لقد استطاع الشيعة فى لبنان المتمثلين فى حزب الله ،وحركة أمل الشيعية أن يدخلوا قلوب عوام الناس فى العالم الاسلامى الذين لا يعرفون حقيقتهم ،وحصل الخلط واللبس حتى لكثير من طلاب العلم والدعاة ،اذ لم يطلعوا على تاريخ هذا الحزب الملطخ بدماء أهل السنة فى لبنان وغيرها ،وحتى يتوضح الدور الذى قام به هذا الحزب ،ومعرفة جذوره ننشر فى هذا المنتدى المبارك هذه الحقائق من أحد المتابعين لها ،والذين عاشروا هذا الحزب وتتبعوا خطواته.
أنه [الاستاذ :عبد المنعم شفيق]،وأسأل الله تعالى أن يكون هذا الجهد فى سبيل رفع راية أهل السنة والجماعة فى كل مكان وحين ،ضد أولئك الذين جعلوا من أعراض أمهات المؤمنين، وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم [رضى الله عنهم اجمعين] جعلوا منهم غرضا يرمونه بكل شنيع وقبيح [قاتلهم الله أنى يؤفكون].
والان نبدأ بذكر فصول البحث الهام
المديح" الإعلامي الضخم كان سبباً في رسم صورة خيالية عن حزب الله كـيـف ولمـاذا تـم "التحول" من "الانتظار" إلى قوافل "الثوار"؟.
"الـوهـابـيــــون رجس من عمل الشيطان، سننتقم من الوهابيين، لن تمر هذه الجريمة دون عقاب كانت هــذه عبارات مكتوبة ومحمولة على لافتات في تظاهرة أخرجها "حزب الله" في الجنوب اللبنانـي عـقـب اتفاق الطائف الذي كان من أسباب وقف الحرب الأهلية التي كانت تدور في لبنان.
في المظاهرات تخرج الكلمات دائماً من القلب، منطوقة أو مكتوبة.
عـلـى جـانب آخر كانت هناك كلمات أخرى خرجت من القلب كذلك ترسم صورة أخرى مغايرة.
فـيـقـول أخو العشيرة عن الحزب: إنهم صفوة الصفوة، وطليعة الأمة، ومرشدوها، وباعثو ديـنـهــــا وحـضــارتها ومجدهــــا، ومعلموهــــا، ورساليوها، و"أنبياؤها"
إن المقاومة الإسلامية في لبنان تـمـثــل لـنــــا ضوءاً باهراً في الأفق المعتم، وصوتاً جسوراً وسط معزوفة الانكسار، وقامة سامقة تصاغر إلـى جوارها دعاة الانبطاح والهرولة، إنهم يدافعون ـ بهذا الدور البطولي الذي يقومون به ـ عن شرف الأمة العربية وعن الأمل في أعماق كل واحد فينا، إنهم يرفعون رؤوسنا عالياً ويرصِّعون جبين أمتنا
إن حزب الله يقوم بدور رائد في إيقاظ الأمة وتقديم الدليل على قدرتها لصد العدوان.
فالمقاومة الإسلامية لحزب الله واحــدة مـــن أبــرز مـعـالم نهـضــة الأمة وأكبر دليل على حيويتها.
لماذا حظيت المقاومة الإسلامية في لبنان بهذا القدر الهائل من التضامن الشعبي العربي والإسلامي؛ بل من كل المستضعفين في العالم؟ وهل يتحول الطرح السياسي والحضاري لتلك المقاومة إلى أيديولوجية للمحرومين في كل مكان في العالم في مواجهة النمط الحضاري والقيمي الغربي الذي يهدد العالم بأسره؟ لماذا نجحت المقاومة اللبنانية في أن تصبح طليعة لكل قوى التحرر العربي على اختلاف مشاربها الدينية والطائفية والسياسية والطبقية؟! وبصيغة أخرى: لماذا نجحت المقاومة اللبنانية في الخروج من مأزق الطائفية الضيق إلى رمز للتحرر لكل إنسان مسلماً كـان أم مسيحياً عربياً أم عالمياً، أبيض أو أسود؟ لماذا كانت المقاومة ـ وحزب الله بالتحديد ـ هي الجزء الحـي في النسيج العربي الذي اهترأت الكثير من أجزائه وأطره الفكرية والتنظيمية؟
صورتان متناقضتان تثيران أسئلة كثيرة عن قصة الحقيقة، ولا يُخفي بعض الناس شدة الحيرة التي تنتابه مع هذه الصور المتباينة الشديدة التنافر؛ فبين مُسلَّمات عقدية راسخة، وأصول مستقرة، وبين واقع ضاغط على الفكر والشعور، تضطرب الرؤى وتحار العقول.
وحـزب الله فـي لبنان جزء من قصة طويلة وصراع مرير، والحديث عنه وعن حقيقته وأهدافه أمر ضروري في وقـت بدأ فيه تحول كبير في دور الحزب، بعد أن تحقق جزء كبير من أهدافه،وكذلك في وقت بدأت فيه "عودة الروح" لمسار السلام السوري واللبناني،والذي يمثل "حـزب الله" ورقة تفاوضية هامة فيه؛ بيد أن المسألة متشعبة شديدة التعقيد فرضتها عوامل شتى؛ لذا كان من المهم استعراض التفاصيل وتفاصيلها.
لبنان أي أرض أي دولة؟
لبنان، لن نذهب في التاريخ بعيداً، وإنما سنذكر صورة منه، أو نتيجة لصراعه وأحواله في فـقـد قامت الدولة اللبنانية على ركيزة أساسية هي "الطائفية"، وولد الاستقلال والميثاق في أحضـانـهــا، وورث الاستقلال نهجاً يجسد التفسخ الوطني في إطار علاقات سياسية تعمل على إبقاء هذا الأمر واستمراريته.
هذا النهج السـيـاسـي وقـف عائـقــــاً أمام تطوير الواقع الطائفي ومحاولة تجاوزه، وحمل الاستقلال معه كل أمراض التخلف والتـعـصـب والـتـفـرقــة؛ لأن أبـطــاله لم يعملوا على استئصال الرواسب وإقامة الوطن على قاعدة الانتماء إليه؛ بل اكتفوا بوحـدتـهــم الفوقية وتركوا التشتت الطائفي في القاعدة؛ فقام لبنان على قاعدة تعدد الطوائف المتعايـشـة على أرض واحدة تقتسم المغانم فيما بينها.
إن الاســتـقــلال والدستور قد قاما على ركيزتين أساسيتين هما. تجميع الطوائف وتجميع المناطق؛ وشتان ما بين التجميع والانصهار. لقد استبدلت الوحدة الوطنية ـ كما هو الحال في الدول الأخرى ـ بوحدة الطوائف المتعايشة، ورعت دولة الاستقلال المؤسسات الطائفية لتوسع نشاطاتها ولتزيد من انقسام المواطنين.
ففي الحقل الـتـربـوي بقي لكل طائفة مؤسساتها التربوية لتلقن المواطنين ثقافات مختلفة، وعلى الصعيد التنـظـيمي السياسي صار لبعض الطوائف مجالس مِلّية تحولت إلى مؤسسات سياسية تسهم في السلطة بدرجة أو بأخرى.
وعلى الصعيد السكاني بقـيـت المـدن الكبرى ذات طابَع طائفي؛ وعلى الرغم من احتوائها على اختلاط سكاني من مختلف الـطـوائـف إلا أنـهـــــا تمتعت بغالبية سكانية من طائفة معينة، أو تضمنت أحياء سكانية لكل طائفة، أو لكل مذهـب حي يجـمــــع أبناء المذهب نفسه، وهذا الأمر قد سهَّل فيما بعد الانقسام الجغرافي؛ حيث هجَّرت كل منطقة الأقليات الـمـوجـــودة فيها من الطوائف الأخرى؛ مما جعل السلطة عبارة عن حكم بين مخـتـلـف الأطراف "الـطـــوائـف" لا سـلـطــة دولة بيدها المبادرة والقرار الذي تستطيع فرضه على الجميع.
فـي لـبـنـان ازدواجـيــة سلطـوية. قامت سلطة الدولة وتساكنت جنباً إلى جنب مع سلطة الطائفـة، وكثيراً ما أذعـنـت سلطة الدولة إلى سلطة الطائفة البارعة في توظيف التمايزات الدينية لأغراض سياسية.
والـطـائفة هنا تلعب دور الحزب السياسي المُدافِع عن مصالح الأفراد، وتحل مشكلة انتماء الـفـرد طـالـمـــــا أنه لا توجد أطر أخرى أكثر فعالية لتنظيم حياته وضمان توازنه المادي والنفسي، وهـكــذا يندفع الفرد إلى أحضان الطائفة؛ فالتخلي عنها يبدو كأنه ضياع لآلية التضامن الأســـــــري والعائلي إذا لم يسنده ظهور مؤسسات تضامن جماعي نقابي ومدني أعلى، كما يعني العزلة للأفراد، ويعني الاغتراب النفسي والاجتماعي كذلك.
لقد عجزت الدولة اللبنانية عن بناء الإطار الفكري والسياسي والإداري والاقتصادي الذي يوحد الأمة ويبني إجـمـاعــــاً؛ إنها لم تمتلك رسالة اجتماعية تسمح لها بأن تكون دولة الأمة لا دولة الجماعات وبدلاً مــــن أن ترتفــــع باعتبارها مؤسسة سياسية وسلطة . فوق التمايزات والتناقضات انخرطت هي نفسها بفـعـل طـبـيـعـة بنيتها وتركيبتها العصبية في التناقضات التي أخذت تمزقها، أو بالأحرى تبرز تمزقها الـداخـلـي المستور بأيديولوجيا الوفاق والتعايش.
لقد اعترفت الدولة القانونية في لبنان بتعدد القوى السياسية، ومنحتها حق التنافس الحر حـتـى بـلــغ حد الفوضى المسلحة؛ فالتدريب والتسلح غير المشروع، وقيادة الجيوش غير النظامية، وتـخــــريج دفعات من الميليشيات اللبنانية كان يتم في احتفالات علنية تنقلها الصحف اليومية تحت سمع الدولة وبصرها.
إن نشوب الحرب بهذه الضراوة والشراسة، وقدرتها على الاستمرار لأعوام طويلة ما كان يمكنها لولا وجود ميليشيات قد أنشئت أصلاً لأن لها دوراً يُنتظر أن تلعبه.
وإثر الاعتداءات الإســـرائيلية المتكررة على الفلسطينيين داخل الأراضي اللبنانية منحتهم الدولة حق الدفاع عن أنفـسـهــــم ضد الاعتداءات الخارجية عليهم بدلاً من أن تكون هي المسؤولة عن حماية كل من يقطــن داخل حدودها سواء بالطرق السلمية أو بالقوة؛ فالدولة عادة ـ كل دولة ـ تقدم نفسها مركز استقطابٍ وحيد لممارسة العنف القانوني في المجتمع؛ فعنف الدولة له أساليبه . أي قانونيته . لكن الدولة اللـبـنانية بتركيبتها الضعيفة سلطوياً قد سمحت لنباتات العنف اللاشـرعـي ـ أي الـخــــــارج عن إطار الدولة ـ أن تنمو على جوانبها، ومهدت للاحتراب بين اللبنانيين عندما وقـفـــــت شاهد زور من استعداداتهم للحرب، وهي بتركيبتها الطائفية الحساسة لم تستطع التعامل مع القضية الفلسطينية كما تعاملت معها سائر الدول العربية، فمهّدت بذلك لحرب الآخرين على الأرض اللبنانية.
