2009/01/29

تميزوا بعقيدتكم يا أهل السنة

عبدالله العزاوي
لفت انتباهي - وأنا أستمع إلى الحملات الانتخابية التي يقوم بها هذه الأيام مختلف التيارات والأحزاب والجبهات دينية وغير دينية بصورة محمومة - ما فيها من اتفاق بالطرح في أمور كثيرة لاسيما فيما يخص ملفات الأمن والبناء والخدمات، وهذه الأمور لا يكاد - بل أجزم أنه – لا يخلو منها برنامج انتخابي لكل تلك الكيانات على اختلاف مشاربها، وقد نرى في ذلك تفوقاً واضحاً للأحزاب العلمانية وهذا أمر طبيعي يتناسب مع طبيعة نشأة تلك الأحزاب وشعاراتها وأهدافها التي لم تقم أساساً لأجل عقيدة دينية تسعى للانتصار لها أو لتغليب أصحابها ومصالحهم على غيرهم!
العقيدة هي الفيصل
وما يلفت الانتباه أيضاً ويؤثر في النفس كثيراً أن أصحاب العقيدة الشيعية قد استخدموا عقيدتهم وتبنيهم قضية الدفاع عنها والانتصار لأصحابها الشيعة إلى أبعد الحدود، وليس من متكلم أو ناصر أو مدافع عن عقيدة أهل السنة وأهلها أهل الحق المبين، بل ولا من أحد قد وضع في برنامجه الانتخابي نصرة هذا الدين والسعي لتنفيذ شريعته ولا حتى الدعوة له!
أكتب هذه الكلمات وقد انتهيت للتو من مشاهدة برنامج جبهة التوافق الانتخابي الذي طرحه أصحابها على المجتمعين من أهل السنة في المدائن، وهذه الجبهة محسوبة بالطبع على أهل السنة، فهي بهذا الوصف تعتبر كياناً دينياً سنياً على الرغم من محاولة أصحابها التبرؤ من هذه التهمة المشرفة! فمن غيرها يمكن أن يوصف بأنه يمثل أهل السنة في العراق؟! فهل كانت عقيدة أهل السنة حاضرة هنا؟ وهل يمكن لنا أن نميز دعوتهم الانتخابية عن دعوات غيرهم، فالعقيدة هي الفيصل فيما بيننا وإنما يتميز الناس بتميز عقائدهم؟
شاهدت كلمتي الدكتور علاء مكي والدكتور عمر الكربولي(1)، تحدث الأول عن المعركة الانتخابية ووصفها بالحرب السلمية ووصف صعوبة الحصول على مقاعد فيها وحث العشائر على المشاركة بشيبهم وشبانهم ونسائهم بل وحتى المعوقين منهم! إلى ماذا؟ إلى انتخاب من سيحكم بشرع الله؟ ومن سينتصر لعقيدة أهل السنة؟ ومن سيرفع راية لا إله إلا الله داعياً الناس إليها ومجاهداً في سبيلها؟ ومن سيقمع البدع ويحارب الضلالات؟ ومن سيمنع المهاجري وأمثاله من تدنيس أرض العراق وسب ديننا وأجدادنا وتاريخنا أمام أعيننا؟
الدكتور علاء مكي
يؤسفني أن يكون الجواب بكلا!
كان يدعوهم إلى انتخاب من سيوفر لهم الأمن والأمان ومن سيوفر لهم لقمة الخبز والكهرباء والماء والشوارع المعبدة!
ومما زادني أسفاً وإحباطاً وتوجعاً أن يستغل الدين ضمن الحملة الانتخابية فيكون خادماً - حاشاه- للبرنامج الانتخابي يصعدون على صهوته ليصلوا إلى غايتهم ثم يتخلون عنه إن لم اقل إنهم سيرفسونه بأرجلهم بعد أن يحقق لهم ما يريدون.
الدين أيها الإخوة أسمى من هذا، والله اكبر من غاياتكم يا من تقولون وترفعون الصوت ولكن خارج كراسيكم بل وخارج برامجكم الانتخابية: الله غايتنا. أليس من الغريب المستغرب حقاً أن لا تكون هذه العبارة الذهبية الجليلة التي تحرك القلوب والعواطف وتسمو بها إلى أبعد مما يستطيعه الخيال حاضرة في البرنامج الانتخابي؟! أين هذه العبارة من لافتاتكم يا من كنا نراها ترفرف في رايات من تزعمون أنكم تنتسبون إليهم سنيناً بل عقوداً من الزمن الماضي؟
جهاد أم (طكاطيك)؟
وكانت كلمة الدكتور عمر عبد الستار الكربولي من أشد الكلمات تأثيراً بالسلب لأنها كانت تحتوي بين طياتها عرضاً غريباً للدين وللسيرة النبوية المباركة، فقد قال بين ثنيات كلماته إن القرآن عبارة عن ثلاثين جزءاً هي مقسمة على سبع نقاط وهي: العقيدة والسياسة والعلم والقانون والعبادة والأخلاق والقتال (ولم يسمه الجهاد). وبدأ يفصل ويعطي كلاً من هذه الأمور أجزاءً من القرآن الكريم
العقيدة: 10 أجزاء
السياسة: 7 أجزاء
العلم: 5 أجزاء
القانون: 3 أجزاء
العبادة: جزأين
الأخلاق: جزأين
القتال: جزء واحد
وقد أعطى للجهاد الذي سماه قتالاً جزءاً واحداً فقط! ثم قال كيف ينجح تلميذ بالامتحان وهو يحمل درجة واحدة من ثلاثين؟!
ونحن نقول له أيضاً: كيف ينجح من جمع الدرجات جميعاً دون درجة العقيدة؟
ما لكم كيف تحكمون؟
الدكتور عمر عبد الستار
ثم ما لبث أن أطلق – مستهزئاً- اسم (طكاطيك) على الجهاد وقال إنه لم يأتنا بأي خير خلال خمس سنين وقد دمرنا!
أين أنت من قوله تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلا عَلَى الظَّالِمِينَ) (البقرة:193)
وقوله: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (لأنفال:39)
ثم أخذ يؤصل لهذا الأمر من سيرة النبي الكريم فقال: "كان قتال النبي دفاعاً في بدر وأحد والأحزاب فقد كان يصد هجوم قريش في كل مرة ثم حدث صلح الحديبية وبعده فتح مكة سلماً، فأين القتال عند النبي؟!"
هل يقول هذا الأمر مسلم من عامة الناس فضلاً أن يكون قائداً وموجهاً لهم؟!!! ونحن نسأل هذا (القائد العالم): متى وكيف حدثت غزوة معركة خيبر وغزوة تبوك وحنين وحروب الردة ونهاوند والقادسية واليرموك وحطين؟ وهل كان جهاد المسلمين جهاد دفع في فتوحاتهم التي شرقت وغربت؟ أم جهاد طلب؟
وأين أنت من قوله (صلى الله عليه وسلم): (أمرت أن أقاتل الناس ، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى) رواه البخاري و مسلم؟
ولم يذكر (العالم) الكربولي جهاد الطلب في كلامه أبداً! فهو ينفيه بهذا القول تماماً فيمحو جميع فتوحات المسلمين وجهادهم على مر التأريخ!!!
بل نقول له أين جهاد الدفع نفسه عندكم؟ ألم تحتل بلدكم أمريكا وتعبث به أشد العبث فتقتل الرجال والشيوخ وتيتم الأطفال وترمل النساء وتهدم الجوامع وتحرق الحرث والنسل؟ فأين دفعكم؟
الحملة الانتخابية
ولا أدري كيف أخرج الجهاد وفصله عن مسمى العبادة وهو ذروة سنام الإسلام كما أخبر الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام. ثم لو سلمنا بما قال وهو إن آيات الجهاد عددها 170 آية – مع إن هذا العدد أقل بكثير من العدد الذي أحصاه العلماء لها - فنقول هل هذا يعني تهميش الجهاد؟! إذن ماذا سنقول عن الصيام مثلاً؟ وعن الحج؟ وعن الوضوء الذي لا تصح صلاة إلا به وهو لم يرد إلا بآية واحدة أو آيتين؟
ثم ألم يقل الرسول الكريم: "لا صدقة ولا جهاد، فبأي شيء يدخل أحدكم الجنة؟!" دلالة على أهميتهما الكبرى؟
ثم بدأ يتهجم ولكن على من؟ على القاعدة، وعلى الميليشيات! أي على من ينتسب إلى أهل السنة فقط، فما كانت كلمة (الميليشيات) لتشمل أياً من الشيعة.
(وَسَوْفَ تُسْأَلونَ)
وبعد أن انتهى هذا التجمع قلّبت قنوات التلفزيون حتى استوقفتني كلمة لعبد العزيز الحكيم في البصرة وهو يدعو جماهيره المحتشدة للانتخابات.
ذكر الحكيم نفس ما ذكره التوافقيون أن هذه الانتخابات عبارة عن حرب، وإلى أنهم سيقومون بتقديم الأمن والخدمات للمواطنين، وهذا هو العامل المشترك الذي يدعو إليه الجميع دينيون وغيرهم.
ولكنه قال: " إنها حرب سنخوضها من أجل تثبيت الشعائر الحسينية التي يحاول الكثيرون محاربتها والقضاء عليها!"
انظر إلى ماذا يدعو هذا وانظر إلى ما يدعو إليه أولئك؟
وأنا أحب أن أطمئنه إلى أن هؤلاء الـ(الكثيرون) لم ولن يحاولوا محاربة تلك الخزعبلات والبدع الشركية وليست هي في أي جدول من جداول أعمالهم، فلينم رغداً في هذا البلد هو ومن يسب الله تعالى ويسب نبيه (صلى الله عليه وسلم) وصحابته (رضي الله عنهم) جهاراً نهاراً فليس من معترض عليهم وليس من منكر!
كان يجب أن يتميز برنامج المنتسبين لأهل السنة عن برنامج العلمانيين تميزاً واضحاً كما تميز برنامج الشيعة عنهم تميزاً واضحاً، فقد كان للعقيدة حضور واضح وبين فيه وهذا ما يحرك ناخبيهم لانتخابهم وهي نقطة ذكاء في سياسة الناس إذا استطعت تحشيدهم ودفعهم للانحياز لك بعد أن تعرض نفسك مدافعاً عن عقائدهم وشعائرهم المقدسة!
الأمن مهم جداً أيها الإخوة والخدمات كذلك، ولكن نرجو أن تضيفوا للأمن والخدمات نصرة هذا الدين وأهله ومحاربة الباطل وأهله. فنحن يحزننا أن الشيعة يدافعون كل هذا الدفاع عن عقيدتهم وطقوس عباداتهم وشعائرهم الزائفة المخجلة بل ويدعون الناس إليها، ولا نسمح أن يكون في فكرنا وبرامج من تصدر الصفوف منا فقرة نرفع بها رؤوسنا ونقول إننا موجودون وديننا موجود.
وإلا فستواجهون - عاجلاً أم آجلاً- بمن يسألكم: أين أنتم من لا إله إلا الله؟ وليجبه من يستطيع الإجابة منكم. وأدري أنكم لن تعدموا جواباً سريعاً له فقد هيأتم لكل سؤال جواباً، ولكن...
هل هو الجواب الذي يقبله الله تعالى؟
فاحذروا.. (وَسَوْفَ تُسْأَلونَ)(الزخرف: من الآية44)

ليست هناك تعليقات: