورع والغيرة على الدين والأمة.
وإمعانًا فى التلبيس فإنه ينسب لنفسه ما يوهم القارئ بأنه خبير عليم بالمذهب الشيعى والإخوان المسلمين معًا، فقد حمل ملف إيران ثلاثين عامًا، وقابل آيات الله العظمى والوزراء وحضر الحسينيات والمحاضرات، وقرأ كتبًا كثيرة لهم ذكر بعضها، وأريد فقط أن أقف عند الكافى ومراجعات الموسوي.
وفى نفس الوقت قضى فى الإخوان ستين عامًا فى كل المستويات التنظيمية والفعاليات العامة والسياسات القطرية والدولية ... إلى آخر سيل المديح الذى كاله لنفسه حتى يقبل القارئ مزاعمه حقائق مسلمة.
فكتاب الكافي الذي يدعي الأستاذ يوسف ندا أنه قرأه لن أنقل منه شيئًا قط حتى لا أوغر صدور أهل السنة فما زلت وسأظل حريصاً على رأب الصدع ووأد الفتنة، ولكني أريد أن أسأله ألم يقف شعر رأسك ويقشعر جلدك وينتفض قلبك وأنت تقرأ ما فيه – إن كنت قرأته حقًا ؟.
وأما كتاب الموسوي فاسمه ( الشيعة والتصحيح ) ومؤلفه هو العلامة الدكتور موسى الموسوي وهو حاصل على الشهادة العليا فى الفقه الإسلامي (الاجتهاد) من النجف الأشرف، وعلى شهادة الدكتوراة فى التشريع الإسلامي من جامعة طهران، وجَدُّه كان أكبر مرجع للشيعه فى زمنه، والرجل ينحو منحىً تصحيحيًا لمذهبه بعد مراجعته فهو ينكر على الشيعة فكرة الإمامة المنصوص عليها من الله، وأن الأئمة معصومون وأن منزلتهم تساوي منزلة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتفوق منزلة الأنبياء الآخرين، وأن لهم بعض صفات الله كعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون وأن أعمال العباد تُعرض عليهم.
وينكر عليهم تكفير الصحابه وسبهم ولعنهم ولعن السيدة عائشة والسيدة حفصة. وينكر عليهم عقيدة الرجعة، وهى أن الله سيبعث للإمام الغائب عند ظهوره ثلاثة آلاف من حكام المسلمين الذين اغتصبوا الحكم من آل البيت وعلى رأسهم أبو بكر وعمر فيقتلهم جميعًا. وينكر عليهم القول والعمل بالتقية حيث يقول: ( إننى أعتقد جازمًا أنه لا توجد أمة فى العالم أذلت نفسها وأهانتها بقدر ما أذلت الشيعة نفسها فى قبولها لفكرة التقية والعمل بها).
وينكر عليهم ما يفعلونه يوم عاشوراء من شج الرؤوس وتمزيق الجلود وإسالة الدماء فى منظر وحشي همجي مقزز كفيل بتنفير من يراه من الإسلام والمسلمين.
وينكر عليهم استيلاء الأئمة والمراجع على خُمس ما يكسبه الشيعة جميعًا بدون وجه حق، إضافة إلى الزكاة. وينكر عليهم زواج المتعة. وينكر عليهم طلب الحاجات من الأئمة وليس من الله. وينكر عليهم السجود على التربة الحسينية. وينكر عليهم الزعم بتحريف القرآن. وينكر عليهم القول بالبداء ومعناه أن الله – سبحانه – يتغير علمه – حاشاه – فيتغير تبعًا لذلك قضاؤه.. إلى آخر ما ذكره هذا العالم الشيعي المتبحر. فهل هذه كلها افتراءات من هذا العالم على أهل شيعته؟ وهل ما كتبه أهل السنة عنهم يخرج عن هذا كله؟.
وهكذا يتضح أن الأستاذ ندا إما لا يعلم – رغم زعمه العلم – وإما أنه يحيد عما يعلم لغرض ما، وعلى كل الأحوال فإنه لا يمثل لا الإخوان ولا أهل السنة فى مزاعمه.
المواقف السياسية والمذهبية
ويؤكد غزلان على أن هناك خلاف لدى الإخوان بين المواقف السياسية من الشيعة والمذهبية
لقد فرّقتُ في ردي السابق عليه بين أمرين: المواقف السياسية والموقف من المذهب وقلت إن المواقف السياسية تقاس على قيم الحق والحرية والعدل فإن اتفقت المواقف معها أيدناها رضى من رضى وسخط من سخط؛ ولذلك فنحن نؤيد حق إيران فى استقلالها وحرية قرارها، وفى برنامجها النووي، وتصديها للمشروع الغربي ودعمها لحركات المقاومة فى المنطقة، وأدنّا العقوبات الاقتصادية عليها، ونرفض ما يتعارض مع هذه القيم مثل دعم متعصبي الشيعة فى العراق فى حربهم على أهل السنة المستضعفين، وكذلك تصريح المدعو ناطق نوري بأن البحرين جزء من إيران، فهذه كلها مواقف سياسية.