حتى الأحزاب التي تؤكد أنها غير طائفية من حيث المبدأ والغاية، وتلك التي ترفع شعار العلمنة والديموقراطية والمساواة لا تفلت من فخ الطائفية إلا قـلـيــلاً. والظاهرة البارزة التي نشأت في ظل الحرب هي تعدد الأحزاب والمنظمات والحركات بشـكــل لم يسبق له مثيل. والـلافـت للـنـظــر أن إمعان الأحزاب والمنظمات في تحديد هويتها الطائفية ربـمــــا كــان لاستقطاب أكبر عدد من الأتباع أو لإبراز خصوصيتها.
وفي جميع الأحــــوال انـخـرطــت تلك الأحزاب في لعبة الطائفية نفسها التي استخدمها الإقطاع السياسي لإحكام سيطرته وتثبيت مواقعه. أما الأحزاب العلمانية فإن كلاً منها قد اتخذ صبغة القــطاع الطائفــي الكانتون الذي يـوجد داخل حـدوده.
وحددت الأحزاب والميليشيات مناطق نفوذ لها، وأخذت تثبت مواقعها داخلها؛ واعتباراً من عام 1984م أخذت الخطوط الفاصلة بين مناطق النفوذ تتضح؛ ففي بيروت وضواحيها وفي جزء من جنوب لبنان هناك سيطرة لقوات أمل الشيعية وحلفائها، وفي ضاحية بيروت الجنوبية وبعض مناطق البقاع والهــرمــل هــنـاك سـيطـرة لقوات حزب الله الشيعية، وفي بيروت الشرقية وضواحيها وبعض مناطق الجبل هناك سـيـطــرة للقوات اللبنانية المارونية على جزء منها، وسيطرة فئة من الجيش اللبناني على الجزء الآخــر في عام 1990م، وفي الشوف سيطرة لقوات الحزب التقدمي الاشتراكي الدرزية وحلفائـهـا، وفي الشمال سيطرة لقوات المرَدة المارونية المعادية للقوات اللبنانية، وفي أقصى الجنوب هـنـاك الحزام الأمني الذي صنعته إسرائيل بينها وبين جنوب لبنان، يسيطر عليه "جيش لبـنـــان الـجـنـوبي" المدعوم من قِبَلِ إسرائيل.
فماذا بقي للدولة وسط هذه .البانوراما السلطوية. حتى تسيطر عليه؟
مـن جـهــــــة أخرى، شكلت الطائفية أفق الدولة اللبنانية الذي استوحت منه تصوراتها للمجتمع والكون ونمط الوجود، وللتنظيم الاجتماعي، والتوزيع البيروقراطي، كي تجند لا جيشاً عقلانياً عسكرياً واحداً وجيشاً مدنياً منظماً واحداً البيروقراطيين وموظفي الدولة بل جيوشاً طائفية مرتهنة لجماعاتها المتنطعة والمتوجهة عقلياً وعاطفياً نحو الذات الطائفية المنغلقة.
"ثم بدأ طرح إلغاء الطائفية السياسية؛ لأنها سبب البلاء، ولأنها تمنع الانصهار الوطني، وتحقيق المواطنة الحقة. والمطالبون بإلغاء الطائفية السياسية أغلبهم في مواقع طائفية بعضها شديد العصبيـة؛ فالأحزاب المطالبة بإلغاء الطائفية أحزاب طائفية بتركيبتها، وبدهي أن المطلب الصـــــــادر من موقع طائفي هو طائفي أياً كان التعبير اللفظي عنه، ومطلب إلغاء الطائفية يعني تحــديـــداً: استبدال ديمقراطية عددية تعني سيطرة على الحكم والإدارة بحكم العدد أو بحكم مـــــا يظن من غلبة عددية بالديمقراطية الإصلاحية المركبة المعقدة أساساً للعيش المشترك اللبناني.
