2008/11/27

عشرة أسئلة لإسلاميين يدافعون عن طهران

أحمد موفق زيدان : بتاريخ 26 - 11 - 2008
يصعب علي كإسلامي أن أوجه أسئلة لمشاركي همومي وتطلعاتي ومشروعي، ولكن بعد أن طفح الكيل وفاض شلالات وأنهارا وسيولا من الضرر بالمشروع الإسلامي الكبير، المشروع الذي لا يحده قومية ولا عرقية ولا مصلحية ،بعد كل هذا أردت أن أوجه هذه الأسئلة لهؤلاء الإخوة الأحباب الذين أحببناهم في الله ولا زلنا ، ولكن الحق والدين والهدف والغاية وهو المشروع الإسلامي الكبير أحب إلينا وأعتقد أحب إليهم، وهنا لن أدخل في الحيز العقدي الشرعي فهو واضح لا لبس فيه لكل من رزقه الله نعمة البصروالبصيرة، ولكني أجادل هؤلاء بالحيز الذي يرفعون أصواتهم فيه وهو مصلحة الإسلام والمسلمين، بينما يغيب عن ذهنهم أن ذلك مصلحتهم هم ومصلحة جماعاتهم وفرقهم ودولهم وليس مصلحة الإسلام على امتداد الزمان والمكان الذي نفهمه ....
1- هل نحن كإسلاميين جزء من المشروع الإيراني الحالي، وهل هذا المشروع يخدم المشروع الإسلامي العام أم يتضاد ويتناقض معه؟؟؟
2- هل الموافقة و التعاون والتنسيق الإيراني مع الأميركيين والغربيين في احتلال عاصمتين إسلاميتين وهما كابول وبغداد يتسق مع المشروع الإسلامي الذي يرفعه ملالي طهران، وأمر حلال ومباح لا غبار عليه ؟؟؟؟
3- هل التشهير بكل مقاوم وليس ممانع لأن الممانعة ألفاظ مطاطية لا وجود لمعظمها على أرض الواقع، هل التشهير بالمقاومة العراقية والأفغانية والصومالية يخدم المشروع الإسلامي الذي يرفعه وينادي به ملالي طهران ؟؟؟
4- هل الصمت المطبق على مجازر المليشيات الصفوية بحق المسلمين العراقيين والفلسطينيين المهاجرين إلى بغداد الرشيد يخدم المشروع الإسلامي الكبير، وهل فلسطينيو شارع حيفا في بغداد الرشيد المحتلة يختلفون عن فلسطينيي غزة ونابلس والقدس وغيرها ؟؟؟؟
5- الهجمة الشرسة على العلامة الدكتور يوسف القرضاوي من ملالي طهران ووكلاء طهران، وأدواتها هل يخدم المشروع الإسلامي الكبير؟؟؟
6- هل يحق لطهران أن تتفاوض مع الحاخامات، وتتفاوض مع الأميركيين والغربيين، ويقوم رئيسها بزيارة لبغداد المحتلة، ويحق لها أن تدخل في الاتفاق على سلة التسهيلات الغربية والأميركية، بينما تحذر بالمقابل الغرب من التفاوض مع من تصفهم بالإرهابيين والظلاميين والقتلة والمجرمين من مقاتلي الطالبان الأفغان، طبعا هذا الأمر موثق في وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية وعبر تصريحات وزير الخارجية وبروجوردي ومندوب إيران الدائم في الأمم المتحدة...
7- هل يجوز التنازل عن المبادئ والأفكار والسياسات من أجل حفنة من التومانات والدولارات الإيرانية، وهل يجوز ذلك مقابل غض النظر عن مآسي المسلمين التي يسببها هذا التعاون بذريعة أن الدول العربية والإسلامية لا تدعمنا، وبالتالي هل الغاية تبرر الوسيلة؟؟؟
8- هل المقاومة والتحرير حكرا على طهران ووكلائها أو من يخدمون مشروعها،وبالتالي علينا جميعا الوقوف سدا منيعا ضد أي مقاومة لا تتسق مع المصالح الإيرانية كما يجري عمليا في العراق وأفغانستان والصومال والشيشان ؟؟؟
9- حين قال الرئيس المصري حسني مبارك بأن كل الشيعة في العالم تابعون لإيران وولائهم لها وليس لدولهم بدأ الشيعة وطهران معهم يشككون ، وشكك به بعض الإسلاميين، طبعا تشكيك طهران وغيرها ليس لعدم حبهم في هذا التوصيف الواقعي، وإنما فقط لأن التصريح به الآن يضر بمشروعهم المعتمد على الضحك على بعض الإسلاميين ، بينما نرى في النيويورك تايمز قبل أيام فتوى لأحد علماء شيعة العراق حين استفتي بما ينبغي عليه الشيعي إذا هوجمت طهران، فرد المسؤول طبعا بضرب كل المصالح الأميركية، أما أن يحتل بلده من قبل الأميركيين والغربيين فهذا لا غضاضة فيه ما دام يخلصهم من حكم سني شكلا...
10- في النهاية سؤال وجواب أرجو ممن يقرأ هذه الأسئلة ألا يرد علي بالقول إن هذا يخدم مصالح إيران، وأنا أجيب إذن فلا أحد يقول لنا ما تفعله إيران إسلامي أو يخدم المشروع الإسلامي، وعلينا دعمه، وبالتالي دعونا كل واحد يقلع شوكه بيديه، فإن كان ضرب أفغانستان مصلحة لإيران، علينا التسليم بها وتبرير الوقوف والدعم الإيراني للأميركيين في أفغانستان وكذلك في العراق، فلا أحد يلومن أحدا إن وقف مع ضرب إيران ما دام يخدم دولا وجهات عربية وإسلامية عراقية أو أفغانية أو شيشانية أو سعودية أو خليجية وغيرها
---------------
المقال على موقع المصريون

2008/11/26

آيات يستدل بها الشيعة

للشيخ عثمان الخميس حفظه الله
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله وعلى آل بيته الكرام وصحابته الأبرار وبعد
فهذا رد على عدة مقالات كتبها علي المتروك ( شيعي ) في جريدة الوطن فنقول وبالله نستعين :
ذكرتَ مجموعةً منَ الآياتِ تَدُلُّ على فضلِ آلِ البَيْتِ رضي الله عنهم ، وعُلُوِّ مكانتِهم ، ووجوبِ تقديمهم واتِّباعِهم ، والتَّسليمِ لهم . ولا أرَى أنَّ الآياتِ تَدُلُّ على مطلوبكَ ، بل ذكّرَنِي سردُكَ للآياتِ على هذا الوجهِ بروايةٍ قرأتُها قديمًا في كُتُبِكم ، فيها : (أنَّ القُرآنَ نَزلَ ثلاثةَ أثلاثٍ : ثُلُثٌ فينا . وثلثٌ في عَدُوِّنَا . وثُلثٌ أحكامٌ وفرائضُ). تفسير البرهان المقدمة ص158
فلا غرو ـ مع هذه الرواية ـ أنْ تختزلَ كُلَّ هذه الآياتِ في مجموعةٍ قليلةٍ منَ البشرِ رضي الله عنهم ، وأنْ تَتكلَّفَ في فهمِ مراد الله تعالى فيها ، وتلويَ أعناقَها تبعًا لما تريد.
ولعلَّ الذي ذكرتَهُ من الآياتِ غَيضٌ مِن فَيْضٍ منَ الآياتِ النَّازِلةِ في آلِ البيتِ رضي الله عنهم كمـا يظهر ذلكَ من كُتبِ التفسيرِ عندكم ،ومهمـا يكن من أمرٍ فاقْبَلْ مِنِّي غيرَ مأمورٍ تفسيرَ هذه الآياتِ كما جاء عَن سَلَفِ هذهِ الأُمَّةِ في الكُتبِ المعتمدةِ [1] - : آيةُ التطهيرِ:[إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ] [الأَحْزَاب:33]
روى الإمامُ مُسْلِمٌ في (صحيحهِ) عن أُمِّ المؤْمنينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ : خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم غَدَاةً ، وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُـرَحَّـلٌ مِنْ شَعْرٍ أَسْوَدَ ، فَجَاءَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ فَأَدْخَلَهُ ، ثُمَّ جَـاءَ الحُسَيْنُ فَدَخَـلَ مَعَهُ ، ثُمَّ جَـاءَتْ فَاطِمَـةُ فَأَدْخَلَهَا ، ثُمَّ جَـاءَ عَلِيٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ قَالَ : (إِنَّمَـا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا).والمرط كساء من صوف أيْ : أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَرأَ هذه الآيةَ عليهم لاَ أنّها نزَلتْ فيهم خاصةً . قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ:مضمون هذا الحديثِ:أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم دعَا اللهَ لَهم بأنْ يُذْهِبَ عَنهمُ الرِّجْسَ وَيُطَهِّرَهُمْ تَطْهِيرًا،وغاية ذلك أنْ يكونَ دعَا لَهم بأنْ يكونوا مِنَ المُتَّقِينَ الذين أذْهَبَ اللهُ عَنهمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ،واجْتِنَابُ الرِّجْسِ واجِبٌ على المؤمنينَ،والطَّهَارَةُ مأْمورٌ بها كُلُّ مؤمنٍ).منهاج السنة 5/14 ·
أولاً : هذه الآيةُ ـ وهي تُسَمَّى آيةُ التَّطهيرِ ـ إنّمـا نزلتْ في نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم كمـا قال اللهُ سبحانه وتعالى: [ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفًا - وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلاَ تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاَةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا - وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا ] [الأَحْزَاب : 32 - 34] ، فالذي يُراعي سياقَ هذه الآياتِ يُوقِنُ أنّها في نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم خاصةً .
وأما قوله تعالى:[لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ]ولم يَقُلْ:(عَنْكُنَّ)وقولِه سبحانه وتعالى:[ وَيُطَهِّرَكُمْ]ولم يَقُلْ: (وَيُطَهِّرَكُنَّ)،لأنَّ النِّسَاءِ دخلَ مَعهنَّ النَّبِيُّ (وهو رأسُ أهلِ بيتهِ)،ولهذا نظائرُ في كتابِ الله تعالى منها : - ما جاءَ عن زَوْجةِ إبراهيمَ صلى الله عليه وسلم:[ قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْـمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَـمِيدٌ مَجِيدٌ ][هُود:73]،والمرادُ هنا بأَهْلِ الْبَيْتِ:(إبراهيمُ وزوجتهُ) . - قول الله سبحانه وتعالى عن مُوسَى صلى الله عليه وسلم:[ فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا ][القَصَص:29]،وكانتْ معه زوجتُهُ. وإنّما كان (عَلِيٌّ وفَاطِمَةُ والحَسَنُ والحُسَيْنُ رَضِيَ اللهُ عنهم) مِن أهلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم بدليلِ حديثِ الكِسَاءِ ، لا بدليلِ الآيةِ وذلك لما أدخلَهُمُ تحتَ الكساءِ وقرأَ : [إِنَّمَـا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا]. ثُمَّ إنَّ قولَه سبحانه وتعالى:[إِنَّمَـا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا] ليست آيةً مُستقِلَّةً ، بل هو جُزْءٌ مِن آيةٍ تتكلَّمُ عن نساءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وتبِعتْها آيةٌ تتكلَّمُ كذلك عنهنَّ . وهذا واضِحٌ جدًا لِـمَـن تأمَّلَ هذه الآيةَ وقرأها قراءةً مُتأنِّيَةُ بتجرُّدٍ وإنصافٍ . · ثَانيا : إنَّ مفهومَ أهل بيت النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم يتعدَّى زوجاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، ويتعدى عَلِيًّا والحَسَنَ والحُسَيْنَ وفَاطِمَةَ إلى غيرهم ، كمـا في حديث زَيْدِ بنِ أَرْقَمَ الذي رواه مُسْلِمٌ في (صحيحهِ) ، وفيه قولُه صلى الله عليه وآله وسلم : أُذَكِّرُكُمُ اللهَ في أَهْلِ بَيْتِي ثلاثًا.وقال زيد :أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ بَعْدَهُ . هُمْ : آلُ عَليٍّ ، وَآلُ عَقِيلٍ ، وَآلُ جَعْفَرٍ ، وَآلُ عَبَّاسٍ . وجـميعُ بني هَاشِمٍ مِنْ آلِ البَيْتِ،وهم كُلُّ مَن حُرِمَ الصَّدَقَةَبدليلِ الحديثِ الذي رواهُ الإمامُ مُسْلِمٌ في(صحيحِه)وفيه:اجْتَمَعَ رَبِيعَةُ بْنُ الْحَارِثِ بن عبد المُطَّلِب وَالْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ،فَقَالاَ:واللهِ لَوْ بَعَثْنَا هَذَيْنِ الْغُلاَمَيْنِ يعنيان عبدالمطلب بن ربيعة والْفَضْلِ بْنِ عَبَّاسٍ إِلَى رَسُولِ الله فَكَلَّمَـاهُ فَأَمَّرَهُـمَـا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ فقال:(إِنَّ الصَّدَقَةَ لاَ تَنْبَغِي لآلِ مُحَمَّدٍ إِنَّمَـا هي أَوْسَاخُ النَّاسِ .)
ثالثا: إنَّ اللهَ تباركَ وتعالى يريدُ إذهابَ الرجسِ عَن كُلِّ مُؤمنٍ ومؤمنةٍ فقال تعالى لنبيِّهِ: [وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ] [المُدَّثِّر : 4] ، وهو أمرٌ للأُمَّةِ ، وقد أمرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم المُسْلِمَ إذا أرادَ أنْ يُصَليَ أنْ يتوضأَ ، وأنْ يَتجنَّبَ أماكنَ الوَسَخِ. · رابعاً : التَّطهيرُ ليس خاصًا بِعَلِيٍّ وفَاطِمَةَ والحَسَنِ والحُسَيْنِ رَضِيَ اللهُ عنهم ، بل واقعٌ لغيرِهم أيضا كمـا قال سبحانه وتعالى : [ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَـهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ] [التَّوْبِة : 103] . وقال سبحانه وتعالى : [ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ] [المَائِدَة : 6] ولقد قال اللهُ سبحانه وتعالى لأهلِ بَدْرٍ : [ إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ ] [الأَنْفَال : 11] ، فإذا كان ذكرَ (التَّطهيرَ) لخمسةٍ من آلِ البيتِ هناك فقد ذكرَ ـ هنا ـ (التَّطهيرَ) للبدريين الثلاثمئة وبضعة عشر ، وعليه : فإن كانت آيةُ (الأَحْزَابِ) تَدُلُّ على عِصْمَةِ (الخمسةِ) كما تقولونَ فمقتضى القياس واطراده يقضي بأنَّ آيةَ (الأَنْفَالِ) تَدُلُّ على عِصْمَةِ (الثلاثمئة وبضعة عشر) وهذه ثُلَّةٌ من أقوالِ السَّلفِ في تفسيرِ قوله سبحانه وتعالى : [إِنَّمَـا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا] : - قال ابنُ كثيرٍ : (عنِ ابنِ عَبَّاسٍ : نزلتْ في نِسَاءِ النَّبِيِّ خاصةً . قال عِكْرِمةُ : (مَنْ شاءَ بَاهَلْتُهُ أنّها نزلتْ في شأنِ نِسَاءِ النَّبِيِّ . (قال ابنُ كثيرٍ) : فإنْ كانَ المُرادُ أنَّهُنَّ كُنَّ سَببَ النُّزولِ دونَ غيرِهنَّ فصحيحٌ . وإنْ أُريدَ أنَّهُنَّ المُرادُ فقط دونَ غيرِهنَّ ففيهِ نَـظَـرٌ فإنّه قد وردتْ أحاديثُ تَدُلُّ على أنَّ المُرادَ أعَمُّ مِنْ ذلكَ) . ثُمَّ ذكرَ ما يَدُلُّ على أنَّ عَلِيًّا ، وفَاطِمَةَ ، والحَسَنَ ، والحُسَيْنَ ، وآلَ عَلِيٍّ ، وآلَ عقيلٍ وآلَ جَعْفَرٍ ، وآلَ العَبَّاسِ مِن آلِ بيتِ النَّبِيِّ. تفسير ابن كثير
[2] - :آيةُ المودة:[قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى][الشُّورَى:23]
جاء في (صحيحِ البُخاريِّ):عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ قَوْلِهِ سبحانه وتعالى:[إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم.فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:(عَجِلْتَ إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم لَـمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلاَّ كَانَ لَهُ فِيهِمْ قَرَابَةٌ فَقَالَ : إِلاَّ أَنْ تَصِلُوا مَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنَ الْقَرَابَةِ) . ويؤكِّدُ هذا أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم لا يسألُ أجرًا أبدًا ، كما قال سبحانه وتعالى : [ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ المُتَكَلِّفِينَ ] [ص : 86] ، وقال سبحانه وتعالى : [ وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ] [يُوسُف : 104] ، وقال سبحانه وتعالى : [قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ ... ] [سَبَأ : 47] ، وهكذا قال مثلَ قولِهِ جميعُ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ ، وهو أكملُهم صلى الله عليه وآله وسلم : قال نُوحٌ عليه السلام:[وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ][الشُّعَرَاء:109] قال هُودٌ عليه السلام:[وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ][الشُّعَرَاء: 127] . قال صَالِحٌ عليه السلام:[وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ] [الشُّعَرَاء : 145]. قال لُوطٌ عليه السلام : [وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ][الشُّعَرَاء : 164] . قال شُعَيْبٌ عليه السلام : [وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ][الشُّعَرَاء: 180]. والنَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أكرمُ الأنبياءِ وأفضَلُهم ، وهو أولَى بأن لا يسألَ أجرًا ، وقولُ الله سبحانه وتعالى : [إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] . معنَى [ إِلاَّ ] هنا : إمّا أن تكونَ استثناءً مُتَّصلاً ، وإما أن تكونَ استثناءً مُنقطِعًا ، أي بمعنَى (لكن) ، فيكون معنَى [إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] أيْ : ولكن وُدُّوني في قرابتي ، أنا قريبٌ منكُم ، دعوني أدعو النَّاسَ . وقد ثبتَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم أنه سألَ قُريشًا أنْ يتركوهُ يدعو إلى الله ، فإنْ ظَهَرَ كانَ لهم هذا ، وإنْ قتلَهُ النَّاسُ فيسْلَمونَ مِن دَمِهِ . ثُمَّ لو كانَ يُريدُ أجرًا لِقرابتِهِ لقالَ : (لذي القُرْبَى) أو (لذوي القُرْبَى) . أما أن يقولَ : (في القُرْبَى) فلا يَصِحُّ . ثُمَّ إنَّ هذه الآيةَ مَكِّيَّةٌ ، وكان عَلِيٌّ وقتَ نزولِها صغيرًا لـمْ يتزوَجْ فَاطِمَةَ ، ومِن ثَمَّ الحسَنُ والحُسَيْنُ لم يولدَا .
قال شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ : (جميعُ ما في القُرآنِ مِنَ التَّوصِيَةِ بحقوقِ ذَوي قُرْبَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وذَوي قُرْبَى الإنسانِ إنّما قيلَ فيها [ ذَوِي الْقُرْبَى ] [البَقَرَة : 177] ولـمْ يقُلْ : (في القُرْبَى) .
ثُمَّ يُقالُ كذلكَ : ليسَ مُناسِبًا لشَأْنِ النُّبُوَّةِ طلبُ الأجْرِ وهو مودَّةُ ذوي قُرْبَاهُ لأنَّ هذا مِن شِيمَةِ طالبي الدّنيا .
ثُمَّ إنَّ هذا القولَ يوجِبُ تُهْمَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم). منهاج السنة 7/101
قال الحافِظُ ابنُ حَجَرٍ في (فتح الباري) (8/564 - 565):(بَابُ قَوْلِهِ:[إِلاَّ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى] ذَكَرَ فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : سُئِلَ عَنْ تَفْسِيرِهَا،فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ:(قُرْبَى آلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم) . فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : (عَجِلْتَ) . أَيْ : أَسْرَعْتَ فِي التَّفْسِيرِ . وهذا الذي جَزَمَ بهِ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ قَدْ جَاءَ عَنْهُ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا ، فَأَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ تفسيريهما مِنْ طَرِيقِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قال : (لمَّا نَزَلَتْ قَالُوا : يَا رَسُولَ الله مَنْ قَرَابَتُكَ الذينَ وَجَبَتْ عَلَيْنَا مَوَدَّتُهُمْ) الحَدِيثَ . وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ فيه قيس بن الربيع وحسين الأشقروكلاهما ضعيف، وَهُوَ سَاقِطٌ لِمُخَالَفَتِهِ هَذَا الحَدِيثَ الصَّحِيحَ. (ثُمَّ قال الحافِظُ) : وَالمَعْنَى : (إِلَّا أَنْ تَوَدُّونِي لِقَرَابَتِي فَتَحْفَظُونِي) . وَالخِطَابُ لِقُرَيْشٍ خَاصَّةً ، و (الْقُرْبَى) : قَرَابَةُ الْعُصُوبَةِ وَالرَّحِمِ ، فَكَأَنَّهُ قال : (احْفَظُونِي لِلْقَرَابَةِ إِنْ لَـمْ تَتَّبِعُونِي لِلنُّبُوَّةِ).
[3] - : آيةُ المباهلةِ : [ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ] [آل عِمْرَانَ : 61] يمكنُ إجمال مناقشتنا لاستدلالكَ بهذه الآيةِ في نقاطٍ : · تاريخ المُبَاهَلَةِ : سنة (10هـ) . · [أَبْنَاءَنَا] : هم الحسَنُ والحُسَيْنُ . وقيلَ : عَلِيٌّ لأنه بمنزلةِ الابْنِ بالنسبةِ لِرَسُولِ اللهِ ، حيثُ تربَّى في بيتهِ وتزوّجُ ابنتَهُ . · [نِسَاءَنَا] : فَاطِمَةُ . · [أَنْفُسَنَا]:النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم لأنّ الرجُلَ يمكن أن يناديَ نفسَهُ ويُخاطبَها،ويدلُّ على ذلكَ أمورٌ : - - لا أحد يساوي رسولَ الله ِصلى الله عليه وآله وسلم ، لا عَلِيٌ ولا غيرُه . - إذا كان المقصود أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم لا بدَّ أنْ يأتيَ بواحدٍ كنفسهِ فهل هذا الأمرُ كذلك مع مَنْ يُبَاهِلُهُ - وقولهُ تعالَى : [ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ] [التَّوْبِة : 128]. - ولعلّكَ أنْ تسألَني : لِـمَ قدَّمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عَلِيًّا ، و فَاطِمَةَ ، و الحسَنَ والحُسَيْنَ فأقولُ مُجيبًا :
1 - لـم يكنْ أحدٌ أقربَ نسبًا إليه منهم .
2 - المباهلةُ إنّما تحصلُ بالأقربينَ لأنَّ النفوسَ تحنو على أقاربِها طبعًا ، وتجنّبُها المهالكِ .
3 - آيةُ المُبَاهَلَةِ كانت سنةَ عشر مع وفدِ نَجْرَانَ،وكان كلُّ أولادِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم قد تُوفُّوا:رُقَيّة 2هـ،زَيْنَب 8هـ،أُمّ كُلثومٍ9هـ،أمّا إبراهيمُ والقاسمُ وعبدُ الله فماتوا صغارًا قبلَ هذه الحادثةِ بكثيرٍ .
4 - لاَ شَكَّ أنَّ فيه نَوعَ فضيلةٍ لهم .
5 - لـم يكنْ مِنْ أقاربِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم موجودًا في ذلك الوقتِ مَنْ له مكانةٌ في الدّينِ مثل عَليٍّ . أما عَمُّهُ العَبَّاسُ فكان موجودًا ولكن لا يُقارنُ بِعَلِيٍّ لأنه ليس منَ السَّابقينَ . وأما بنو عَمِّهِ فليس فيهم مثلُ عَليٍّ إلاَّ جَعفر ، وكان قدِ اُستُشْهِدَ في مُؤْتَةَ .
[4] - : [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ] [النِّسَاء : 59] قال القُرطُبِيُّ : (وأولي الأمرِ : أهلُ القُرآنِ والعلمِ . وقيل : الفُقهاءُ والعُلماءُ . وقيل : أصحابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم خاصة . وقيل : أبو بكرٍ وعُمَرُ . وقيل : أهلُ العَقلِ والرَّأْيِ) ثُمَّ قال : (وأصحُّ هذه الأقوالِ : الأولُ والثّاني) . ثُمَّ استدلَّ لهما وردَّ باقي الأقوالِ . ثُمَّ قال : (وزعمَ قومٌ أنَّ المرادَ بأُولي الأمرِ عَلِيٌّ والأئمّةُ المعصومونَ ، ولو كان كذلكَ ما كان لقولهِ : [ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ ] معنًى ، بل كان يقولُ : (ردوه إلى الإمامِ وأولي الأمر) . وهذا قولٌ مهجورٌ مُخالِفٌ لما عليهِ الجمهورُ .
[5] - : [وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ] [النِّسَاء : 115] قال ابنُ كَثيرٍ : (هذا مُلازِمٌ للصِّفَةِ الأولَى ، ولكن قد تكونُ المُخالَفَةُ لنَصِّ الشَّارِعِ وقد تكونُ لِمَا اجتمعتْ عليهِ الأُمَّةُ المُحَمَّدِيَّةُ فيما عُلِمَ اتِّفاقُهم عليهِ تحقيقًا فإنّهُ قد ضُمِنَتْ لهمُ العِصْمَةُ في اجْتِماعِهم مِنَ الخَطأِ ، تشريفًا لهم وتعظيمًا لِنَبيِّهم) . قال الطَّبريُّ:(يعنِي جلَّ ثناؤهُ بقولِهِ [وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ ]:ومَنْ يُبايِنُ الرَّسُولَ مُحَمَّدًا مُعادِيًا له فيفارقه على العَداوةِ له مِن بعدِ ما تبيَّـنَ له الهُدَى ...[وقوله]:[ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤْمِنِينَ ] يقولُ : ويتّبعْ طريقًا غيرَ طريقِ أهلِ التّصديقِ ويسلكْ منهاجًا غير منهاجِهم ، وذلكَ هو الكُفرُ بالله) . وقال القُرطُبِيُّ : (هي عامّةٌ في كُلِّ مَن خالفَ طريقَ المُسلمينَ ... قال العلماءُ : في قولهِ تعالى [وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ ] دليلٌ على صِحَّةِ القولِ بالإجماعِ) . وقال البَغَويُّ : (طريق المؤمنينَ) . قلتُ : ولا شَكَّ ولا ريبَ أنَّ أئمّةَ أهلِ البيتِ كعَلِيٍّ ، والعَبَّاسِ ، والحَسَنِ ، والحُسَيْنِ ، وابنِ العِبَّاسِ ، وعبدِ الله بنِ جَعْفَرٍ ، وغيرِهم منَ المؤمنينَ الذينَ أمرنا اللهُ تباركَ وتعالَى أنْ نَتَّبِعَ سبيلَهم مع غيرِهم كأبي بكرٍ، وعُمرَ ، وعُثْمَانَ ، وطَلحةَ ، والزَّبيرِ ، وابنِ الزُّبيْرِ ، وابنِ عُمَرَ ، وعَائشةَ وغيرهِم . هذا إذا اتّفقوا ولـم يختلِفوا على أمرٍ ما مِن أمورِ الشَّرعِ ، ولهذا تذكرُ هذه الآيةُ في كُتبِ (علمِ أُصولِ الفقهِ) كدليلٍ على حُجّيّةِ الإجماعِ .
[6] - : [إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ] [الرَّعْد : 7] قال ابنُ كَثيرٍ : (عنِ ابنِ عَبَّاسٍ : أيْ لِكُلِّ قومٍ دَاعٍ . وقال : يقولُ اللهُ تعالَى : أنتَ يا مُحَمَّدٌ مُنْذِرٌ وأنا هَادي كُلَّ قَومٍ . وكذا قال مُجَاهِدٌ وسَعيدٌ والضَّحَّاكُ وغيرُ واحِدٍ . وعن مُجَاهدٍ:[وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ]:أيْ نَبِيٌّ.وعنِ ابنِ عَبَّاسٍ لمَّا نزلتْ:[إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ] قال:وضعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم يدَهُ على صدْرِهِ وقال:(أنا المُنْذِرُ،وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) . وأومأَ بيدِهِ إلى مَنكَبِ عَلِيٍّ فقال : (أنتَ الهادي يا عَلِيٌّ بكَ يهتدي المهتدونَ مِن بعدي) . ولكنه حديثٌ مُنْكَرٌ أخرجه الطبري في تفسيره وفيه الحسن العرني ضعيف جدا وفيه معاذ بن مسلم وهو مجهول
يتبع إن شاء الله

2008/11/24

حزب الله لا يضرب إسرائيل محبة لفلسطين

د.محمد العبدة
ليس السياسي الذي يصف الحدث بعد وقوعه فهذا يتساوى فيه كثير من الناس، ولكنه الذي يتوقع ويستشرف المستقبل من خلال رؤية صحيحة للواقع وربط الماضي بالحاضر.
في أحداث لبنان الأخيرة وما فعله حزب الله من تدمير لبنان، قلنا يومها إن الحزب لا يضرب إسرائيل محبة لفلسطين، ولا من أجل عيون الفلسطينيين، فشيعة العراق هم الذين يقتلون الفلسطينيين ويطردونهم من العراق، مما يذكر بمذابحهم للفلسطينيين في مخيمات لبنان منذ عشرين عاما، ولكنها أجندة إيرانية سورية تريد إرسال رسالة إلى أمريكا يقولون فيها : نحن هنا، وإذا لم نأخذ الحصة الكبيرة من الكعكة في هذه المنطقة، وإذا لم يتم التفاوض معنا لمستقبل المنطقة فإننا نستطيع تخريب البلدان، وخلط الأوراق.
ويومها استغرب البعض هذه اللهجة، وهذا التحليل، واعتبر ذلك تشدداً وأدلجة للأمور، واعتبر أن شيعة لبنان غير شيعة العراق وهو يرى لغة الدبلوماسية والاعتدال إلى آخر هذه السذاجة السياسية .
ولكن الذي تابع ويتابع الأحداث منذ الصيف الفائت سيرى مصداق ما ذكر سابقاً، وأن هناك مخططا صفويا سائرا في طريقه لايهتم باعتدال بالمعتدلين، كما لا يهتم بالبلدان سواء دمرت أم لم تدمر، وعنده استعداد للتعاون مع أمريكا وغير أمريكا كما فعل في أفغانستان والعراق، وما يفعل الآن في العراق من تهجير للسنة من مناطقهم في البصرة وبغداد وكل الجنوب.
ولوضوح المخطط ظهر بعد ذلك من تنبه إلى خطورة ما يجري على الأرض في بلاد الشام، ومحاولة تشييع أهله وبناء الحوزات والحسينيات. ثم جاءت الأحداث التي تجري اليوم في لبنان لتؤكد يقيناً بهذا المخطط. فالحزب الذي يرفع شعار المقاومة تحول إلى هدم الداخل اللبناني، حتى يكتمل المشروع، وحتى لا تتم المحكمة الدولية التي تطال النظام السوري وربما تطال رؤوساً أخرى، وفجأة أصبح شريك الأمس في الحكومة وعميلاً لأمريكا وإسرائيل (والاتهام بالعمالة نغمة معروفة في المنطقة مع الأسف) فإذا كان الحزب يعلم هذا، فلماذا يشارك في هذه الحكومة، أم هي (التقية) ؟. وتحول شعار حكومة وحدة وطنية إلى إسقاط الحكومة ولو أدى إلى حرب أهلية، وتدمير لبنان مرة ثانية.
نزلوا إلى الشارع وقالوا هذه مظاهرة سلمية، ولكنهم عندما لم يجدوا رداَ على هذه المظاهرة افتعلوا أحداث التخريب وتكسير زجاج السيارات حتى يكون هناك رد، وتبدأ حرب أهلية جديدة لا تنتهي. فالمهم هو تحقيق ما يريدون وتريده إيران وسورية، وبهذه المناسبة نقول : إن أمثال هؤلاء في القديم والحديث إذا كانوا أقلية فلا مانع عندهم من تدمير الأوطان، فهي في نهاية الأمر ليست لهم. فإذا جاءتهم فرصة للتنفيس عن حقدهم فلماذا لا يهتبلوها ؟. هكذا فعل القرامطة، وهكذا فعلت ثورة الزنج في البصرة في العصر العباسي الأوسط.
لقد انكشفوا على حقيقتهم والحمد لله، وبدأت بعض الأصوات التي انخدعت بهم تعود إلى رشدها. وقد تكلم العلماء في لبنان كلاما يدل على وعي بالمخاطر ومعرفة بالمخطط، وقد قال أحدهم : لا نريد أن نكون عراقاَ ثانياَ.
يقولون أنهم في مواجهة المشروع الأمريكي. والحقيقة أن أمريكا لن تتخلى عن الشيعة في المنطقة كقوة إقليمية أو كلاعب له حساباته وأطماعه. وفي الوقت نفسه لا تريد أن تكون هناك قوة شيعية كبرى كما تخطط إيران وتسعى له. فليست أمريكا مع السنة وهي تعلم أن السنة هم المحافظون على الأوطان، وهم الذين واجهوا دافعوا الاستعمار. فالسنة بين مشروعين أو بالأصح أمام مشروع واحد وهو تفجير المنطقة فلم يعد هناك شرق أوسط كبير بل شرق أوسط يغرق في المشكلات.
إن الأمر خطير، وخطير جداَ، ولابد أن يتصدى للمشروع الصفوي كل المخلصين، وكل الحريصين على الدين وعلى الأوطان. وقد بدأت الدول العربية تتحسس هذا الخطر وقد حاول الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى إيجاد حل للخروج من هذه الأزمة المستفحلة ولكن بالتأكيد سيرجع خالي الوفاض لأنه سيسمع من أطراف حزب الله ومنظمة أمل كلاما معسولا، وبما انه لا يعرف أساليب الباطنية فقد يصدقهم، ويظن أن الأمور سهلة. ومشكلة بهذا الحجم لا تحل بالوساطات ولكن بالضغط السياسي وتكتل القوى المعارضة للمخطط الإيراني، فربما يتراجعون ويعلمون أن الأمر ليس كما يحلمون وان الساحة ليست خالية.

حزب الله على أي أساس يقاتل

عبد المنعم شفيق
في الحرب العراقية الإيرانية وقف أحد العلماء الإيرانيين على جبهة القتال يذكر المقاتلين باستقبال الحور العين للشهيد حين يسقط على الأرض مضرجاً بدمه، فصرخ فيه أحد الجنود قائلاً: دع الحور العين لك أنت وحدك، أما أنا فحدثني كيف وأين أرى الإمام الحسين!!.
يعلق أحد منظري حزب الله على هذه القصة فيقول: وهذا - أي رؤية الحسين - هو ما يردد الرغبة فيه كل شهداء المقاومة الإسلامية، وما يعربون عن الأمل في الحصول عليه، ويقاتلون في سبيله، ويرونه ثمناً لبذل دمهم وحياتهم!![1] هذه إشارة أولى نلتقطها في البداية.
الإشارة الثانية نلتقطها من حديث ما بعد الحرب الأخيرة على لبنان، ومن أحد كبار مساعدي مرشد الجمهورية الإيرانية علي خامنئي، ورئيس تحرير صحيفة كيهان، وهي الصحيفة اليومية الرسمية في إيران، وهو حسين شريعتمداري في افتتاحية له في مطلع شهر أغسطس 2006م تحمل عنوان [هذه حربنا] حيث يقول: إن حزب الله لا يقاتل من أجل السجناء، ولا من أجل مزارع شبعا، أو حتى القضايا العربية أياً كانت في أي وقت؛ وإنما من أجل إيران في صراعها الحدودي لمنع الولايات المتحدة من إقامة شرق أوسط أمريكي!!.
ثالثة الإشارات أو ثالثة الأثافي جاءت عقب وقف إطلاق [النار] وبعد [صمت أفواه المدافع ] مباشرة، نلتقطها من [الخطاب الساخن] للرئيس السوري بشار الأسد حين قال: إن المعركة الحقيقية ابتدأت الآن، وعلينا أن نحول النصر العسكري إلى نصر سياسي، وقال: إن المقاومة ليست نقيضاً للسلام بل هي والسلام جزء واحد!!
الإشارات الثلاث السابقة ترسم لنا ثلاثة خطوط متوازية تسير في اتجاه واحد إلى هدف واحد، وتكشف في الوقت نفسه وبوضوح شديد معالم الأيدولوجيات والاستراتجيات والتحالفات المستدامة، أو ما يمكن أن نسميه [عقيدة التثليث الجديدة] وأهدافها في المنطقة.

حزب الله.. التوسع بالذبح:
عندما كنت أشاهد ما تبثه نشرات الأخبار عن الحوار الوطني اللبناني، وأشاهد حسن نصر الله على المائدة المستديرة؛ كنت أشعر في ابتسامته بالاستخفاف، وقد علا وجهه الكثير من الريبة، فهاهي المائدة المستديرة تضم أطياف الشأن اللبناني يتناقشون في قضية قضية، ومسألة مسألة، ويتفقون ويتفقون، وكان الرجل يبيّت ما لا يعلمون، وكنت أقطع بأن هذا الحوار سينتهي إلى لا شيء، وعندما ناقشوا نزع سلاح حزب الله كان توقيتاً مناسباً لكي لا تنقلب طاولة الحوار فقط بل ينفجر لبنان بكامله في وجه الجميع.
قد يكون التوقيت مصادفة عند البعض، أما عند أصحاب النظرية التآمرية فإن له دلالات ورسائل لجهات متعددة، ونحن في هذا الحاضر الذي تمخض عنه تحولات ضخمة تؤثر في الحاضر والمستقبل معاً لا ينبغي لنا أن نستدعي [كل] التاريخ، لأن ذلك سيغرقنا فيه، وننسى ما ألم بنا، وما هو في قابل أيامنا، بيد أن التذكير بجزء من [التاريخ القريب] هام لتنشيط الذاكرة التي لم تعد تحتمل مزيداً من المآسي المتلاحقة والمستفحلة، والتي لا ينبغي لها أن تنسى رغم مرارة الآلام.
ففي 14/5/1986م نقلت صحيفة النهار عن محمد حسين فضل الله وهو الأب الروحي لحزب الله، وهو يخاطب جمهور المصلين في مسجد بلدة النبي عثمان قائلاً: وعلينا أن نخطط [للحاضر] و[المستقبل] لنكون [مجتمع حرب]، إن الحرب هذه مفروضة شأن كل الحروب التي يحل خوضها للإماميين، ولا يحل لهم خوض غيرها أ.هـ
والعقيدة الشيعة قائمة كلها على المصائب، واستدعاء المصائب، وتكرار المصائب، والنواح على المصائب، والاحتفال اللامنتهي بالمصائب، والانتقام بالمصائب، ويرون ألا نهاية لمصائبهم إلا بخروج مهديهم الذي ينتقم لها ولهم.
يقول صاحب [دولة حزب الله]: وإذا غدا استمرار الثورة - يقصد الثورة الإيرانية - ودوامها من بعد حدوثها إنجاز الثورة الأعظم؛ وجب تجديد الإعجاز كل يوم، والقيام بالثورة من غير انقطاع ولا تلكؤ، ولا يرتب تجديد الإعجاز حين تتصل الثورة الإسلامية الخمينية بين كربلاء وبين ظهور المهدي إلا إظهار الدلائل على قيام الثورة، وحفظ معناها، والحؤول بين هذا المعنى وبين الاضمحلال والضعف، ولا يتم ذلك إلا [بالإقامة على الحرب وفي الحرب]، وينبغي لهذه الحرب أن تكون الحرب الأخيرة ولو طالت قروناً لأنها تؤذن بتجديد العالم كله، وطي صفحة الزمان. ص 276
إذن نحن لا نستطيع بأي حال ببراءة كانت أو بسذاجة، أو بعاطفة أو تناسٍ أن نقتلع ما يقوم به حزب الله أو حزب الدعوة أو حزب الفضيلة، أو منظمة بدر, أو غيرهم من الأحزاب والمنظمات الشيعية من هذا السياق العقدي القائم على [التوسع بالذبح]، ولذلك لم يكن مستغرباً أبداً ألا يستنكر أو يندد [سيد المقاومة] حسن نصر الله بما يقوم به إخوانه في العراق من [ذبح] مئة ألف سني، و[تعذيب] المعتقلين، و[حرق] المساجد، و[تخريب] البيوت، و[تشتيت] الناس خارج قراهم ومدنهم، كل هذه [المصائب] التي جرها إخوة نصر الله على العراقيين لم تحرك له ساكناً، بل اصطف صفهم، ووصف [سيد المقاومة] المقاومين العراقيين بأن نصفهم صداميون، والنصف الآخر تكفيريون، أليسوا مقاومين لأمريكا وعملاء أمريكا وأذناب أمريكا كما تقاوم أنت أمريكا وعملاء أمريكا وأذناب أمريكا!!
ولا يعقل أن المطالبة بتحرير عميد الأسرى سمير القنطار أهم من حفظ الدم السني المسال في العراق، ولا يعقل كذلك أن من يدافع عن القضية الفلسطينية ويدعم القضية الفلسطينية، ويدندن حول القضية الفلسطينية؛ يترك أهل المخيمات الفلسطينية في العراق يذبحون ويهجرون على أيدي إخوان الطائفة والمرجعية الواحدة!!
وكيف يفسر حسن نصر الله قصر مطالبته بتحرير الأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية، وينسى أن يطالب سوريا وهي الجارة والحليفة أن تفرج عن المعتقلين السياسيين من الإسلاميين والشرفاء؟، كما ينسى أن يطالب إيران ولو بالكف عن سوء معاملة أهل السنة، والسماح لهم ببناء مسجد واحد على الأقل في طهران، كل هذا وغيره يجعلنا نشكك وبقوة في نوايا حزب الله اللبناني وقيادته، ومشروعه وارتباطاته وتحالفاته.

أبعد من الأسرى وأهم من شبعا:
ومن التاريخ القريب أيضاً نستدعي بعض الذكريات التي نسترجع بها علامات التحذير والإشارات الحمراء التي أضيئت في وجوهنا، وأغمضنا أعيينا عنها كي لا نتأذى بها، أو تركناها لتختبئ بين السطور الكثيرة التي لم نعد نقرأها، ومنها:
* في عام 1982 م اعتذر نائب وزير الخارجية الإيراني محمد عزيزي عن ضعف مشاركة القوات الإيرانية في القتال بلبنان بأن الطريق إليه تمر عبر العراق، فلا تصبح قوات إيران حرة تماماً في أن تلعب دوراً فعلياً وجوهرياً في لبنان إلا بعد سقوط النظام العراقي.
* وفي ذكرى أسبوع أحد موظفي السفارة الإيرانية ببيروت [مصطفى توراني] قال الشيخ حسن طراد إمام جمعة مسجد الإمام المهدي بالغبيري: إن إيران ولبنان شعب واحد، وبلد واحد، وكما قال أحد العلماء الأعلام: إننا سندعم لبنان كما ندعم مقاطعاتنا الإيرانية سياسياً وعسكرياً.
وبعد إحياء بعض التحذيرات القديمة التي آمل أن تبقى حية نعود لنقف على امتدادات ذلك التاريخ وتطوره الطبيعي:
يقول هاشمي رفسنجاني الرئيس الإيراني السابق، ورئيس مجمع تشخيص النظام، والرجل القوي في إيران:
تعتقد إيران أن مساعدتها لحزب الله في لبنان [واجب مذهبي وثوري]، وأنها سوف تستمر في دعمه طالما ظلت أراضيه محتلة، أو [مهددة]، وأنها مع تقديرها للمواقف الشجاعة لشعب لبنان وحكومته في دعم جبهة المقاومة أمام محاولات التوسع للنظام الصهيوني تؤكد استمرار دعم إيران للمقاومة الشعبية في لبنان.
ويرتبط حسن نصر الله وأحمدي نجاد بعلاقة صداقة قديمة، فقد تدربا سوية - حسب مصادر أوروبية - في بلد آسيوي على أعمال استخباراتية، ثم عندما أصبح نصر الله أميناً عاماً لحزب الله جاء نجاد إلى لبنان مشرفاً على [مؤسسة الشهداء الإيرانية]، وعندما تم تنصيب نجاد رئيساً لإيران العام الماضي حضر نصر الله مراسم الاحتفال، ثم قفل عائداً إلى لبنان سريعاً بعد ثمانية أيام كاملة في إيران!! ويبدو أن يوماً واحداً لم يكن كافيا للتبريك وتبادل القبلات والأشواق.
ونبقى مع نصر الله أيضاً وفي يوم الجمعة 25- 11- 2005، وفي [حفل] أقيم في ضاحية بيروت الجنوبية بمناسبة [تسلم جثث] ثلاثة مقاتلين من حزب الله قال حسن نصر الله: حقنا الطبيعي أن نأسر جنوداً إسرائيليين، ومن واجبنا أن نفعل ذلك لمبادلتهم بلبنانيين لا يزالون معتقلين في السجون الإسرائيلية، وقال: إن إسرائيل اعتقدت أن 'لبنان تغير, وسوريا خرجت منه، وخروج هذه القوات بحسب فهمها أضعف المقاومة وإرادتها'، وأكد على أنه 'يجب أن يفهم كل العالم أن المقاومة الإسلامية ستواصل الطريق حتى تحقيق الأهداف، وحماية الوطن مهما كانت التضحيات.
وقد وفى نصر الله بوعده كما عهدته جماهير الأمة العربية، وضحى بأكثر من 1300 لبناني، وبضعة وستين مقاتلاً من حزبه البالغ عدده 8000 مقاتل!!
ونحاول هنا فك رموز أو غموض كلام نصر الله حول الحرب الأخيرة، هل تم استدعاؤها من قبل حلفاءه، أم أن كانت مجرد عملية أسر عادية، ولم يكن يتوقع تداعياتها، أو لم يكن يفهم العقلية الصهيونية التي يحاربها منذ عقود!!؟
ففي حواره مع صحيفة السفير اللبنانية بتاريخ 5/9/2006م قال ما نصه: 'أنا كنت واضحاً، وقلت: إن الحرب ليس سببها عملية الأسيرين، الحرب هي قرار أميركي إسرائيلي، ومغطى من أماكن معينة، والحرب مجهزة ويستكمل التجهيز لها و[التوقيت محدد]، وكانت تعتمد على عنصر المفاجأة بشكل أساسي ولها سيناريو، وحتى إن السيناريو الذي طبق ليس هو المقرر.
عندما حصلت عملية الأسيرين وسقط هذا العدد من القتلى استُفز الإسرائيليون، ووجدوا أنفسهم أمام واقع إما أن يتحملوا ما حصل، أو يذهبوا إلى المعركة [المقررة في أوائل الخريف] معلوماتنا أنه بعد التشاور مع الأميركيين في اليوم الأول تقرر الذهاب إلى المعركة التي "كانت معدة للتنفيذ في تشرين"، نحن أفقدناهم عنصر المفاجأة [فرضنا عليهم توقيتاً غير التوقيت الذي أعد له بدقة، وبالتالي حصلت المعركة ونحن مستنفرون ومتهيئون]، وهم ليسوا جاهزين.
الحرب التي كانت ستبدأ في تشرين كانت ستبدأ بشكل مفاجئ جداً، ومن دون أي ذرائع'، ويضيف نصر الله: 'نعم الأسر استغل لتوقيت الحرب، وبرأينا هذا كان من مصلحتنا ومصلحة لبنان، وأنه استعجل حرباً كانت ستحصل بشكل قاطع ولذلك إذا كنت أريد أن استعمل عبارات لا يمكن اجتزاؤها أو اقتطاعها أنا أقول: لم نخطئ التقدير، وكانت حساباتنا دقيقة وصحيحة، وأيضاً لسنا نادمين!! وأنا لم ألق خطاب ندم أو هزيمة، وأعتقد أن هذا قلته أكثر من مرة أن ما حصل في توقيت وقرار العملية وما أدت إليه كان توفيقاً إلهياً ولطفاً إلهياً، [ولو أننا لم نذهب إلى تلك العملية وبقينا غافلين إلى تشرين] لكان لبنان غير لبنان، لذلك أكرر وأقول لسنا نادمين ولم نرتكب أي خطأ، وكانت تقديراتنا صحيحة، وأن ما حصل هو أهم بكثير من التقديرات التي كنا نتحسب لها' أ. هـ
إذن فالكلام الذي جاء بعد وقف إطلاق النار مع تلفزيون الجديد من أنه لم يتوقع أن تؤدي عملية الأسر لما أدت إليه، وأنه لو كان يعلم ولو واحد بالمئة لما خاضها كلام كاذب ومخادع، ولعب بدماء اللبنانيين قبل عقولهم ومشاعرهم.
وانسجاماً وتوافقاً مع كلام حسن نصر الله من [استدعاء الحرب] وجر إسرائيل إليها؛ فقد كانت هناك أحاديث دولية متفرقة حول هذا الاستدعاء.
ففي تاريخ 6 /1 /2006م أي قبل ستة أشهر من اندلاع الحرب المستدعاة كتبت مديرة مكتب جريدة الحياة في نيويورك مقالاً بعنوان: سيناريوات لـ«استدعاء» ضربة عسكرية للبنان وسورية، جاء لينبه إلى إعدادات واستعدادات وسياسات خطيرة كانت تصنع حينذاك، تقول فيه: يتحدثون في الأوساط الدولية عن سيناريوات تدق في عصب القرارات «الوجودية» لكل من النظام في سورية، ولـ«حزب الله»، ويحذرون من عواقب ضرب مدن إسرائيلية عبر الحدود اللبنانية على كامل سورية ولبنان، هذا الكلام ليس عشوائياً وإنما ينطلق من مؤشرات على أرجحية لجوء دمشق إلى إجراءات استدعاء ضربة عسكرية إسرائيلية للبنان وسورية.
وتضيف: أهم حلقة في الإجراءات على الساحة اللبنانية وعبرها هو «حزب الله» الذي يمتلك أدوات تنفيذ الإجراءات أو تعطيلها، لذلك فإن مسؤولية توريط لبنان في قصف أو غزو إسرائيلي له تقع على أكتاف قيادة «حزب الله» التي عليها أن تختار اليوم بين تحصين لبنان ضد الاستخدام والانتقام، وبين التضحية به خدمة لسورية أو لإيران.
القيادتان في هاتين الدولتين قد تجدان أن من مصلحتهما في هذا المنعطف استفزاز إسرائيل عبر «حزب الله»، إما لتحويل الأنظار والضغوط عليهما، أو لحشد العاطفة المعادية لإسرائيل لتخدمهما محلياً وإقليمياً، أي عمليات عبر الحدود اللبنانية - الإسرائيلية يقوم بها «حزب الله» في هذه المرحلة ستعد قراراً مدروساً لاستدعاء قصف لبنان، وأي تشجيع سوري لمثل هذا التطور سيعد رغبة مبيتة لاستفزاز قصف إسرائيلي لسورية أيضاً يؤدي إلى تمكين دمشق من أن تعلن أمام العرب أنها في حال حرب مع إسرائيل، أما إيران فإنها حسب قول علي لاريجاني الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني «وضعت سيناريو للرد» على محاولات إجبارها على التخلي عن تخصيب اليورانيوم، وخططت لـ«جر المنطقة إلى حرب» حسب تعبيره حينذاك، و«هذا تماماً ما تداولته الأوساط الدولية من سيناريو حرب إقليمية لإشعال المنطقة تستدرجها طهران، وتستفزها سورية» بما «يقتضي تفجير العلاقات اللبنانية - اللبنانية الطائفية منها والحزبية، واختلاق مشاكل على الصعيد اللبناني الداخلي».
لو أضفنا الكلام السابق خاصة كلام علي لاريجاني إلى ما صدرته في المقدمة من كلام حسين شريعتمداري حين قال: إن حزب الله لا يقاتل من أجل السجناء، ولا من أجل مزارع شبعا، أو حتى القضايا العربية أياً كانت في أي وقت، وإنما من أجل إيران في صراعها الحدودي لمنع الولايات المتحدة من إقامة شرق أوسط أمريكي!!، وضممنا إليه كذلك كلام الرئيس السوري: إن المعركة الحقيقية ابتدأت الآن، وعلينا أن نحول النصر العسكري إلى نصر سياسي، وقال: إن المقاومة ليست نقيضاً للسلام بل هي والسلام جزء واحد!! ثم راجعنا كلام حسن نصر الله في بداية الحرب حين قال أن [قواعد اللعبة] قد تغيرت، وهي ما يعني وجود [قواعد متفق عليها]، ووجود [اتفاق على اللعب بالمنطقة] لأدركنا بوضوح وجلاء أن ما كان تاريخاً أصبح واقعاً، وأن الواقع صنع في التاريخ، وأن المنطقة الآن توشك أن يكتمل فيها الهلال الشيعي من البحرين حتى لبنان.
وينبغي لنا هنا أن نتساءل: لماذا مقاومة حزب الله غير مستدامة طالما أن هناك عدو ينبغي أن يزول كما هو الحال في فلسطين والعراق؟ الأهم من ذلك أنها لا تأتي إلا متزامنة مع ظروف سياسية، ومع الحاجة إلى أوراق جديدة لفك أزمة أو تحريك جمود في المواقف، ولماذا توقفت [الحرب المفتوحة] التي أعلنها نصر الله فجأة؟ رغم أن الجيش الإسرائيلي ما زال موجوداً في الجنوب، وحصاره البحري والجوي بقي حتى منتصف شهر سبتمبر 2006، وأصبح أقصى ما أراده حزب الله هو قرار دولي لوقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى، أين ما قاله نصر الله [حرب مفتوحة... أردتموها حرباً مفتوحة؟ نحن ذاهبون إلى الحرب المفتوحة، ومستعدون لها... إلى حيفا وإلى ما بعد حيفا]!! ولماذا لم تضرب المنشآت الكيماوية في حيفا؟ ولماذا لم تقصف تل أبيب طالما أنها في مرمى صواريخ حزب الله؟ ثم لماذا يقاتل حزب الله دفاعاً عن مزارع شبعا وهي أرض سورية؟ ولماذا يذبح اللبنانيون من أجل مزرعة جارهم الصغيرة، ويسكت الجار عن كامل الجولان المحتل؟!
وقواعد اللعبة التي ذكرها نصر الله يقصد بها اتفاق التفاهم الذي تم قبل الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب عام 2000م، والذي كان أبرز بنوده ما تم نشره بعد تسريبه في صحيفة شبيجل الألمانية يوم 13/6/2004 م، وكما جاء في نص الوثيقة التي وصلتني نسخة مترجمة لها كانت بنود الاتفاق كما يلي:
المرحلة الأولى من الاتفاق: تشكيل لجنة أمنية من ميليشيا حزب الله وجيش الدفاع الإسرائيلي لوضع خطة ميدانية لترتيب عملية انسحاب جيش الدفاع الإسرائيلي بإشراك بعض الضباط الأمنيين في الجيش اللبناني الذين يختارهم الحزب.
المرحلة الثانية بند [أ] يقوم الجيش الإسرائيلي بسحب قواته كافة من كامل الأراضي اللبنانية، والحزام الأمني إلى الحدود الدولية في مدة لا تتعدى ثلاثة أشهر تحت إشراف ممثل الأمين العام للأمم المتحدة وفقاً للقرارات الدولية المتعلقة بجنوب لبنان، وإنهاء حالة الحرب هناك، كما يقوم جيش الدفاع الإسرائيلي بحل وتفكيك مليشيات جيش لبنان الجنوبي، ولا يشمل الانسحاب مزارع شبعا على أساس أنها أرض سورية مرتبطة أمنياً بهضبة الجولان، وأمن دولة إسرائيل.
فقرة [ب] تقوم ميليشيا حزب الله بتسلم المواقع العسكرية والأمنية من جيش الدفاع الإسرائيلي, وجيش لبنان الجنوبي فوراً بعد إخلائها للحيلولة دون وقوعها بأيدي منظمات فلسطينية أو إرهابية معادية لإسرائيل.
فقرة [ت] يتعهد الجيش الإسرائيلي إطلاق سراح أسرى ميليشيا حزب الله ممن استكمل معهم التحقيق, على أن يتم إطلاق الشيخ عبد الكريم عبيد في مرحلة لاحقة بعد تسوية وضع الطيار الإسرائيلي، وسيقوم الوسطاء الألمان بمعالجة هدا الملف.
فقرة [ج] يتعهد الجيش الإسرائيلي بعدم استهداف أعضاء أو مؤسسات تابعة لهذا الحزب, وأن يسمح للحزب بتحريك أسلحته الثقيلة في المنطقة الحمراء للحفاظ على الأمن والهدوء.
فقرة [د] أن تعمل ميليشيا حزب الله على الانتشار في المنطقة الحمراء كلها {الحزام الأمني} حتى الشريط الحدودي بين لبنان ودولة إسرائيل، وإحلالها مكان ميليشيا جيش لبنان الجنوبي بعد حل الأخرى.
فقرة [و] أن يعمل الحزب على ضمان الأمن في هذه المناطق التي ستصبح تحت سيطرته, وذلك {بمنع المنظمات الإرهابية من إطلاق الصواريخ على شمالي إسرائيل}، ووقف التسلل, واعتقال العناصر التي تهدد أمن حدود إسرائيل الشمالية، وتسليمهم إلى السلطات اللبنانية لمحاكمتهم، كما يتعهد الحزب بمنع الأنشطة العسكرية وغير العسكرية لمنظمات إرهابية فلسطينية أو لبنانية معادية لإسرائيل في المنطقة الحمراء، يتعهد حزب الله بالمساعدة في جمع وتقديم المعلومات عن الطيار الإسرائيلي {كوخاي} الذي اختفى في لبنان أثناء الحرب.
فقرة [هـ] تنسق الحكومة اللبنانية والسورية مع حزب الله على تنفيذ الاتفاق، كما تتعهد إيران بكونها المرجع والمؤثر القوي لحزب الله بضمان الاتفاق، والمساهمة الفعالة في تثبيت الأمن في هذه المنطقة, وتتعهد الحكومة اللبنانية والسورية {بعدم ملاحقة أو محاكمة أعضاء جيش لبنان الجنوبي}، وأن تقدما المساعدة على دمجهم بالمجتمع، وتوفير المساعدة والحماية اللازمة لمن يرغب منهم العودة إلى بيته، وبناء عليه ستقوم كل من إيران وأمريكا بالسعي لحل مشكلة الأموال الإيرانية المجمدة في الولايات المتحدة التي تطالب بها إيران. أ هـ
وبسبب هذه التسريبات [المحرجة جداً] لحزب الله يحاول الحزب الآن في مفاوضاته القادمة مع اليهود التشديد على كتمان الأسرار، فعندما سئل غسان بن جدو حسن نصر الله في مقابلة خاصة مع قناة الجزيرة بتاريخ 12/9/2006م: السؤال المركزي الآن هل حزب الله سيطالب فقط بالأسرى اللبنانيين أم سيطالب بغير اللبنانيين أيضاً؟
أجاب حسن نصر الله: أنا أفضِّل يعني واحدة من مشاكل المفاوضات السابقة أنه رغم أنه نحن حرصنا كثيراً يعني على عدم الدخول في شأن وتفاصيل مفاوضات في الإعلام لكن التسريبات اللي صارت في الطرف الإسرائيلي أدت إلى تعقيد عملية التفاوض، وأنا بأعرف نتيجة مواكبة المفاوضات السابقة أنه أكثر من مرة نتفق على شيء يرجع يتخرب من خلال تسريبه إلى وسائل الإعلام، أنا أفضِّل في هذه المفاوضات وحرصاً على الهدف والهدف معروف على كل حال يعني إحنا هدفنا إنساني بالدرجة الأولى أن نحتفظ في هذه المفاوضات بكل شيء ليبقى في الغرف المغلقة [حتى لا نحرج أنفسنا]، ولا نحرج أحداً، أنا أعرف أن الناس يحبون أن يسمعوا بعض الوعود، وبعض التطمينات، الأمور بخواتيمها، وأنا حتى قلت للإخوان يعني للفريق الذي سيباشر التفاوض من طرفنا قلت لهم: عندما تلتقون بهذا الوسيط أول شرط يجب أن تضعوه هو أن يأخذ التزاماً من الطرف الإسرائيلي بعدم تسريب مجريات التفاوض إلى وسائل الإعلام، وعندما يحصل أي تسريب ستتوقف المفاوضات، وأنا هذا أؤكد عليه، مفاوضات سليمة تؤدي إلى أفضل النتائج هي التي تبقى بعيداً عن الإعلام.
وعندما كان صبحي الطفيلي الأمين العام الأول لحزب الله يردد دائماً أن المقاومة اللبنانية تحولت إلى حامية لحدود إسرائيل الشمالية؛ كان البعض يعد ذلك تصفية لحسابات قديمة بين الرجل والحزب الذي أقيل من رئاسته، ما قاله الطفيلي شهدت به إسرائيل لحزب الله، فقد امتدحت جريدة هآرتس في 6/7/2006 م الأمين العام للحزب بسبب عقلانيته وتحمله للمسؤولية، وأنه حافظ على الهدوء في الجليل الأعلى بشكل أفضل من جيش لبنان الجنوبي، وهو اليوم يتعقل فلا يضرب المنشآت الحيوية لإسرائيل كما صرح بذلك.