وأما الموقف من المذهب فنحن نميل إلى عدم التعرض له بالمدح أو القدح، وعدم الخوض فى الخلافات بين مذاهب المسلمين حرصًا على وحدة الأمة واستبعاد كل أسباب الشقاق، وعلم الله أننى ما خضت فيما خضت فيه الآن إلا لاستغلال يوسف ندا هذا الموقف وتلبيسه على عموم أهل السنة وتجريحه لعلمائهم ولإخواننا السلفيين ونسبته للإخوان ما هم منه براء.
ثم راح يستنكر تحذيري من أننى لن أسكت فى حال استغلال الآخرين حرصي على وحدة الأمة ورغبتي فى عدم الخوض فى الخلافات بين المذاهب إذا لم يحترموا مشاعرنا ويكفوا عن محاولات نشر التشيع بين أبنائنا، فيقول لي: ( قف من أنت؟ إن الخطأ – حتى لو اعتبر خطأ – لا يبرر الخطأ ) فالرجل لا يعتبر نشر التشيع بيننا خطأ، وهذا واضح من عبارته – حتى لو اعتبر خطأ – أى على سبيل الافتراض، بل يعتبر التوعية والتوضيح هى الخطأ.
هل إذا رأيت شخصًا يدعو أولادي إلى فكر منحرف وقمت بتوعيتهم وتحصينهم أكون مخطئًا؟ الأستاذ ندا يقول: نعم.
والذي يحيرني حتى الآن هو معرفة حل هذا اللغز، لماذا يصر الرجل على هذا الموضوع رغم رفض أغلبية الناس له حينما كتبه أول مرة؟. إنه يقول في رسالة سابقة: ( لم يأتِ قراري الكتابة فى هذا الموضوع من فراغ، بل كانت هناك ضرورات كثيرة فرضته عليَّ ). فما هي هذه الضرورات؟. نسألك الصدق والشفافية أيها الأستاذ الكبير.
----------------
نقلا عن موقع إسلام أون لاين

الأحواز ... المأساة المنسية

بقلم الشيخ الدكتور طه حامد الدليمي
برقيـة عـزاء
ثقيل على النفس أن لا يجد المرء أحداً يشاركه مشاعر فرحه. فكيف به حين يجد نفسه وحيداً يجتر آلام حزنه بلا شريك؟!
الحزن - يا سادتي! - مع الوحدة مصيبة مضاعفة!
ومن هنا كانت التعزية في شريعة ديننا، وتقاليد عروبتنا.
فحين يصاب أحدنا بمصيبة نذهب إليه معزين. نصبره، وندعو له، ونذكره بالحقيقة التي لا بد من مواجهتها. ولربما أعناه على بلواه - إن كان محتاجاً - بما تجود به القلوب قبل الجيوب؛ فتخف مصيبته، ويتضاءل حزنه. ويشعر أنه ليس وحده في هذه الحياة. بل إن له إخواناً و.. أعوانا.
هذا إذا كان المصاب فرداً، أو عائلة. فكيف إذا كان المصاب أمة أو شعباً بحاله؟!
بهذا الشعور ،، وهذا التصور ،، وهذا السياق المؤلم يأتي حديثي عن الأحواز.. أو قل: عن مأساة الأحواز.
ألا إن الأحواز كلها مصيبة!
أليس إذن من الواجب علينا أن نرسل إليها - ولو - برقية تعزية؟ نشارك بها إخواننا مشاعرهم، ونواسيهم في مصابهم، ونتبادل العواطف، ونمزج القلوب بالقلوب. ونقول لهم: لستم وحدكم؛ فصبراً بني عمنا! إن موعدهم الصبح.. أليس الصبح بقريب؟
أم نسينا الأصول؟ وتخلينا عن الواجب؟ وفقدنا المشاعر؟ وتبلدت عندنا الأحاسيس؟
أما أنا..؟ فأرى في الأحواز عراقاً آخر يذبح.. ما رأيت صورة الكارون إلا وتذكرت شواطئ دجلة، وبساتين الفرات. وما رأيت أحداً من أهلها، بسحنته العربية، ولهجته العراقية إلا وتذكرت أهلي، وأخذني الحنين إلى.. إلى هناك. وما رأيت صور حياتهم وأنا أتابعها على مواقع الشبكة إلا وكأني أرى صور بلادي وأحبابي.. هذه أمي بعصبتها وفوطتها وعباءتها، وتلك خالتي، وهؤلاء أبناء وبنات حارتي، وذلك خالي (يذري) بـ(مرواحه) دريس البيدر. وهذه النخلات نخلات قريتي، وهذه الساقية ساقيتنا التي كانت تمر من أمام دارنا.. وذاك.. ذاك..؟ أنا، نعم! أنا.
ويستبد بي الحزن.. وتنسج المأساة في خاطري خيوطها، وأنا أستعرض صور الأسرى، ورسوم الشهداء.. وفي أذني نشيد أحوازي.. هوسات يعربية، ونبرات حماسية، تلتهب مشاعري بلحنها، وتثور لوقعها. يا إلهي!.. وأغلق الصفحة؛.. كفى! لا أستطيع الاستمرار. وأتلفت حولي.. هل يراني من أحد، ثم أخرج المنديل...