هذا الواقع المأزوم والمَرَضِــــــي مثَّل مرتعاً خصباً لأحلام كل طائفة في السيطرة ـ وفي لبنان خصوصاً ـ لا تمثل قوة الطائفة إلا بمددها الخارجي وتبعيتها الدينية والسياسية والمالية. وكانت الطائفة الشيعية التي يمـثـلها "حزب الله" سياسياً وعسكرياً ـ موضوع حديثنا ـ من تلك الطوائف التي أرادت ـ أو بالأصح أريد منها ـ أن تحقق الحلم بتكوين دولة تقوم على تبني المذهب الجعفري الاثني عـشــري منهجاً ونظاماً؛ فلبنان أريد به أن يكون. إما دولة نصرانية عربية بميول غربية وسط تجـمـــــع مسلم ضخم، وإما دولة شيعية عربية بميول فارسية وسط تجمع سني ضخم كذلك.
والـدولـــة الأولى: النصرانية لعل لها حديثاً آخر، أما المراد الآخر فلا بد من الوقوف فيه أولاً على بعض المرتكزات؛ حتى تتضح الصورة من بداياتها وصولاً إلى منتهاها.
لبنان وإيران قصة العلاقة:
حين استولى الصفويون على حكم إيران، في مطلع القرن السادس عشر، وجعلوا من التشيع الإمـــامي دين الدولة والأمة، وحصنوا إيران به بإزاء الفتح العثماني "التركي السني" كان التـشـيـع يــذوي ويـتـلاشـــى، إنْ في مدارس النجف أو في مدارس خراسان، فعمد الشاه إسماعيل إلى استقدام علماء مــن جبل عامل ـ جنوب لبنان ـ لتدريس الفقه الإمامي، فكان منهم: (بهاء الدين العاملي محـمــــد بن الحسين بن عبد الصمد، 953-1031هـ ) الذي أصبح شيخ الإسلام في أصفهان في عـهـــــد الشاه عباس الكبير، والمحقق الكركي علي بن الحسين ابن عبد العالي العاملي، ت 940هـ - 1533م الذي قَدِم النجف ثم رحل إلى بلاد العجم لترويج المذهب، والسلطان حينئذ الـشـــــاه إسماعيل الصفوي الذي مكنه من إقامة الدين وترويج الأحكام، وكان يُرغِّب عامة الناس فـي تعلم شرائع الدين ومراسم الإسلام، ويحثهم على ذلك بطريق الالتزام، وكان أن جعل فـي كل بلدة وقرية إماماً يصلي بالناس ويعلمهم شرائع الدين، وبالغ في ترويج مذهب الإمامــيــــة؛ بحيث لقبه بعضهم بمخترع مذهب الشيعة.
ومنطقة جبل عامل أو عاملة في قلب جنوب لبنان كانت أهم مرجعية شيعية في العالم بين القرنين الميلاديين الرابع عشر والسادس عشر، ومع بداية هذا التعاون مع الدولة الصفوية أُبيد الآلاف من السُنّة من العامة والعلماء؛ ففي تبريز ـ العاصمة ـ وحدها كان السُنّة فيها لا يـقـلـــون عن 65% من السكان، وقد قتل منهم في يوم واحد 40ألف سني!! كما أُجبر الألوف عـلــى الـتـحـول القسري إلى مذهب الإمامية كما كانت هناك مؤامرات عديدة وتعاون مع قوى غربية عـلـى إســقــاط الدولة العثمانية، وهي من الأمور غير الخافية عبر التاريخ
وقد استهوت التجربة الصفوية الشيعية "المضطهدين" في العراق وجبل عامل ـ جنوب لبنان ـ والـبـحـريــن، وذهـــــب العلماء بالخصوص ليدعموا تأسيس الدولة الشيعية "الصفوية" الوليدة
ونـسـتـطـيــع أن نتجاوز حقبة زمنية بعيدة حتى نصل إلى صورة قريبة تبين تلك العلاقة الحميمة والوطيدة التي يحاول نفر من الناس فصلها وتزييف الواقع ووقائعه.