حزب الله في المشروع [التمدد] الجديد:
لخص دبلوماسي غربي مناكفات حزب الله في المنطقة بقوله: إن حزب الله هو الباب الذي يمكن لإيران أن تدخل منه إلى منطقة الشرق الأوسط، بمعنى أن إيران لن تتنازل عن هذه الورقة قبل أن تتوصل مع الغرب إلى اتفاق يضمن لها أمنها.
وعقب الانسحاب الإسرائيلي مباشرة من لبنان عام 2000 قال حسن نصر الله: هناك سورية التي لا يستطيع أحد أن يتحدث عن النصر بمعزل عنها، لأنها ومنذ سنة 1982م وقفت إلى جانب المقاومة، وساندتها وحمتها، مساندة سوريا عمل أساسي في هذا النصر، وعندما نتحدث عن النصر يجب أن نتحدث عن الجمهورية الإسلامية في إيران، وهي وقفت منذ 1982م إلى جانب المقاومة، ودعمتها وساندتها وحمتها.[5]
وفي حوار نصر الله مع قناة الجزيرة 21/9/2006م قال: 'الذي يقول أنا مع محور إيراني سوري، أنا لا أستحي من التحالف، وهم يتحالفون ويستحون بتحالفاتهم، أنا على رأس السطح أقول أنا صديق لسوريا، وحليف لسوريا، وأتعاون مع سوريا، ويوجد أمور مشتركة بيننا وبينهم، أي نعم بيهمنا سوريا وإيران أصدقاؤنا وحلفاؤنا وأحباؤنا وأعزاؤنا، ونعتز بهم ونفتخر مش خجولين '.
ولكن يبدو أن نصر الله خجل جداً عندما اعتذر عن تلبية الدعوة لزيارة السعودية قبل الحرب، بل بكل شجاعة قال أنه الحزب الوحيد في لبنان المستقل عن أي محور أو دولة!!، فقال في حديثه مع صحيفة السفير 5/9/2006م 'أنا فهمت في المقابل أن بعض المسؤولين في المملكة يعتقدون أن ما يحول دون تلبيتي للزيارة توصيات إيرانية وسورية، هذا غير صحيح نهائياً [على كل حال سوف تأتي الأيام، وتثبت أن أكبر حركة سياسية استقلالية في لبنان عن أي محور أو دولة هي حزب الله].
وهذا الكلام بطبيعة الحال ينافي تماماً مع المسلمات المعلومة عن الحزب بالضرورة والواقع، ولهذا وعقب هذه العبارة مباشرة أفاق الرجل من غفلته أو غلطته وقال مصححاً: 'ولو لكن أريد أن أصحح الاستنتاج الخطأ لدى بعض المسؤولين في المملكة وأقول لهم أنه [عندما عرف الإيرانيون والسوريون بوجود الدعوة بادروا إلى تشجيعي على تلبيتها!!]، وقالوا أن ذلك من شأنه تطوير العلاقات أكثر مع المملكة، وذلك على عكس ما يظن بعض المسؤولين السعوديين'.
وقد كان لافتاً جداً وفجاً جداً وسريعاً جداً تصريحات القيادتين السورية والإيرانية عقب إعلان الانتصار على العدو الصهيوني!! ولم يتركوا [سيد المقاومة] يعرب عن فرحته بالانتصار أولاً، بل جعلوه يعتذر ويأسف لكل ما حدث للبنان.
ففي الوقت الذي شن فيه الرئيس بشار الأسد هجوماً عنيفاً على كل ما هو عربي، وعلى أنصاف الرجال، وأنصاف المواقف والمصنوعين إسرائيلياً، قال: [إن المقاومة ليست نقيضاً للسلام بل هي والسلام جزء واحد!!]، وقد ذكرني هذا الخطاب بموقف الرئيس أنور السادات بعد حرب [التحريك] أكتوبر 1973م في خطاب الانتصار أيضاً حين قال: إن أيدينا ممدودة للسلام!!
وعلى الجانب الإيراني فقد صرح رئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإيراني 'اللواء فيروز آبادي' أن إيران لن تدخل الحرب الدائرة في لبنان بين إسرائيل وحزب الله، وقد لاقى ذلك التصريح ارتياحاً إسرائيلياً بالغاً حسب ما ذكرته صحيفة هآرتس ونشرت ترجمته الصحافة الإيرانية.
كما صرح وزير الدفاع الإيراني اللواء مصطفى محمد نجار في كلمة في مدينة همدان: إن الجمهورية الإسلامية تعمل على استقرار الأمن، وترسيخ الصلح والمحبة بين دول المنطقة!! ثم تلا هذه التصريحات الودودة جداً والمحبة للسلام ما كان أكثر منها وداً أو بالأحرى طلباً للود والتي جاءت من الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أثناء افتتاحه لمنشأة أراك لإنتاج الماء الثقيل، والتي قال فيها: إن إيران لا تمثل تهديداً للدول الأجنبية ولا حتى لإسرائيل!!
ثم تلا ذلك زيارة الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي لواشنطن، وإلقاؤه كلمة في أحدى كنائسها عن السلام، وحوار الأديان، وتبشيره الغرب بأن منفذي هجمات 11 سبتمبر لن يدخلوا الجنة!!، وهو بذلك يكون أول مسئول إيراني رفيع المستوى يزور واشنطن منذ قيام الثورة الإيرانية.
كل هذه التحركات والتصريحات تصب في خانة واحدة، وفي اتجاه واحد، ولصالح مشروع واحد، وهو مشروع من يشكل صورة المنطقة، ويسيطر عليها في المرحلة القادمة.
وقد كان [استدعاء الحرب] من قبل سوريا وإيران، وإحراق لبنان؛ يهدف إلى إيصال عدد من الرسائل الملوثة بالدم والمعطرة برائحة الموت إلى عدد من الأطراف في المنطقة والفاعلة فيها، ومن هذه الرسائل:
أولاً على الجانب السوري:
أن دمشق بعد الانسحاب المهين من لبنان بقرار دولي، والحديث عن أن سوريا أو حلفاءها في لبنان لم يعد لا لها ولا لهم أي تأثير في الشأن اللبناني؛ أرادت أن تثبت للجميع لبنانياً وعربياً وإسرائيلياً ودولياً أنها ما زالت ممسكة بأهم أوراق اللعبة في لبنان، وأن بيدها تحريك أدواتها في لبنان متى شاءت، وأنها تستطيع أن تجر على لبنان ما هو أكثر من سجالات أو فتنة سياسية، ومناطحات حزبية بين مُواليها ومعارضيها، وهذه كانت رسالة موجهة إلى الداخل اللبناني في المقام الأول.
الرسالة السورية الثانية كانت موجهة إلى الجانب الإسرائيلي والتي جاءت واضحة في شقها الأول بأن سوريا ما زال لديها القدرة على إزعاج إسرائيل بشكل يهدد أمنها ومواطنيها ومستوطناتها، وذلك بتوجيه الأوامر لحزب الله بافتعال أزمات متكررة تبقي الصداع الإسرائيلي مستمراً، كما أن السلاح الإيراني سيظل يتدفق على حزب الله عبر الحدود السورية، وقد فهمت إسرائيل هذه الرسالة، فلم توقف الحرب حتى دكت أغلب البنى التحتية العسكرية والتعليمية والصحية والمؤسسية لحزب الله، حتى أنها لم تترك بيت حسن نصر الله ومقره العام.
الشق الثاني من الرسالة السورية الموجهة لإسرائيل ومن خلفها الولايات المتحدة أنه وبرغم أنها قادرة على إزعاج إسرائيل عبر لبنان إلا أنها لا تريد حرباً حقيقية مع إسرائيل، كما أن إسرائيل لا تريد هذه الحرب، وقد لوحظ أنه لم تسجل في الحرب الأخيرة سوى غارة إسرائيلية واحدة على الحدود السورية، وقد سارعت الدولتان السورية والإسرائيلية لنفي حدوث ذلك، وأعاد السوريون نفيهم بوقوع أي غارة إسرائيلية داخل أراضيهم، وكانت الرسالة تتضمن أن سوريا بيدها لجم حزب الله إذا أرادت، وقد مدت سوريا يدها بالسلام عبر [الحرب بالوكالة]، فينبغي لمفاوضات السلام أن تعود بعد أن انقطعت، ولكن مع تغير في قواعد اللعبة فرضته الحرب الأخيرة، ولذلك فقد كان استخدام سوريا لحزب الله هو لتحسين ظروفها التفاوضية مع الإسرائيليين، وتحسين ظروف تفاوض حليفتها إيران مع الولايات المتحدة كما سيأتي.
الرسالة السورية الثالثة كانت موجهة للدول العربية بشكل مباشر وصريح بأن سوريا قد حسمت تأرجحها بين قوميتها العربية وتحالفاتها الطائفية الاستراتيجية، وأن نصيبها من كعكة السيطرة القادمة على المنطقة مضمون بالانضواء تحت العمائم السوداء، فهم سادة المنطقة الجدد، وستكون الجسر الذي تكمل به إيران طريقها من البحر الأسود إلى البحر المتوسط.
ثانياً: على الجانب الإيراني:
أرادت إيران في رسالتها الأولى من هذه الحرب أن تقول للشعوب العربية والإسلامية أنها ما زالت العدو الوحيد الذي يواجه الاستكبار الصهيوني في المنطقة، رغم أنها حرب خاضها بعض صنائعها على بعد مئات الأميال عن أراضيها.
الرسالة الثانية كانت موجهة مباشرة إلى إسرائيل، فالصواريخ التي استخدمها حزب الله وأصابت أهدافاً إسرائيلية بدقة قالت إيران من خلال ذلك أنها غير مضطرة لاستخدام صواريخها بعيدة المدى للهجوم على إسرائيل، وأن الجنوب اللبناني أقرب بكثير لتل أبيب من طهران وهمدان.
ومما وجه لإسرائيل والولايات معاً أن إيران يمكنها في ظل التراجع الكبير للدور العربي في القضية الفلسطينية أن تلعب دوراً فاعلاً في [حل نهائي] حال الاتفاق معها.
كانت الدول الغربية واعية لأهداف حرب الوكالة لحزب الله، فقد قالت كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية إنها ترى النزاع في لبنان كأنه حرب أوسع حول من يفرض أجندة الشرق الأوسط الجديد، وعلى خطى هذا الفهم تحدث توني بلير رئيس الوزراء البريطاني عن وجود «قنطرة من عدم الاستقرار» تمتد من شمالي أفريقيا إلى المحيط الهندي، ووصف الحرب في لبنان بأنها جزء من نزاع بين الديمقراطيات الغربية، والإسلام المتطرف.
لكن اللافت للنظر أنه لم تكن هناك اتهامات غربية واضحة لإيران بوقوفها وراء هذه الحرب، بل جاءت اتهامات إسرائيلية تحدثت عن وجود جثث لقتلى من الحرس الثوري الإيراني بين قتلى حزب الله، ولكن الولايات المتحدة نفت ذلك؛ فقد نشرت صحيفة 'نيويورك تايمز' الصادرة في الثالث من أغسطس الماضي تقريراً استخبارياً أمريكياً يؤكد عدم وجود مثل هذا التدخل!!
الرسالة الإيرانية الثالثة جاءت لا لترد على الآراء الغربية بل لتتوافق معها وحرفياً، فقد جاء على لسان علي أكبر ولايتي مستشار [المرشد الأعلى] حالياً، ووزير الخارجية الإيرانية لمدة 16 عاماً ما نصه: إنه بإطاحة نظام طالبان في كابل ودكتاتورية البعث في بغداد خلقت الولايات المتحدة فرصة تاريخية لإعادة صياغة الشرق الأوسط، ومع رحيل طالبان وصدام حسين تشعر إيران بالأمان على حدودها، ويمكنها أن تنتقل إلى الهجوم سعياً لتحقيق طموحاتها الإقليمية.
وسبقه في إيضاح الطموح والسعي الإيراني لتنفيذ مشروعها التوسعي الكبير مستشار [المرشد الأعلى] أيضاً حسين شريعتمداري، وفي افتتاحيته التي اقتبست منها آنفاً، حيث يقول: إنه بسقوط الشيوعية فإن مهمة تحدي الغرب «الكافر» تحت زعامة الولايات المتحدة في تحديد الأجندة العالمية قد انتقلت إلى الجمهورية الإسلامية وأيديولوجيتها الخمينية.
كما أكد أيضاً في حوار أجرته معه مجلة نيوزويك الأمريكية؛ أن إيران تلعب دوراً محورياً في بناء نظام الشرق الأوسط الجديد، ومفاد هذه الرسالة للولايات المتحدة أولاً إن ما أرادت أمريكا تحقيقه في أفغانستان والعراق ما كان ليحدث لولا التفاهمات والمساعدات الميدانية الإيرانية، وما تزال طهران تمسك بزمام الورقة العراقية، وإن أرادت إزعاج الولايات المتحدة فيكفيها أن يتراجع السيستاني عن فتواه بتحريم قتال الأمريكان!!، كما يمكن استمرار حزب الله في المناوشات على الحدود مع إسرائيل، ولذلك: فعلى الولايات المتحدة أن تتفاهم وتتعامل مع إيران كشريك أساسي في رسم الشرق الأوسط الجديد على أنها القوة الإقليمية الرئيسية في المنطقة.
وإيران مع ذلك غير مستعجلة للتفاهم السريع مع الغرب، فهو يعني تقديم تنازلات قد تكون كبيرة، والقيادة الإيرانية تراهن فيما تراهن على انتظار مغادرة الرئيس الأمريكي البيت الأبيض، وانسحاب عسكري أمريكي من المنطقة، مما يخولها وحلفاءها الاستفراد بالمنطقة، كما أن إيران تسير بخطى منتظمة نحو امتلاك السلاح النووي، ولو أضيف السلاح النووي إلى السلاح النفطي الذي تملكه لكان الناتج يساوي دولة عظمى.