و أتذكر - وعلى الدوام - قول شوقي منفياً في بلاد القوط:
يا نائحَ الطلحِ أشباهٌ عوادينا
نأسى لواديكَ أمْ تشجى لوادينـا
ماذا أقُصُّ عليكَ غيرَ أنّ يداً
قصّتْ جناحَكَ جالتْ في حواشينا
لقطة من صور المأساة الصامتة
افتحوا شبكة الإنترنيت، وقلبوا صفحاتها،، وانظروا إلى بعض صور تلك المأساة الصامتة المنسية! انظروا إلى المشانق كيف تعلق عليها تلك الأجساد البريئة؟ وتأملوا طريقة الشنق الوحشية!
بعضهم لا يشنق بالطريقة الاعتيادية، كما يعدم باقي البشر إنما يشنق بالطريقة الآتية: عارضة حديدية.. في أعلاها بكرة، يتدلى منها حبل.. في أحد طرفيه تعلق الضحية!.
والضحية.......؟
هو رجل أو شاب أحوازي شريف. وقد تكون امرأة أغاظت في يوم ما علجاً فارسياً بمنظر (شيلتها) العربية!
والطرف الآخر يمسك به وحش في صورة آدمي.. وحش يسمى إنساناً ! يسحب ضحيته المدلاة من الطرف الآخر سحباً ! ولكم أن تتصوروا حجم العذاب الذي يصب على الضحية صباً، وهي تعلو وتهبط بيد من يسحبها ! ولعل ذلك الوحش يتعمد أن يشد الحبل وأن يرخيه؛ ليزيد العذاب عذابا.
رسول الله صلى الله عليه وسلم.. نبينا العربي، نبي الرحمة يقول: (( إنَّ اللهَ كتبَ الإحسانَ على كلِّ شئٍ.. فإذا قتلتم فأحسِنوا القِتلةَ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحةَ. ولْيَحِدَّ أحدُكم شفرتَهُ، ولْيُرِحْ ذبيحتَه)).
يا أتباع زرادشت!
لو كنتم من خدم خدم أتباع محمد لعاملتم ضحاياكم – على الأقل – معاملة الذبيحة! أو معاملة الحيوان.
يا عالم!
يا منظمات حقوق الإنسان!
لا نطالبكم بغير حقوق الحيوان للإنسان العربي الذي يذبح في مسلخ إيران!
السادية والشذوذ النفسي
هذا العنف السادي - وأسميه " سادياً " لأن القاتل لا يكتفي بقتل الضحية، وإنما يريد أن يتلذذ بتعذيبها قبل أن يقتلها - خلق فارسي. العنف السادي من أخلاق الفرس إلا من رحم الله. لماذا؟ وشواهد ذلك الآن في العراق أكثر من أن تحصى.
الفرس - ومن تأثر بهم ممن تشيع بدينهم - لا يقتلون ضحاياهم إلا بعد تعذيبها! لماذا؟ لأنهم مصابون بـ(عقدة النقص)، ويعانون أعمق العناء من (عقدة الاضطهاد). وليس من شرط المريض بـ(عقدة الاضطهاد) أن يكون مضطَهداً في الواقع. هي عقدة أو مرض ينتشر بالعدوى.
تنعكس هذه العقد على ممارسات وتصرفات أصحابها شذوذاً في السلوك، أو التعامل مع الضحية؛ ولذا فإن المصاب بهذه العقد لا يكتفي بقتل الضحية، وإنما يريد أن يطيل من أمد موتها.
ولماذا؟ لأن ذلك وحده يشعره بالتماسك النفسي.. يشعره بأنه موجود، بأنه مخيف، وأنه قوي.
القاعدة عند هذا على الناس الصنف: " أنت تتألم؛ إذن أنا موجود ".
والبلاء كل البلاء سيكون هؤلاء الذين يعانون من عقدة الاضطهاد وعقدة النقص إذا أمسكوا يوما بزمام القوة. وأبرز مثال على هذا الصنف: الفرس واليهود. وانظروا إلى ما هو حاصل ويحصل اليوم في بلدنا العراق المحتل، وفي بلدنا الآخر الأحواز العربي المحتل. ولا أراني في حاجة لأن أعيد إلى الأذهان مأساة الأسير العراقي في سجون إيران. لقد كان الوحش الإيراني يدخل صنارة الصيد .. تخيل ..!!
صنارة الصيد.. يدخلها في العضو الذكري للأسير، ثم يسحبه ليمشي به حيثما يريد.
هذه لقطة سريعة، وبسيطة تعبر عن وحشية هؤلاء وساديتهم وظلمهم.
ما يجري الآن في العراق شاهد واضح على ما أقول، والعراق ليس في قبضة إيران. فكيف هو الحال في قطر الأحواز، الذي هو في قبضة إيران؟! ماذا تتصورون يفعلون به؟!