فقد قيل لـ حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله: إن دور حزبه لن ينتهي؛ لأنه حزب مستورد من الخارج، (سوريا أو إيران) فقال: لنكن واضحين ونحكي الحقائق: الفكر الذي ينتمي إليه "حــــــزب الله" هــــو الفكر الإسلامي، وهذا الفكر لم يأت من "موسكو" أيام الاشتراكية ولا من "لندن وباريـــــس" ولا حتى من "واشنطن" في زمن الليبرالية، هو فكر الأمة التي ينتمي إليها لبنان، إذن نـحــن لم نستورد فكراً، وإذا كان من يقول: إن الفكر إيراني. أقول له: إن هذه مغالطة؛ لأن الـفـكـر في إيران هو الفكر الإسلامي الذي أخذه المسلمون إلى إيران، وحتى هذا الفكر خاص بعلـمــاء جبل عامل. اللبنانيون هم الذين كان لهم التأثير الكبير في إيران على المستوى الحضاري والـــديني في القرون السابقة؛ أين هو الاستيراد؟ هذا الحزب كوادره وقياداته وشهداؤه لبنانيون
وفي إحدى الاحتفالات التأبينية التي تقام في لبنان قال إمــام جمعة مسجد الإمام المهدي الشيخ حسن طراد: إن إيران ولبنان شعب واحد وبلد واحــــــــد، وكما قال أحد العلماء الأعلام: إننا سندعم لبنان كما ندعم مقاطعاتنا الإيرانية سياسياً وعسكرياً
وفي مناسبة تأبينية أخرى قال الناطق باسم حزب الله ـ ذاك الوقت ـ إبراهيم الأمين: نحن لا نقول: إننا جزء من إيران؛ نحن إيران في لبنان ولبنان في إيران
ويقول محمد حسين فضل الله المرشد الروحي لحزب الله: إن علاقة قديمة مع قادة إيران الإسلامية بدأت قبل قيام الجمهورية الإسلامية، إنها علاقة صداقة وثقة متبادلة، ورأيي ينسجم مع الفكر الإيراني ويسير في نفس سياسته
ويقول حسن نصر الله: إننا نرى في إيران الدولة التي تحكم بالإسلام والدولة التي تناصر المسلمين والعرب. وعلاقتنا بالنظام علاقة تعاون، ولنا صداقات مع أركانه ونتواصل معه، كما إن المرجعية الدينية هناك تشكل الغطاء الديني والشرعي لكفاحنا ونضالنا
ويُؤَمِّن على كلام أمين الحزب مساعد وزير الخارجية الإيرانيـة لـلـشـــؤون الـعـربــيـــــة والإفريقية، د. محمد صدر فيقول: إن السيد حسن نصر الله يتمتع بشعبية واسعة في إيران كما تربطنا به علاقات ممتازة
وقد حذر علي خامنئي مرشد الثورة من إضعاف المقاومة الإسلامية وقال: إنه يجب التيقظ ومنع الأعــــداء من ذلك، إن شعلة المقاومة يجب أن لا تنطفئ؛ لأن أولئك الأبطال واجب على إيران مساعدتهم
فهكذا يتبين التـرابـــــط المتكامل بين إيران الثورة وحزب الله وشيعة لبنان، فقد أصبحت إيران الأم الرؤوم والمـحـضــــن الدافئ والمرعى الخصيب والنموذج الذي يتطلع إليه عموم الشيعة؛ فهي القبلة الدينية والسياسية لهم
المنتظرون إلى متى!؟
نتعرض هنا لقضية مهمة حـــــــول "التبديل" الكبير الذي حدث في عقيدة ومنهج الشيعة الاثني عشرية والذي حوَّلهم مــــن طائفة على هامش التاريخ بفعل "نظرية الانتظار"، بعد دخول محمد بن حسن العسكري السرداب وغيابه ـ على حد قولهم ـ إلى طائفة ثورية تريد تغيير العالم كله ومواجهة قوى الاسـتـكـبار في العالم وإنارته بالإسلام "الصحيح"، وتطهير الأرض من رجس يهود!! وقد كان لحــــــزب الله نصيب وافر من هذه الشعارات الرنانة والمواجهة المدَّعاة.