مستقبل حزب الله:
هتفت جماهيرنا العربية بحياة جمال عبد الناصر بعد [نكسة] 1967م، ولم يرتضوا عنه بديلاً حين تنحى عن الحكم، وفي لبنان شاهد حسن نصر الله حجم التدمير والحقد الصهيوني في الأيام الأولى للحرب، ورغم ذلك أصر على الاستمرار حتى تأتيه أوامر التوقف، ثم جاء يهزأ من الجميع ويقول: لو كنا نعلم أن خطف الجنديين سيؤدي إلى ما حدث ولو واحد في المئة لما أقدمنا عليه، ورغم [الاعتذار] والقتل والتشريد، والتهجير والتخريب؛ خرجت الأمة تغني للانتصار المجيد!!
وبعد [مراوغة الاعتذار] المفضوحة فتح ملف مستقبل حزب الله، ومما لا شك فيه أن بقاء حزب الله مرتبط بتنفيذ دوره المناط به من قبل سوريا وإيران، وحتى الآن لم يتحقق لكلا البلدين ما سعيا للوصول إليه بأداة حزب الله، ومما لا شك فيه أن الموقف الإيراني يزداد قوة، وهذه القوة ستلقي بظلالها على حزب الله، وسوريا خرجت جريحة من لبنان، ولا يوجد لها حلفاء في لبنان بقوة حزب الله، وتصفية هذا الحزب يعني النهاية التامة للدور السوري في لبنان، وهو ما لا تريده دمشق.
كما أن الحزب يعد أنجح الأذرع الإيرانية في المنطقة، وقدم خدمات جليلة للطائفة الشيعية بأسرها، وكانت تجربته جديرة بالاستنساخ في دول أخرى تسعى إيران لغرس مخالبها فيها، وللحزب حضور إعلامي قوي بين جماهير المسلمين، وهو تأثير بالغ الخطورة حيث تلوثت مفاهيم كثيرة ليس للعوام فحسب بل لدعاة ومثقفين، وهذا التأثير مطلب شيعي لنشر المذهب.
مما سبق يجعلني أقول: إنه من الصعب التضحية به أو ذبحه كما يقال على الأقل في المدى القريب، فأبعاد العلاقة بين حزب الله وإيران تختلف كلية عن شيعة الأهواز العرب، أو بعض العشائر الشيعية العربية في العراق، أو شيعة أذربيجان الأتراك، لكن سيكون على الجانب الآخر خصوم وأعداء ومناهضو المشروع الإيراني وذراعه اللبناني الذين يدركون أبعاد المشروع التوسعي ودور حزب الله فيه، ولن يتوقفوا عن محاولات وضع العصي في عجلات هذا المشروع لإيقافه أو تفجيره.

حقيقة حزب الله الشيعي


لقد استطاع الشيعة فى لبنان المتمثلين فى حزب الله ،وحركة أمل الشيعية أن يدخلوا قلوب عوام الناس فى العالم الاسلامى الذين لا يعرفون حقيقتهم ،وحصل الخلط واللبس حتى لكثير من طلاب العلم والدعاة ،اذ لم يطلعوا على تاريخ هذا الحزب الملطخ بدماء أهل السنة فى لبنان وغيرها ،وحتى يتوضح الدور الذى قام به هذا الحزب ،ومعرفة جذوره ننشر فى هذا المنتدى المبارك هذه الحقائق من أحد المتابعين لها ،والذين عاشروا هذا الحزب وتتبعوا خطواته.

أنه [الاستاذ :عبد المنعم شفيق]،وأسأل الله تعالى أن يكون هذا الجهد فى سبيل رفع راية أهل السنة والجماعة فى كل مكان وحين ،ضد أولئك الذين جعلوا من أعراض أمهات المؤمنين، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [رضى الله عنهم اجمعين] جعلوا منهم غرضا يرمونه بكل شنيع وقبيح [قاتلهم الله أنى يؤفكون].

والان نبدأ بذكر فصول البحث الهام

المديح" الإعلامي الضخم كان سبباً في رسم صورة خيالية عن حزب الله كـيـف ولمـاذا تـم "التحول" من "الانتظار" إلى قوافل "الثوار"؟.

"الـوهـابـيــــون رجس من عمل الشيطان، سننتقم من الوهابيين، لن تمر هذه الجريمة دون عقاب كانت هــذه عبارات مكتوبة ومحمولة على لافتات في تظاهرة أخرجها "حزب الله" في الجنوب اللبنانـي عـقـب اتفاق الطائف الذي كان من أسباب وقف الحرب الأهلية التي كانت تدور في لبنان.

في المظاهرات تخرج الكلمات دائماً من القلب، منطوقة أو مكتوبة.

عـلـى جـانب آخر كانت هناك كلمات أخرى خرجت من القلب كذلك ترسم صورة أخرى مغايرة.

فـيـقـول أخو العشيرة عن الحزب: إنهم صفوة الصفوة، وطليعة الأمة، ومرشدوها، وباعثو ديـنـهــــا وحـضــارتها ومجدهــــا، ومعلموهــــا، ورساليوها، و"أنبياؤها"

إن المقاومة الإسلامية في لبنان تـمـثــل لـنــــا ضوءاً باهراً في الأفق المعتم، وصوتاً جسوراً وسط معزوفة الانكسار، وقامة سامقة تصاغر إلـى جوارها دعاة الانبطاح والهرولة، إنهم يدافعون ـ بهذا الدور البطولي الذي يقومون به ـ عن شرف الأمة العربية وعن الأمل في أعماق كل واحد فينا، إنهم يرفعون رؤوسنا عالياً ويرصِّعون جبين أمتنا

إن حزب الله يقوم بدور رائد في إيقاظ الأمة وتقديم الدليل على قدرتها لصد العدوان.

فالمقاومة الإسلامية لحزب الله واحــدة مـــن أبــرز مـعـالم نهـضــة الأمة وأكبر دليل على حيويتها.