صورة لا تنسى
صور مأساة الأحواز لا تحصى! وإن أنسَ لا أنسَ - وأنا أتصفح صور المأساة المنشورة على شبكة المعلومات - صورة تلك المرأة العربية الأحوازية التي سيقت الى الإعدام في يوم 3/3/2006 ، بملابسها السوداء الطويلة بطول حزن الأحواز. تلبس تلك الملابس التي تلبسها أمي وأمك، وخالتي وخالتك، وعمتي وعمتك. يا ليت شعري ماذا قالت حين ألقي عليها القبض؟ هل لها من أولاد؟ ماذا فعلوا وهم يرون أمهم تساق إلى المجهول، وتفارقهم إلى حيث لا لقاء؟ وكيف هو حالها يوم ألقيت في الزنزانة وحيدة بلا أنيس؟ أو حين تداولتها أيدي أولئك الوحوش؟ وماذا كان شعورها وهي تغادر هذه الحياة؟
ليس من قصدي الحديث عن تفاصيل المأساة الأحوازية. إنما أريد أن أبين الخطوط العريضة، وأقرب لكم صورة الظلم الذي تمارسه إيران فيها، وفي أي أرض تطالها يدها، ولو من بعيد! وذلك من خلال مقياس لا يخطئ عن العدل وعن الظلم. ثمة مقياس نقيس به العدل، ونقيس به الظلم ، سأتحدث عنه أثناء الكلام .
بداية المأساة
بدأت مأساة الأحواز قبل أكثر من ثمانين عاما.. يوم رأت بريطانيا العظمى أن لا بد من أن تقف بوجه أطماع الاتحاد السوفييتي، تلك الإمبراطورية الناشئة للتو، ممثلة بروسيا القيصرية. التي كانت لها أطماع وأماني وآمال قديمة جدا أن تصل في يوم ما إلى ما يسمى بالمياه الدافئة في الخليج العربي. وحين تشكلت إمبراطوريتها في سنة 1917 بدأت تهدد الوجود البريطاني في المنطقة آنذاك فرأت بريطانيا أن تجعل بينها وبين روسيا سداً. فكان هذا السد هو إيران. ولكن لا بد لهذا التزاوج غير الشرعي بين إيران وبريطانيا من مهر أو ثمن. وكان الثمن المدفوع هو.. الأحواز!
الشيخ خزعل الكعبي
وفي يوم 20 نيسان من سنة 1925 وقعت الجريمة النكراء. بمؤامرة حاك خيوطها الثنائي الشيطاني: بريطانيا – إيران. وكان أن استدرجوا أمير الأحواز الشيخ خزعل الكعبي تحت ذريعة إقامة حفل توديعي للقنصل البريطاني على اليخت الخزعلي. حيث تم اعتقاله، وذهبوا به هو وابنه من ثم إلى إيران. ليموت هناك بعد أكثر من عشر سنين. ثم يلحق به ابنه بعد سنتين من مماته، بينما كان الفرس يحاولون أن يستخلصوا منه اعترافاً بشرعية الاحتلال الإيراني للأحواز، أو اعترافا بأن الأحواز جزء من إيران. ولكن الشيخ خزعل أبى أشد الإباء، رغم معرفته بأ ذلك سيكلفه حياته. وهكذا كان. ومات ولم يكتب لهم ذلك الاعتراف.
من تلك اللحظة.. أو من تلك الليلة المشئومة بدأت المأساة الأحوازية، وانتهى الحكم العربي في الأحواز التي كانت مستقلة بشتى الصور عن إيران. وقامت فيها إمارات عربية تستقل أحيانا استقلالا كاملاً عن إيران، وأحياناً جزئياً. وأحيانا تغزوها إيران ثم تخرج منها. إلى أن انتهى الحكم العربي في سنة 1925 لتبدأ المأساة.
المأساة في خطوطها العريضة
أستطيع أن ألخص المأساة الأحوازية في خطوطها العريضة بعدة نقاط رئيسة:
· ضمت إيران الأحواز إليها، وأعلنت الحكم العسكري المباشر لها، وأقامت الثكنات العسكرية، وزجت بحامياتها في أرض الأحواز، وزودتها بالأسلحة الفتاكة للسيطرة على الشعب العربي هناك ولمراقبته.
· ألغوا جميع مؤسسات الحكم العربي السياسية والإدارية والقضائية.
تأملوا اللمسة الإيرانية في هذا التصرف! وقارنوا بينها وبين ما حدث في العراق. إن إلغاء الأمريكان مؤسسات قيام الدولة حين دخلوا العراق، كان بوحي من إيران وإسرائيل عن طريق عميلهم أحمد الجلبي وأمثاله. وهكذا يعيد التأريخ نفسه!
· حرموا الشعب العربي من أبسط حقوقه المدنية وحرياته السياسية. إلى حد أنهم منعوا العرب من تسمية أبناءهم بالأسماء العربية ذات الدلالات الخاصة التي تزعج الإيراني مثل اسم عمر أو عثمان أو عائشة. هذه الأسماء تزعج الفارسي لأنها ترتبط في ذهنه بذكريات لا يريد أن يستعيدها؛ ولذلك – وبسبب سخافة عقولهم، وحساسية عقدتهم المتأصلة في نفوسهم - تراهم يضطهدون كل من اسمه عمر أو عثمان، أو يقتلونه .هذا ما يجري الآن في العراق. في أسبوع واحد قتلوا (86) شخصاً ممن يحمل اسم عمر. بل ربما غيروا اسم العربي كاملاً، أي يغيرون اسمه واسم أبيه، ويعطونه بدلاً اسما فارسيا. حتى يلغوا هويته،
· منعوا العرب من ارتداء الزي، أو العقال العربي. فإذا ذهب أحدهم إلى دائرة رسمية ضايقوه وأسمعوه عبارات التنقيص من العرب، وربما منعوه من دخولها. وإذا ذهب إلى السوق يضايق من خلال إلقاء النكت والكلمات الجارحة. وكذلك حين يمشي في الشارع.
· منعوا أبناء العشائر من التجمع في الدواوين والمضايف العربية.
· منعوا الدراسة والتحدث باللغة العربية. فالمناهج الدراسية كلها بالفارسية. وليس ثمة في الأحواز كلها مدرسة عربية واحدة!
· ألغوا الاعتراف بالقومية العربية والاعتراف باللغة العربية لغة للشعب العربي الذي يبلغ تعداده ثمانية ملايين.
قارنوا بين هذا وبين ما حصل في ما يسمى بـ(الجمعية الوطنية العراقية) حينما طالب بعض ذيول إيران ممن يتقمصون الهوية العراقية، باعتماد اللغة الفارسية لغة رسمية! تصوروا..! في العراق يطالبون باعتماد اللغة الفارسية لغة رسمية لأن هناك مجموعة من الفرس يتواجدون فيه. وثمانية ملايين في الأحواز كلهم عرب لا يعترفون لا بلغتهم، ولا يسمحون لهم بأن يفتحوا مدرسة واحدة تتحدث العربية!
· غيروا الأسماء العربية للمدن والمواقع. وغيروا الملامح وكل ما يمكن أن يدل أو يشير إلى العرب في أرض العرب هناك.
· اقتطعوا أجزاء من الأحواز وضموها إلى المحافظات الفارسية.
· قاموا بأعمال تهجير للعرب وتوطين الفرس مكانهم.
· منعوا الترجمة في المحاكم من العربية وإليها. وألزموا صاحب القضية بعرض قضيته باللغة الفارسية فقط. فإن لم يكن يجيد التحدث باللغة الفارسية سقطت قضيته ؛ ولا يسمحون للعربي أن يأتي بمترجم . أما إذا كان خصمك فارسيا
فاقرأ على قضيتك السلام، ومن أول لحظة!
· سيطر الفرس على جميع مجالات الخدمات والإنتاج، وحرموا عامة العرب من الوظائف الحكومية . مع فرض الضرائب عليهم . بالإضافة إلى احتكار التجـارة
والنشاطات الاقتصادية الأخرى وحصرها بيد الفرس.
· حرموا العرب من امتلاك الأراضي الزراعية. وصادروا جميع الأراضي التي يمتلكها العرب وعقاراتهم.
· هذا بالإضافة إلى انعدام الرعاية الصحية.
هذا كله في كفة..
· وفي الكفة الأخرى استخدموا جميع أنواع التنكيل والإرهاب والمطاردة والقتل والاغتيال ضد أبناء الأحواز.
· أما وسائل الإفساد الخلقي ونشر المخدرات بين الشباب العربي في الأحواز من أجل إفسادهم وإنهائهم وإلهائهم.. فحدث ولا حرج.
المقاومة الأحوازية
لعل سائلا يسأل: كل هذا حصل؟ فماذا كانت ردة فعل العرب في الأحواز؟
وأنا أعتبر السؤال هذا جزءاً من المأساة الأحوازية! لأنه يعني أننا لا نعرف شيئاً عن أهلنا في الأحواز الجريحة! ونجهل ماذا حصل فيها خلال هذه العقود المتطاولة التي بلغت (80 أو 90 سنة ) من الاحتلال الفارسي. ولكن من أين يأتي العلم إذا كان الجميع ساكتين؟
الأقسى والأمر أن علماء الدين أيضاً ساكتون! فلماذا؟
إذا كان رجل السياسة يخاف الدوائر، أو يعتبر أن المصلحة السياسية في السكوت على ما يجري، فعلام يسكت عالم الدين؟ والله تعالى قد أخذ الأمانة على كل مسلم أن يقولوا الحق ولا يكتمه. فكيف بالعلماء الذين قال الله تعالى فيهم: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) (آل عمران:187).
نعم! لقد عمل إخواننا في الأحواز – ولا زالوا يعملون - بما يستطيعون لمقاومة
الاحتلال. فقد قاموا بانتفاضات، وفجروا ثورات. كما قدموا مذكرات إلى الجامعة العربية في جميع مؤتمرات القمة العربية، كان جوابها الصمت، والصمت المطبق! وكذلك رفعوا صوتهم عالياً في كثير من المحافل الدولية، وتوجهوا بقضيتهم إلى المنظمات العالمية وناشدوها بمساندتهم. وأسسوا الأحزاب والمنظمات والروابط.
الانتفاضات والثورات
وإذا كان ولا بد أن نقف عند بعض صور المقاومة الأحوازية المسلحة، فنقف قليلا عند بعض الانتفاضات والثورات.
· ثورة الغلمان: فأول ثورة قامت بعد أقل من ثلاثة أشهر على احتلال الأحواز، وسميت بـ(ثورة الغلمان). وذلك في شهر تموز من عام 1925، بقيادة شلش وسلطان.
· ثورة الحويزة: وقامت ثورة أخرى في سنة 1928 سميت بـ(ثورة الحويزة) بقيادة محي الدين الزيبق. الذي تمكن من تشكيل حكومة دامت ستة أشهر.
· ثورة الشيخ حيدر الكعبي: عام 1940 في منطقة الميناو.
· ثورة الشيخ جاسب الخزعل: في منطقة الغجرية عام 1943.
· ثورة الشيخ عبدالله بن الشيخ خزعل: عام 1944. وقد استطاع أن يجتاح مدينة المحمرة، ليدخل قصر أبيه. والقبائل العربية قد تلقته وهي تهتف: (طب بدرج يا دار زهيله.. طب بدرج يادار زهيله).
· ثورة بني طرف: عام 1945. عندما أجبرت الحكومة الإيرانية العرب هناك على تغيير زيهم العربي وجردتهم من أسلحتهم. وكانت هوستهم: (يا عكال نسويلك هيبة).
· ثورة الشيخ مذخور الكعبي: عام 1946. وهذه بدأت حينما أسس في عبادان حزب أطلق عليه اسم " حزب السعادة " . كانت أهدافه تدور حول الحفاظ على الشخصية العربية. فلم تكن مطاليبه تلك المطاليب الخطيرة والكبيرة. كان يركز على بث الشعور بالانتماء العربي ومنح العرب حقوقهم القومية والسماح لهم بإصدار صحف، وتأسيس نوادي خاصة بهم أسوة بالأقليات الأخرى في إيران. وكان يدعو إلى التزيي بالزي العربي، وإلى جعل المناهج الدراسية باللغة العربية.
امتدت تنظيمات هذا الحزب إلى مدينة المحمرة، ثم الى بقية القطر الأحوازي. لكن بريطانيا وسلطة الاحتلال الفارسي لم يرق لهما ما يجري على أرض الأحواز مما يفعله هذا التنظيم؛ فتآمروا فيما بينهم، واستطاعوا أن يوقعوا بينه وبين (حزب تودة) الإيراني. وأن يطلقوا العنان للمستوطنين الفرس وهم مدججون بالسلاح لقتل الشباب العربي، واغتيالهم ومطاردتهم. وسلطة الاحتلال من ورائهم. فارتكبوا مجازر بشعة، وحمامات دم وتصفيات كثيرة. وطاردوا شباب التنظيم ونكلوا بأعضاء هذا الحزب وكل العرب الأحوازيين.
مأساة مؤسس الحزب حداد بن هويدي
وإن أبشع ما حصل في تلك الأيام حين دخل أولئك الوحوش إلى بيت مؤسس الحزب حداد بن هويدي. دخلوا عليه بيته واعتقلوه هو وزوجته وأطفاله الثلاثة وصعدوا بهم الى سطح الدار.. ثم قاموا بإحراقهم وإلقائهم من فوق السطح كتلاً نارية. - تأملوا هذه الوحشية وهذه السادية! - ودمروا جميع مكاتب التنظيم وأنهوا وجوده.
وهذا أدى إلى ردة فعل عنيفة قام بها العرب الأحوازيون بقيادة الشيخ مذخور الكعبي. فهجمت القبائل العربية على الحامية الفارسية في المدينة وقتلوا أعدادا كبيرة من جنودها. ولكن – كالعادة - انتهت هذه الانتفاضة كما انتهت سابقاتها من الانتفاضات والثورات لعدم التوازن بين قوى الكفتين.
واستمرت هذه الثورات والانتفاضات والى اليوم.
مقياس العدل والظلم
أكرر التنبيه على أنني لست بصدد الحديث عن تفاصيل المأساة. وإنما أريد أن أتحدث عن الخطوط العريضة العامة. وعن المقياس الذي نقيس به الظلم والعدل ، أريد أن أعرض هذا من خلال أول حدث إجرامي قامت به سلطة الاحتلال الإيراني بعد تولي خميني الحكم في إيران.
لقد كان للشعب الأحوازي دور كبير في نجاح ثورة الخميني. الذي كان يعدهم الوعود البراقة، ويمنيهم الأحلام الخلابة. وكانوا يصدقون هذه الوعود لأن الخميني كان يتستر بشعارات دينية. وهم وإياه من مذهب واحد، فالعرب في الأحواز كانوا كلهم شيعة عند مجئ الخميني، ولم يكن منهم إلا القليل من أهل السنة، على عكس ما هو عليه الحال اليوم. وجاء الخميني واستبشر به أهل الأحواز. وذهب إلى طهران وفد منهم يحملون مطاليب مشروعة، وكلهم أمل في تحقيق هذه المطاليب.
ترى..! ما هي هذه المطاليب؟
1. السماح لهم بالتحدث بلغة القرآن اللغة العربية إلى جانب اللغة الفارسية
2. أن تكون لهم مدارس مناهجها الدراسية باللغة العربية، إلى جانب اللغة الفارسية
3. وأن يسمحوا لهم بتأسيس جمعيات خاصة بهم
4. وأن يسمح لهم بإصدار صحيفة عربية
تأملوا هذه المطالب.. التي هي مطالب جميع الذين تقدموا صفوف أهل الأحواز منذ الاحتلال والى اليوم! تأملوها لنستخلص من خلالها مدى الظلم الواقع على شعب الأحواز .
كيف نقيس حجم الظلم وحجم العدل ، الشعوب كل الشعوب على مدار التأريخ في
علاقتها مع الحكام لديها مطالب، وأهداف وتطلعات، وأحلام وغايات. من خلال نوع هذه المطالب نعرف أو نستخلص مقياس الظلم أو العدل.
عمر العادل
عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه هو رمز العدل في تأريخنا. ذلك العملاق الذي سلطه الله على دولة فارس؛ لأنها رمز الظلم. يظهر إن الله تعالى بحكمته يسلط الأضداد على الأضداد: فمسيلمة الكذاب سلط الله عليه أبا بكر الصديق. انظر إلى المعادلة تجد (كذاباً ضده صديق). سعد بن أبي وقاص كان القائد الذي كتب الله تعالى على يديه هزيمة وانهيار دولة فارس. هذا العملاق الثاني من صفاته أنه لا يحمل حقدا على أحد. يقول: أنام حين أنام وليس في قلبي غل على أحد من المسلمين. وبهذا شهد الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم له بالجنة في قصة معروفة. سلط الله تعالى هذا الإنسان الصافي القلب على دولة الحقد!
دولة فارس تجمع إلى الحقد الظلم. فهي رمز من رموزه. رمز الظلم سلط الله تعالى عليها رمز العدل!
ويقف هذا الرمز الإنساني يوما خطيبا فيقول: " أيها الناس اسمعوا وأطيعوا ".
تأملوا المفارقة! لاحظوا تصاريف القدر! يقوم له شخص ليقول له: " لا سمع ولا طاعة "! أتعرفون من هذا الشخص؟
إنه رجل فارسي لا قريب له.. ولا أحد، ولا عشيرة!
فيقول عمر: " ولم؟ " قال: " لأن ثوبك أطول من ثيابنا ". يشير الى أقمشة وزعها عمر بن الخطاب على الناس وقد أخذ - كما أخذوا - قطعة منها. لكن سلمان يرى ثوب عمر طويلاً. وعمر كان طويلا بائن الطول. كان إذا ركب الحصان قدماه تخطان في الأرض. وقياساً على ذلك يكون قد أخذ أكثر من قطعة. فهذا ظلم يرتكبه الحاكم لا ينبغي معه أن يأمر فيطاع، وأن يقول فيسمع!
ماذا فعل عمر؟ هل قال: " خذوه.. سحبوه.. اقتلوه.. عذبوه " ؟
لم يقل، ولم يفعل سوى أنه نظر في وجوه القوم يبحث عن ابنه عبد الله أين هو؟ فلما رآه فقال: " قم يا بني دافع عن أبيك ". فقام عبد الله ولم يزد على أن قال: " أيها الناس! لقد أعطيت ثوبي لأبي فصنع منه ثوبا ولبسه ". وبكل بساطة قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: " الآن قل نسمع واأمر نطع ". وانتهى الموضوع! واختفت القضية من أرض الواقع تماماً، لينتقل ملفها إلى صحائف التأريخ.
وفي زمن حفيده عمر بن عبد العزيز يأتيه البريد من صعيد مصر. والبريد في ذلك الزمان لم يكن كحاله في هذه الأزمنة. لم تكن المواصلات متطورة كما هي الآن. كانت المواصلات على الإبل وعلى الخيل، وكان البريد لا يحمل إلا القضايا الكبيرة إلى دار الخلافة. لكنه هذه المرة يحمل كتاباً من امرأة عجوز سوداء تسمى فرتونة السوداء. فرتونة السوداء ترسل كتابا إلى الخليفة في دمشق! ومن صعيد مصر! " من فرتونة السوداء الى أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز ..." . ماذا تريدين يا فرتونة ؟ " إن جدار بيتي واطئ؛ فيتسوره الصبيان ويسرقون بيض دجاجاتي فأمر الوالي بأن يبني لي جدار البيت "! ويقول عمر : " سمعا وطاعة " ويكتب الخليفة إلى
الوالي أن يبني لتك العجوز السوداء المنقطعة جدارها كما تريد.
حينما ينتشر العدل تكون عند الشعب حساسية مرهفة لما يقع عليهم، وينخفض مقياس الظلم لديهم. ويرتفع سقف مطاليبهم. نعم! ينخفض مؤشر المقياس الذي يتحسس الظلم كثيرا، بحيث يتحسس المواطن تقصير الحاكم إلى هذه الدرجة.
إذن من خلال حجم القضية، ونوع المطاليب نستخلص مقياس العدل أو الظلم. حينما يشعر المواطن أن الحكومة مسؤولة حتى عن جداره. وأن مشكلته مع الحاكم كماليات الحياة هذا يعني أن الشعب يعيش في نعيم الحرية وبحبوحة العدل. وأن ما فوق هذا متوفر. وحينما لا يكون للأمير من ذنب سوى شبهة أن ثوبه أطول من ثياب رعيته.. معنى هذا أنه ليس هناك من ظلم أكبر من هذا، فيما لو وقع هذا. لكن حينما تكون مطالب الشعب هي أساسيات الحياة البسيطة مثل اللغة، ولا يستجاب له.. معنى هذا أن ما هو أكبر منها مستباح.
إن شعب الأحواز خيراته منهوبة. 95% من النفط الإيراني في الأحواز، وهو لا يحصل على شيء منه! بينما إيران كلها تعيش على نفطه. ومع ذلك لم تكن هذه القضية مطروحة للنقاش ضمن المطاليب. هم لا يريدون فوق أن تسمح لهم الحكومة الجديدة ببناء مدرسة عربية.. يتحدثوا باللغة العربية.. تصدر لهم صحيفة عربية. ماذا يعني هذا؟ يعني أن مقياس الظلم قد ارتفع مؤشره إلى هذه الدرجة. وأن الدولة ظالمة ظالمة، وأن الشعب العربي في الأحواز غارق إلى أذنيه في ظلم هذه الدولة.
يوم الأربعاء الأسود
ومع بساطة هذه المطاليب ماذا كان رد الخميني؟
لقد أوعز الخميني المقبور إلى الحاكم العسكري لعربستان المدعو أحمد مدني، الذي كان قائد القوة البحرية - أوعز إليه بإنزال العسكر في أرض الأحواز واستباحتها. فأنزل هذا المجرم الجيش، وشن حملة قتل ومطاردات، فقتل في يوم واحد أكثر من مائة شاب أحوازي، واعتقل في ليلة واحدة أكثر من خمسمائة!
هذا كان رد الخميني على هذه المطاليب. وكانت مجزرة.. وكانت مأساة.. في يوم 29/5/1979، في يوم أربعاء أطلق عليه يوم الأربعاء الأسود.
ولا زال إخواننا في الأحواز يذوقون الويلات من تلك الدولة ومن أولئك الوحوش
الأوغاد الذين يحقدون على تأريخنا ويسبون أجدادنا ويشوهون تأريخ رموزنا. إنهم يكرهون عمر العادل إلى حد أنهم يتضايقون من سماع اسمه.. إلى حد أنهم لا يتحملون رؤية شخص يمشي في الشارع واسمه عمر؛ لأنه يذكرهم بعقدتهم.. بظلمهم. إنه الند النقيض. والنقيض يتضايق من رؤية نقيضه.
متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟!!!
عمر هذا الذي يكرهه العجم، يأتيه في يوم من الأيام شاب نصراني من مصر، يطوي الوهاد والنجاد حتى يصل إلى المدينة! ما قضية هذا الشاب؟! وتأملوا المقياس! قضيته أنه تسابق يوما على الخيل. وكان في المتسابقين ابن الأمير.. أمير مصر.. عمرو بن العاص رضي الله عنه.. هذا القائد العربي المسلم الذي فتح فلسطين، وحرر مصر.. محرر فلسطين ومصر عمرو بن العاص الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم يوم أسلم - والحديث في صحيح مسلم – ((أسلم الناس وآمن عمرو))! والإيمان أعظم من الإسلام؛ الإسلام ظاهر.. والإيمان باطن.
ابن عمرو بن العاص كان في المتسابقين فسبق ذلك الشاب ابن الأمير. فلما تجاوزه بفرسه خفقه على رأسه بالسوط وقال: " أتسبقني وأنا ابن الأكرمين " ؟ هذه هي القضية! وهذه هي المظلمة!
تعالوا الآن إلى العراق لتروا الظلم مجسماً.. القتل.. الجثث في الشوارع والطرقات وعلى المزابل تنهشها الكلاب.. الرعب.. الجوع.. المطاردات.. الاعتقالات.. و.. و.. وقيسوا عليه ما يحصل في الأحواز!
يرتحل ذلك الشاب ليمشي شهرا حتى يصل المدينة ليشكو ابن أمير مصر عند أمير المؤمنين! ويقص عليه القصة. فيرسل عمر بن الخطاب والي مصر حتى يأتي إليه ويحاكمه وتنتهي المحاكمة بأن يقضى لذلك الشاب النصراني على ابن الأمير المسلم. ويقول عمر بن الخطاب له: " ضع السوط على رأس ابن الأكرمين ". ثم يقول: "ضع السوط على صلعة أبيه " . وينزع عمرو بن العاص عمامته. قال الشاب: " إنما ضربني ابنه " ؟ قال: " لولا أبوه ما تجرأ عليك ضع السوط على صلعة أبيه "!
وها هي اليوم أفراخ العجم، وأبناء الظلم يتكلمون على عمر رمز العدل!
يومها قال عمر قولته المشهورة: " يا عمرو! متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟! ".
متى استعبدتم الناس - أيها المجوس! - وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ؟!
أيها الأحرار في الأحواز ! أبشروا ؛ فالنصر قادم بإذن الله ، متى ما عملتم وبذلتم المستطاع. (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
-----------------------
نقلا عن موقع القادسية