وتقوم نظرية "الانتظار والتَّقِيَّة" على تحريم الثورة والإمامة والجهاد وإقامة الحدود والأمر بالـمـعروف والنهي عن المنكر وصلاة الجمعة؛ فقد تأثر الفكر السياسي الشيعي تأثراً كبيراً بنظريـــــة وجود الإمام المهدي محمد بن الحسن العسكري داخل السرداب، واتسم لقرون طويلة بالسلبية المطلقة؛ وذلك لأن هذه النظرية قد انبثقت من رحم النظرية الإمامية التي تحتم وجــــــود إمام معصوم معيَّن مِنْ قِبَلِ الله، ولا تجيز للأمة أن تعيِّن إماماً أو تنتخبه؛ لأنه يجب أن يـكـــون معصوماً، وهي لا تعرف المعصوم الذي ينحصر تعيينه من قِبَلِ الله؛ ولذلك اضطر الإمامـيون إلى افتراض الإمام الثاني عشر، بالرغم من عدم وجود أدلة علمية كافية على وجوده.
وقـد كـان مـــــن الطبيعي أن يترتب على ذلك القول بانتظار الإمام الغائب، تحريم العمل السياسي، أو الـسـعـي لإقـامـــة الدولة الإسلامية في عصر الغيبة، وهذا ما حدث بالفعل؛ حيث أحجم النواب الخاصون بـالإمـــــام عـــن القـيـام بـأي نشاط سياسي في فترة الغيبة الصغرى، ولم يفكروا بأية حركة ثورية، في الوقت الذي كــــان فــيــــه الـشـيـعة الزيدية والإسماعيلية يؤسسون دولاً في اليمن وشمالي إفريقيا وطبرستان.
لـقـد كانت نظرية انتظار الإمام الغائب بمعناها السلبي المطلق تشكل الوجه الآخر للإيمان بوجود الإمام المعصوم، ولازمة من لوازمها؛ ولذلك فقد اتخذ المتكلمون الذين آمنوا بهذه النظرية موقفاً سلبياً من مسألة إقامة الدولة في عصر الغيبة، وأصروا على التمسك بموقف الانتظار حتى خروج المهدي الغائب.
وقد نسبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل أعمال أمتي انتظار فرج الله عــــز وجــــل . يعنون به خروج الغائب المنتظر، وجعلوا الانتظار أحب الأعمال إلى الله، و"المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان
وبالرغم من قيام الدولة البويهية الشيعية في القرن الرابع الهجري، وسيطرتها على الدولة العباسية، فـــإن العلماء الإماميين ظلوا متمسكين بنظرية الانتظار وتحريم العمل السياسي، وقد قال محـمــد بـن أبـــي زينب النعماني (توفي سنة 340 هـ) في كتابه الغيبة: "إن أمر الوصية والإمامة بعهد من الله ـ تعالى ـ وباختياره، لا من خلقه ولا باختيارهم؛ فمن اختار غير مختار الله وخالف أمر الله ـ سبحانه ـ ورد مورد الظالمين والمنافقين الحالِّين في ناره".
"كل راية تُرفع قبل راية المهدي فصاحبها طاغوت يُعبد من دون الله".
"كل بيعة قبل ظهور القائم فإنها بيعة كفر ونفاق وخديعة".
"واللهِ لا يخرج أحدٌ منا قبل خروج القائم إلا كان مثله كمثل فرخ طار من وكره قبل أن يستوي جناحاه فأخذه الصبيان فعبثوا به"
وجاء في كتاب بحار الأنوار عن المفضل بن عمر ابن الصادق أنه قال: يا مفضل كل بيعة قبل ظهور القائم فبيعة كفر ونفاق وخديعة، لعن الله المبايع والمبايَع له"
وكما أثَّرت قضية الإمامة والولاية فكذلك أَثَّرتْ نظرية "الانتظار" على موضوع حديثنا، العمل الثوري "الجهاد" فتعطل، وكان مُحرَّماً.