لماذا حظيت المقاومة الإسلامية في لبنان بهذا القدر الهائل من التضامن الشعبي العربي والإسلامي؛ بل من كل المستضعفين في العالم؟ وهل يتحول الطرح السياسي والحضاري لتلك المقاومة إلى أيديولوجية للمحرومين في كل مكان في العالم في مواجهة النمط الحضاري والقيمي الغربي الذي يهدد العالم بأسره؟ لماذا نجحت المقاومة اللبنانية في أن تصبح طليعة لكل قوى التحرر العربي على اختلاف مشاربها الدينية والطائفية والسياسية والطبقية؟! وبصيغة أخرى: لماذا نجحت المقاومة اللبنانية في الخروج من مأزق الطائفية الضيق إلى رمز للتحرر لكل إنسان مسلماً كـان أم مسيحياً عربياً أم عالمياً، أبيض أو أسود؟ لماذا كانت المقاومة ـ وحزب الله بالتحديد ـ هي الجزء الحـي في النسيج العربي الذي اهترأت الكثير من أجزائه وأطره الفكرية والتنظيمية؟

صورتان متناقضتان تثيران أسئلة كثيرة عن قصة الحقيقة، ولا يُخفي بعض الناس شدة الحيرة التي تنتابه مع هذه الصور المتباينة الشديدة التنافر؛ فبين مُسلَّمات عقدية راسخة، وأصول مستقرة، وبين واقع ضاغط على الفكر والشعور، تضطرب الرؤى وتحار العقول.

وحـزب الله فـي لبنان جزء من قصة طويلة وصراع مرير، والحديث عنه وعن حقيقته وأهدافه أمر ضروري في وقـت بدأ فيه تحول كبير في دور الحزب، بعد أن تحقق جزء كبير من أهدافه،وكذلك في وقت بدأت فيه "عودة الروح" لمسار السلام السوري واللبناني،والذي يمثل "حـزب الله" ورقة تفاوضية هامة فيه؛ بيد أن المسألة متشعبة شديدة التعقيد فرضتها عوامل شتى؛ لذا كان من المهم استعراض التفاصيل وتفاصيلها.


لبنان أي أرض أي دولة؟

لبنان، لن نذهب في التاريخ بعيداً، وإنما سنذكر صورة منه، أو نتيجة لصراعه وأحواله في فـقـد قامت الدولة اللبنانية على ركيزة أساسية هي "الطائفية"، وولد الاستقلال والميثاق في أحضـانـهــا، وورث الاستقلال نهجاً يجسد التفسخ الوطني في إطار علاقات سياسية تعمل على إبقاء هذا الأمر واستمراريته.

هذا النهج السـيـاسـي وقـف عائـقــــاً أمام تطوير الواقع الطائفي ومحاولة تجاوزه، وحمل الاستقلال معه كل أمراض التخلف والتـعـصـب والـتـفـرقــة؛ لأن أبـطــاله لم يعملوا على استئصال الرواسب وإقامة الوطن على قاعدة الانتماء إليه؛ بل اكتفوا بوحـدتـهــم الفوقية وتركوا التشتت الطائفي في القاعدة؛ فقام لبنان على قاعدة تعدد الطوائف المتعايـشـة على أرض واحدة تقتسم المغانم فيما بينها.

إن الاســتـقــلال والدستور قد قاما على ركيزتين أساسيتين هما. تجميع الطوائف وتجميع المناطق؛ وشتان ما بين التجميع والانصهار. لقد استبدلت الوحدة الوطنية ـ كما هو الحال في الدول الأخرى ـ بوحدة الطوائف المتعايشة، ورعت دولة الاستقلال المؤسسات الطائفية لتوسع نشاطاتها ولتزيد من انقسام المواطنين.

ففي الحقل الـتـربـوي بقي لكل طائفة مؤسساتها التربوية لتلقن المواطنين ثقافات مختلفة، وعلى الصعيد التنـظـيمي السياسي صار لبعض الطوائف مجالس مِلّية تحولت إلى مؤسسات سياسية تسهم في السلطة بدرجة أو بأخرى.

وعلى الصعيد السكاني بقـيـت المـدن الكبرى ذات طابَع طائفي؛ وعلى الرغم من احتوائها على اختلاط سكاني من مختلف الـطـوائـف إلا أنـهـــــا تمتعت بغالبية سكانية من طائفة معينة، أو تضمنت أحياء سكانية لكل طائفة، أو لكل مذهـب حي يجـمــــع أبناء المذهب نفسه، وهذا الأمر قد سهَّل فيما بعد الانقسام الجغرافي؛ حيث هجَّرت كل منطقة الأقليات الـمـوجـــودة فيها من الطوائف الأخرى؛ مما جعل السلطة عبارة عن حكم بين مخـتـلـف الأطراف "الـطـــوائـف" لا سـلـطــة دولة بيدها المبادرة والقرار الذي تستطيع فرضه على الجميع.

فـي لـبـنـان ازدواجـيــة سلطـوية. قامت سلطة الدولة وتساكنت جنباً إلى جنب مع سلطة الطائفـة، وكثيراً ما أذعـنـت سلطة الدولة إلى سلطة الطائفة البارعة في توظيف التمايزات الدينية لأغراض سياسية.

والـطـائفة هنا تلعب دور الحزب السياسي المُدافِع عن مصالح الأفراد، وتحل مشكلة انتماء الـفـرد طـالـمـــــا أنه لا توجد أطر أخرى أكثر فعالية لتنظيم حياته وضمان توازنه المادي والنفسي، وهـكــذا يندفع الفرد إلى أحضان الطائفة؛ فالتخلي عنها يبدو كأنه ضياع لآلية التضامن الأســـــــري والعائلي إذا لم يسنده ظهور مؤسسات تضامن جماعي نقابي ومدني أعلى، كما يعني العزلة للأفراد، ويعني الاغتراب النفسي والاجتماعي كذلك.

لقد عجزت الدولة اللبنانية عن بناء الإطار الفكري والسياسي والإداري والاقتصادي الذي يوحد الأمة ويبني إجـمـاعــــاً؛ إنها لم تمتلك رسالة اجتماعية تسمح لها بأن تكون دولة الأمة لا دولة الجماعات وبدلاً مــــن أن ترتفــــع باعتبارها مؤسسة سياسية وسلطة . فوق التمايزات والتناقضات انخرطت هي نفسها بفـعـل طـبـيـعـة بنيتها وتركيبتها العصبية في التناقضات التي أخذت تمزقها، أو بالأحرى تبرز تمزقها الـداخـلـي المستور بأيديولوجيا الوفاق والتعايش.

لقد اعترفت الدولة القانونية في لبنان بتعدد القوى السياسية، ومنحتها حق التنافس الحر حـتـى بـلــغ حد الفوضى المسلحة؛ فالتدريب والتسلح غير المشروع، وقيادة الجيوش غير النظامية، وتـخــــريج دفعات من الميليشيات اللبنانية كان يتم في احتفالات علنية تنقلها الصحف اليومية تحت سمع الدولة وبصرها.

إن نشوب الحرب بهذه الضراوة والشراسة، وقدرتها على الاستمرار لأعوام طويلة ما كان يمكنها لولا وجود ميليشيات قد أنشئت أصلاً لأن لها دوراً يُنتظر أن تلعبه.

وإثر الاعتداءات الإســـرائيلية المتكررة على الفلسطينيين داخل الأراضي اللبنانية منحتهم الدولة حق الدفاع عن أنفـسـهــــم ضد الاعتداءات الخارجية عليهم بدلاً من أن تكون هي المسؤولة عن حماية كل من يقطــن داخل حدودها سواء بالطرق السلمية أو بالقوة؛ فالدولة عادة ـ كل دولة ـ تقدم نفسها مركز استقطابٍ وحيد لممارسة العنف القانوني في المجتمع؛ فعنف الدولة له أساليبه . أي قانونيته . لكن الدولة اللـبـنانية بتركيبتها الضعيفة سلطوياً قد سمحت لنباتات العنف اللاشـرعـي ـ أي الـخــــــارج عن إطار الدولة ـ أن تنمو على جوانبها، ومهدت للاحتراب بين اللبنانيين عندما وقـفـــــت شاهد زور من استعداداتهم للحرب، وهي بتركيبتها الطائفية الحساسة لم تستطع التعامل مع القضية الفلسطينية كما تعاملت معها سائر الدول العربية، فمهّدت بذلك لحرب الآخرين على الأرض اللبنانية.

حتى الأحزاب التي تؤكد أنها غير طائفية من حيث المبدأ والغاية، وتلك التي ترفع شعار العلمنة والديموقراطية والمساواة لا تفلت من فخ الطائفية إلا قـلـيــلاً. والظاهرة البارزة التي نشأت في ظل الحرب هي تعدد الأحزاب والمنظمات والحركات بشـكــل لم يسبق له مثيل. والـلافـت للـنـظــر أن إمعان الأحزاب والمنظمات في تحديد هويتها الطائفية ربـمــــا كــان لاستقطاب أكبر عدد من الأتباع أو لإبراز خصوصيتها.

وفي جميع الأحــــوال انـخـرطــت تلك الأحزاب في لعبة الطائفية نفسها التي استخدمها الإقطاع السياسي لإحكام سيطرته وتثبيت مواقعه. أما الأحزاب العلمانية فإن كلاً منها قد اتخذ صبغة القــطاع الطائفــي الكانتون الذي يـوجد داخل حـدوده.

وحددت الأحزاب والميليشيات مناطق نفوذ لها، وأخذت تثبت مواقعها داخلها؛ واعتباراً من عام 1984م أخذت الخطوط الفاصلة بين مناطق النفوذ تتضح؛ ففي بيروت وضواحيها وفي جزء من جنوب لبنان هناك سيطرة لقوات أمل الشيعية وحلفائها، وفي ضاحية بيروت الجنوبية وبعض مناطق البقاع والهــرمــل هــنـاك سـيطـرة لقوات حزب الله الشيعية، وفي بيروت الشرقية وضواحيها وبعض مناطق الجبل هناك سـيـطــرة للقوات اللبنانية المارونية على جزء منها، وسيطرة فئة من الجيش اللبناني على الجزء الآخــر في عام 1990م، وفي الشوف سيطرة لقوات الحزب التقدمي الاشتراكي الدرزية وحلفائـهـا، وفي الشمال سيطرة لقوات المرَدة المارونية المعادية للقوات اللبنانية، وفي أقصى الجنوب هـنـاك الحزام الأمني الذي صنعته إسرائيل بينها وبين جنوب لبنان، يسيطر عليه "جيش لبـنـــان الـجـنـوبي" المدعوم من قِبَلِ إسرائيل.


فماذا بقي للدولة وسط هذه .البانوراما السلطوية. حتى تسيطر عليه؟

مـن جـهــــــة أخرى، شكلت الطائفية أفق الدولة اللبنانية الذي استوحت منه تصوراتها للمجتمع والكون ونمط الوجود، وللتنظيم الاجتماعي، والتوزيع البيروقراطي، كي تجند لا جيشاً عقلانياً عسكرياً واحداً وجيشاً مدنياً منظماً واحداً البيروقراطيين وموظفي الدولة بل جيوشاً طائفية مرتهنة لجماعاتها المتنطعة والمتوجهة عقلياً وعاطفياً نحو الذات الطائفية المنغلقة.

"ثم بدأ طرح إلغاء الطائفية السياسية؛ لأنها سبب البلاء، ولأنها تمنع الانصهار الوطني، وتحقيق المواطنة الحقة. والمطالبون بإلغاء الطائفية السياسية أغلبهم في مواقع طائفية بعضها شديد العصبيـة؛ فالأحزاب المطالبة بإلغاء الطائفية أحزاب طائفية بتركيبتها، وبدهي أن المطلب الصـــــــادر من موقع طائفي هو طائفي أياً كان التعبير اللفظي عنه، ومطلب إلغاء الطائفية يعني تحــديـــداً: استبدال ديمقراطية عددية تعني سيطرة على الحكم والإدارة بحكم العدد أو بحكم مـــــا يظن من غلبة عددية بالديمقراطية الإصلاحية المركبة المعقدة أساساً للعيش المشترك اللبناني.

هذا الواقع المأزوم والمَرَضِــــــي مثَّل مرتعاً خصباً لأحلام كل طائفة في السيطرة ـ وفي لبنان خصوصاً ـ لا تمثل قوة الطائفة إلا بمددها الخارجي وتبعيتها الدينية والسياسية والمالية. وكانت الطائفة الشيعية التي يمـثـلها "حزب الله" سياسياً وعسكرياً ـ موضوع حديثنا ـ من تلك الطوائف التي أرادت ـ أو بالأصح أريد منها ـ أن تحقق الحلم بتكوين دولة تقوم على تبني المذهب الجعفري الاثني عـشــري منهجاً ونظاماً؛ فلبنان أريد به أن يكون. إما دولة نصرانية عربية بميول غربية وسط تجـمـــــع مسلم ضخم، وإما دولة شيعية عربية بميول فارسية وسط تجمع سني ضخم كذلك.

والـدولـــة الأولى: النصرانية لعل لها حديثاً آخر، أما المراد الآخر فلا بد من الوقوف فيه أولاً على بعض المرتكزات؛ حتى تتضح الصورة من بداياتها وصولاً إلى منتهاها.


لبنان وإيران قصة العلاقة:

حين استولى الصفويون على حكم إيران، في مطلع القرن السادس عشر، وجعلوا من التشيع الإمـــامي دين الدولة والأمة، وحصنوا إيران به بإزاء الفتح العثماني "التركي السني" كان التـشـيـع يــذوي ويـتـلاشـــى، إنْ في مدارس النجف أو في مدارس خراسان، فعمد الشاه إسماعيل إلى استقدام علماء مــن جبل عامل ـ جنوب لبنان ـ لتدريس الفقه الإمامي، فكان منهم: (بهاء الدين العاملي محـمــــد بن الحسين بن عبد الصمد، 953-1031هـ ) الذي أصبح شيخ الإسلام في أصفهان في عـهـــــد الشاه عباس الكبير، والمحقق الكركي علي بن الحسين ابن عبد العالي العاملي، ت 940هـ - 1533م الذي قَدِم النجف ثم رحل إلى بلاد العجم لترويج المذهب، والسلطان حينئذ الـشـــــاه إسماعيل الصفوي الذي مكنه من إقامة الدين وترويج الأحكام، وكان يُرغِّب عامة الناس فـي تعلم شرائع الدين ومراسم الإسلام، ويحثهم على ذلك بطريق الالتزام، وكان أن جعل فـي كل بلدة وقرية إماماً يصلي بالناس ويعلمهم شرائع الدين، وبالغ في ترويج مذهب الإمامــيــــة؛ بحيث لقبه بعضهم بمخترع مذهب الشيعة.

ومنطقة جبل عامل أو عاملة في قلب جنوب لبنان كانت أهم مرجعية شيعية في العالم بين القرنين الميلاديين الرابع عشر والسادس عشر، ومع بداية هذا التعاون مع الدولة الصفوية أُبيد الآلاف من السُنّة من العامة والعلماء؛ ففي تبريز ـ العاصمة ـ وحدها كان السُنّة فيها لا يـقـلـــون عن 65% من السكان، وقد قتل منهم في يوم واحد 40ألف سني!! كما أُجبر الألوف عـلــى الـتـحـول القسري إلى مذهب الإمامية كما كانت هناك مؤامرات عديدة وتعاون مع قوى غربية عـلـى إســقــاط الدولة العثمانية، وهي من الأمور غير الخافية عبر التاريخ

وقد استهوت التجربة الصفوية الشيعية "المضطهدين" في العراق وجبل عامل ـ جنوب لبنان ـ والـبـحـريــن، وذهـــــب العلماء بالخصوص ليدعموا تأسيس الدولة الشيعية "الصفوية" الوليدة

ونـسـتـطـيــع أن نتجاوز حقبة زمنية بعيدة حتى نصل إلى صورة قريبة تبين تلك العلاقة الحميمة والوطيدة التي يحاول نفر من الناس فصلها وتزييف الواقع ووقائعه.

فقد قيل لـ حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله: إن دور حزبه لن ينتهي؛ لأنه حزب مستورد من الخارج، (سوريا أو إيران) فقال: لنكن واضحين ونحكي الحقائق: الفكر الذي ينتمي إليه "حــــــزب الله" هــــو الفكر الإسلامي، وهذا الفكر لم يأت من "موسكو" أيام الاشتراكية ولا من "لندن وباريـــــس" ولا حتى من "واشنطن" في زمن الليبرالية، هو فكر الأمة التي ينتمي إليها لبنان، إذن نـحــن لم نستورد فكراً، وإذا كان من يقول: إن الفكر إيراني. أقول له: إن هذه مغالطة؛ لأن الـفـكـر في إيران هو الفكر الإسلامي الذي أخذه المسلمون إلى إيران، وحتى هذا الفكر خاص بعلـمــاء جبل عامل. اللبنانيون هم الذين كان لهم التأثير الكبير في إيران على المستوى الحضاري والـــديني في القرون السابقة؛ أين هو الاستيراد؟ هذا الحزب كوادره وقياداته وشهداؤه لبنانيون

وفي إحدى الاحتفالات التأبينية التي تقام في لبنان قال إمــام جمعة مسجد الإمام المهدي الشيخ حسن طراد: إن إيران ولبنان شعب واحد وبلد واحــــــــد، وكما قال أحد العلماء الأعلام: إننا سندعم لبنان كما ندعم مقاطعاتنا الإيرانية سياسياً وعسكرياً

وفي مناسبة تأبينية أخرى قال الناطق باسم حزب الله ـ ذاك الوقت ـ إبراهيم الأمين: نحن لا نقول: إننا جزء من إيران؛ نحن إيران في لبنان ولبنان في إيران

ويقول محمد حسين فضل الله المرشد الروحي لحزب الله: إن علاقة قديمة مع قادة إيران الإسلامية بدأت قبل قيام الجمهورية الإسلامية، إنها علاقة صداقة وثقة متبادلة، ورأيي ينسجم مع الفكر الإيراني ويسير في نفس سياسته

ويقول حسن نصر الله: إننا نرى في إيران الدولة التي تحكم بالإسلام والدولة التي تناصر المسلمين والعرب. وعلاقتنا بالنظام علاقة تعاون، ولنا صداقات مع أركانه ونتواصل معه، كما إن المرجعية الدينية هناك تشكل الغطاء الديني والشرعي لكفاحنا ونضالنا

ويُؤَمِّن على كلام أمين الحزب مساعد وزير الخارجية الإيرانيـة لـلـشـــؤون الـعـربــيـــــة والإفريقية، د. محمد صدر فيقول: إن السيد حسن نصر الله يتمتع بشعبية واسعة في إيران كما تربطنا به علاقات ممتازة

وقد حذر علي خامنئي مرشد الثورة من إضعاف المقاومة الإسلامية وقال: إنه يجب التيقظ ومنع الأعــــداء من ذلك، إن شعلة المقاومة يجب أن لا تنطفئ؛ لأن أولئك الأبطال واجب على إيران مساعدتهم

فهكذا يتبين التـرابـــــط المتكامل بين إيران الثورة وحزب الله وشيعة لبنان، فقد أصبحت إيران الأم الرؤوم والمـحـضــــن الدافئ والمرعى الخصيب والنموذج الذي يتطلع إليه عموم الشيعة؛ فهي القبلة الدينية والسياسية لهم


المنتظرون إلى متى!؟

نتعرض هنا لقضية مهمة حـــــــول "التبديل" الكبير الذي حدث في عقيدة ومنهج الشيعة الاثني عشرية والذي حوَّلهم مــــن طائفة على هامش التاريخ بفعل "نظرية الانتظار"، بعد دخول محمد بن حسن العسكري السرداب وغيابه ـ على حد قولهم ـ إلى طائفة ثورية تريد تغيير العالم كله ومواجهة قوى الاسـتـكـبار في العالم وإنارته بالإسلام "الصحيح"، وتطهير الأرض من رجس يهود!! وقد كان لحــــــزب الله نصيب وافر من هذه الشعارات الرنانة والمواجهة المدَّعاة.

وتقوم نظرية "الانتظار والتَّقِيَّة" على تحريم الثورة والإمامة والجهاد وإقامة الحدود والأمر بالـمـعروف والنهي عن المنكر وصلاة الجمعة؛ فقد تأثر الفكر السياسي الشيعي تأثراً كبيراً بنظريـــــة وجود الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري داخل السرداب، واتسم لقرون طويلة بالسلبية المطلقة؛ وذلك لأن هذه النظرية قد انبثقت من رحم النظرية الإمامية التي تحتم وجــــــود إمام معصوم معيَّن مِنْ قِبَلِ الله، ولا تجيز للأمة أن تعيِّن إماماً أو تنتخبه؛ لأنه يجب أن يـكـــون معصوماً، وهي لا تعرف المعصوم الذي ينحصر تعيينه من قِبَلِ الله؛ ولذلك اضطر الإمامـيون إلى افتراض الإمام الثاني عشر، بالرغم من عدم وجود أدلة علمية كافية على وجوده.

وقـد كـان مـــــن الطبيعي أن يترتب على ذلك القول بانتظار الإمام الغائب، تحريم العمل السياسي، أو الـسـعـي لإقـامـــة الدولة الإسلامية في عصر الغيبة، وهذا ما حدث بالفعل؛ حيث أحجم النواب الخاصون بـالإمـــــام عـــن القـيـام بـأي نشاط سياسي في فترة الغيبة الصغرى، ولم يفكروا بأية حركة ثورية، في الوقت الذي كــــان فــيــــه الـشـيـعة الزيدية والإسماعيلية يؤسسون دولاً في اليمن وشمالي إفريقيا وطبرستان.

لـقـد كانت نظرية انتظار الإمام الغائب بمعناها السلبي المطلق تشكل الوجه الآخر للإيمان بوجود الإمام المعصوم، ولازمة من لوازمها؛ ولذلك فقد اتخذ المتكلمون الذين آمنوا بهذه النظرية موقفاً سلبياً من مسألة إقامة الدولة في عصر الغيبة، وأصروا على التمسك بموقف الانتظار حتى خروج المهدي الغائب.

وقد نسبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل أعمال أمتي انتظار فرج الله عــــز وجــــل . يعنون به خروج الغائب المنتظر، وجعلوا الانتظار أحب الأعمال إلى الله، و"المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان

وبالرغم من قيام الدولة البويهية الشيعية في القرن الرابع الهجري، وسيطرتها على الدولة العباسية، فـــإن العلماء الإماميين ظلوا متمسكين بنظرية الانتظار وتحريم العمل السياسي، وقد قال محـمــد بـن أبـــي زينب النعماني (توفي سنة 340 هـ) في كتابه الغيبة: "إن أمر الوصية والإمامة بعهد من الله ـ تعالى ـ وباختياره، لا من خلقه ولا باختيارهم؛ فمن اختار غير مختار الله وخالف أمر الله ـ سبحانه ـ ورد مورد الظالمين والمنافقين الحالِّين في ناره".

"كل راية تُرفع قبل راية المهدي فصاحبها طاغوت يُعبد من دون الله".

"كل بيعة قبل ظهور القائم فإنها بيعة كفر ونفاق وخديعة".

"واللهِ لا يخرج أحدٌ منا قبل خروج القائم إلا كان مثله كمثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحاه فأخذه الصبيان فعبثوا به"

وجاء في كتاب بحار الأنوار عن المفضل بن عمر ابن الصادق أنه قال: يا مفضل كل بيعة قبل ظهور القائم فبيعة كفر ونفاق وخديعة، لعن الله المبايع والمبايَع له"

وكما أثَّرت قضية الإمامة والولاية فكذلك أَثَّرتْ نظرية "الانتظار" على موضوع حديثنا، العمل الثوري "الجهاد" فتعطل، وكان مُحرَّماً.

وقد نتج عن الالتزام بنظرية الانتظار، وتفسير شرط الإمام المُجمَع عليه في وجوب الجهاد أنه الإمام المعصوم أن تَعَطَّلَ الجهاد في عصر الغيبة؛ فقد اشترط الشيخ الطوسي في كتاب المبسوط في وجوب الجهاد اشترط ظهور الإمام العادل الذي لا يجوز لهم القتال إلا بأمره، ولا يسوغ لهم الجهاد دونه، أو حضور مَنْ نصَّبه الإمام للقيام بأمر المسلمين، وقال بعدم جواز مجاهدة العدو متى لم يكن الإمام ظاهراً، ولا مَنْ نصَّبه الإمام حاضراً، وقال: "إن الجهاد مع أئمة الجور أو من غير إمام خطأ يستحق فاعله به الإثم، وإن أصاب لم يؤجر وإن أصيب كان مأثوماً".

واعتبر ابن إدريس: "أن الجهاد مع الأئمة الجُوّار أو من غير إمام خطأ يستحق فاعله به الإثم، إن أصاب لم يؤجر وإن أُصيب كان مأثوماً"، وقال: "إن المرابطة فيها فضل كبير إذا كان هناك إمام عادل ولا يجوز مجاهدة العدو من دون ظهور الإمام".

وصرح يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع بحرمة الجهاد من دون إذن إمام الأصل، و "أن وجوبه مشروط بحضور الإمام داعياً إليه أو من يأمره".

وبالرغم من قيام الدولة الـشـيـعـيـــة الصفوية تحت رعاية المحقق الكركي الشيخ علي بن الحسين، فإنه رفض تعديل الحكم فـي عـصـــر الغيبة، وحصر في كتاب (جامع المقاصد في شرح القواعد) وجوب الجهاد بشرط الإمام أو نـائــبـــــــه، وفسَّر المراد بالنائب بـ "نائبه المنصوص بخصوصه حال ظهور الإمام وتمكنه، لا مطلقاً".

وأغفل الشيخ بهاء الدين العاملي بحث الجهاد في كتابه: (جــــوامع عباسي) وفسر سبيل الله في عصر الغيبة ببناء الجسور والمساجد والمدارس.

ولا يذكر أحدٌ من العلماء المعــاصريـــن - كالكبايكاني والشاهرودي والخونساري والخوئي والقمي والشريعتمداري الذين يعلقون على العروة الوثقى - لا يذكرون شيئاً عن الجهاد أو تفسير كلمة سبيل الله به.

ومن هنا - وإذا استـثنـيـنا عدداً محدوداً جداً من الفقهاء الذين شككوا في تحريم الجهاد، وربطه بالإمام العادل المعصوم - يكاد يكون إجماع الفقهاء الإمامية عبر التاريخ ينعقد على تحريم الجهاد، بمعنى الدعوة للإسلام والقتال من أجل ذلك، وخاصة لدى العلماء الأوائل منهم

وقد قال الخميني: "في عصر غيبة ولي الأمر وسلطان العصر عجل الله فرجه الشريف يقوم نـوابــه وهم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى والقضاء مقامه في إجراء السياسات وسائر ما للإمام عليه السلام إلا البدأة بالجهاد

فهكذا كانت هذه النظرية "العقدية" والسياسية عائقاً كبيراً أمام الشيعة الإمامية في الانطلاق إلى تحقيق عقيدة الثأر الكربلائية، والانتقام ممن قتل الحسين - رضي الله عنه - وإن كان هذا الموقف ظاهرياً يُخفي خلفه أحلاماً توسعية فارسية؛ فقد بدأ الانقلاب على البدعة ببدع أخرى؛ ولكنها هذه المرة تساعد على الخروج من هذه الشرنقة القاتلة التي وضعوا أنفسهم فيها بعد أن ضاقت عليهم بدعتهم وقال قائلهم: اللهم طال الانتظار وشمت بنا الفجار وصعب علينا الانتظار