وقد نتج عن الالتزام بنظرية الانتظار، وتفسير شرط الإمام المُجمَع عليه في وجوب الجهاد أنه الإمام المعصوم أن تَعَطَّلَ الجهاد في عصر الغيبة؛ فقد اشترط الشيخ الطوسي في كتاب المبسوط في وجوب الجهاد اشترط ظهور الإمام العادل الذي لا يجوز لهم القتال إلا بأمره، ولا يسوغ لهم الجهاد دونه، أو حضور مَنْ نصَّبه الإمام للقيام بأمر المسلمين، وقال بعدم جواز مجاهدة العدو متى لم يكن الإمام ظاهراً، ولا مَنْ نصَّبه الإمام حاضراً، وقال: "إن الجهاد مع أئمة الجور أو من غير إمام خطأ يستحق فاعله به الإثم، وإن أصاب لم يؤجر وإن أصيب كان مأثوماً".
واعتبر ابن إدريس: "أن الجهاد مع الأئمة الجُوّار أو من غير إمام خطأ يستحق فاعله به الإثم، إن أصاب لم يؤجر وإن أُصيب كان مأثوماً"، وقال: "إن المرابطة فيها فضل كبير إذا كان هناك إمام عادل ولا يجوز مجاهدة العدو من دون ظهور الإمام".
وصرح يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع بحرمة الجهاد من دون إذن إمام الأصل، و "أن وجوبه مشروط بحضور الإمام داعياً إليه أو من يأمره".
وبالرغم من قيام الدولة الـشـيـعـيـــة الصفوية تحت رعاية المحقق الكركي الشيخ علي بن الحسين، فإنه رفض تعديل الحكم فـي عـصـــر الغيبة، وحصر في كتاب (جامع المقاصد في شرح القواعد) وجوب الجهاد بشرط الإمام أو نـائــبـــــــه، وفسَّر المراد بالنائب بـ "نائبه المنصوص بخصوصه حال ظهور الإمام وتمكنه، لا مطلقاً".
وأغفل الشيخ بهاء الدين العاملي بحث الجهاد في كتابه: (جــــوامع عباسي) وفسر سبيل الله في عصر الغيبة ببناء الجسور والمساجد والمدارس.
ولا يذكر أحدٌ من العلماء المعــاصريـــن - كالكبايكاني والشاهرودي والخونساري والخوئي والقمي والشريعتمداري الذين يعلقون على العروة الوثقى - لا يذكرون شيئاً عن الجهاد أو تفسير كلمة سبيل الله به.
ومن هنا - وإذا استـثنـيـنا عدداً محدوداً جداً من الفقهاء الذين شككوا في تحريم الجهاد، وربطه بالإمام العادل المعصوم - يكاد يكون إجماع الفقهاء الإمامية عبر التاريخ ينعقد على تحريم الجهاد، بمعنى الدعوة للإسلام والقتال من أجل ذلك، وخاصة لدى العلماء الأوائل منهم
وقد قال الخميني: "في عصر غيبة ولي الأمر وسلطان العصر عجل الله فرجه الشريف يقوم نـوابــه وهم الفقهاء الجامعون لشرائط الفتوى والقضاء مقامه في إجراء السياسات وسائر ما للإمام عليه السلام إلا البدأة بالجهاد
فهكذا كانت هذه النظرية "العقدية" والسياسية عائقاً كبيراً أمام الشيعة الإمامية في الانطلاق إلى تحقيق عقيدة الثأر الكربلائية، والانتقام ممن قتل الحسين - رضي الله عنه - وإن كان هذا الموقف ظاهرياً يُخفي خلفه أحلاماً توسعية فارسية؛ فقد بدأ الانقلاب على البدعة ببدع أخرى؛ ولكنها هذه المرة تساعد على الخروج من هذه الشرنقة القاتلة التي وضعوا أنفسهم فيها بعد أن ضاقت عليهم بدعتهم وقال قائلهم: اللهم طال الانتظار وشمت بنا الفجار وصعب علينا الانتظار
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق