كتب أمير سعيد :
في رده على سؤال حول احتمال دخول "حزب الله" اللبناني في حرب مع "إسرائيل"، قال سعيد جليلي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في زيارته للعاصمة السورية الأحد: " لا أعتقد ذلك والشعب الفلسطيني في غزة بإمكانه الدفاع عن نفسه بشكل جيد وما يحتاجه الشعب هو فك الحصار وإيقاف العدوان فحسب ".
لكن قدرة أهل غزة لا يراها كذلك رئيس كتلة نواب "حزب الله" في البرلمان اللبناني محمد رعد، الذي قال السبت: "إن ما يجري في غزة هو امتداد لحرب يوليو وهدفه رفع معنويات العدو لأنهم يعتقدون أن غزة خاصرة رخوة ضعيفة يمكن السيطرة عليها بسهولة علهم يعوضون بعض المعنويات التي سقطت وهزمت في لبنان، حين فشلوا في حربهم ضد المقاومة (..) فالإسرائيليون يحاولون التعويض في غزة وهي ضعيفة صغيرة في الإمكانات بغية رفع معنويات الجنود الصهاينة".
اختلاف في التقدير ربما فقط بين من يرى أن أهل غزة قادرون على المقاومة والصمود والانتصار المادي، ومن يراهم ضعفاء وأرضهم خاصرة رخوة، بيد أن المهم هو الاتفاق في أن على غزة أن تدفع الثمن وحدها، والرسالة واضحة: التحرك لن يكون إلا سياسياً، وهو الانطباع الذي ترسخ حتى لدى النائب اللبناني سعد الحريري زعيم أكبر كتلة برلمانية في لبنان الذي أعرب الاثنين عن اعتقاده ـ استناداً إلى تصريحات مسؤول "حزب الله" ـ أن الحزب لن يهاجم "إسرائيل".
غير أن كل هذا لم يبد أنه قد أقنع عموس يادلين رئيس أجهزة الاستخبارات العسكرية "الإسرائيلية"، ولا وزير العدوان أيهود باراك، أو هكذا يريدان الإيحاء؛ فقد قال الأول "إن حزب الله الموالي لإيران قد يتذرع بالهجوم العسكري الذي تشنه إسرائيل منذ 27 ديسمبر على قطاع غزة ضد حركة حماس لفتح جبهة ثانية"، بينما قال الثاني أمام لجنة الشؤون الخارجية والدفاع: "أنظارنا متجهة إلى شمال إسرائيل ونحن جاهزون لمواجهة أي تطور"، ومن قبل قالت الإذاعة الصهيونية الاثنين: "استدعت إسرائيل عشرات الآلاف من جنود الاحتياط، وقد يرسلون للدفاع عن حدود البلاد الشمالية في حال شن حزب الله هجوما على الدولة العبرية."
لم يقل "حزب الله" إذن ولم يهدد، ولم ترشح أية معلومات عن استعدادات له على الجبهة اللبنانية الجنوبية ليفعل شيئاً هجومياً، وكل ما قد قاله زعيمه، هو أن على رجاله أن يكونوا جاهزين لأي عدوان من "إسرائيل"، لكن "إسرائيل" مع ذلك تقول الآن أنها حذرة!! لا جرم أن تكون كذلك، لكن أتراها من بعد خراب البصرة قد انتبهت إلى أن حزب "المقاومة اللبنانية" ربما سيتحرك لنصرة "المقاومة" في غزة بعدما الشعب الفلسطيني آلاف الأطنان من المواد المتفجرة التي استهدفت بحسب مجرمي الحرب الصهاينة أكثر من ألف هدف في قطاع غزة الذي لا تزيد مساحته عن 365 كيلو متراً مربعاً فدمرت آلاف المنازل وهدمت عشرة مساجد وقتلت وأصابت ثلاثة آلاف، دون أن تحس من "المقاومة اللبنانية" من أحد أو تسمع لهم ركزاً؟!
لماذا إذن كان هذا التوقيت الذي أطلق العدو فيه تحذيره من "الجبهة الشمالية"، وهو توقيت دقيق للغاية بعدما بدا أنه يعاني من مأزق خطير في تحقيق أهداف حملته العدوانية مع اليوم حادي العشر من العدوان المستمر بلا هوادة على قطاع غزة؟! إن ساسة "إسرائيل" وعسكرييها على السواء الآن في حاجة أكثر من أي وقت مضى لتأمين انسحاب لها من تخوم قطاع غزة تحت ذريعة تحاشي الحرب على أكثر من جهة بعدما بدا أنها ماضية في طريق مسدود، وفي الجانب الآخر، ورغم انشغال "حزب الله" باستحقاق الانتخابات اللبنانية؛ فإن سُمعَته التي ارتفعت عالياً في العالم العربي بحاجة إلى ترميم اليوم بعدما باتت كل شعاراته الثورية موضع شك كبير من الجمهور العربي الذي استوقفه خياران لا ثالث لهما، كلاهما مر لديه، وهما أن "حزب الله" ربما لم يحقق "النصر الإلهي" بخلاف ما قال في أعقاب حرب يوليو 2006، وهو ما شاطرته لجنة فينوجراد الصهيونية في التسويق له حينها، وبالتالي فهو عاجز عن تلبية نداء الواجب بنصرة أهل غزة (الضعفاء بحسب محمد رعد)، أو أنه قد خرج منتصراً من الحرب التي شنها من أجل تحرير 5 أسرى (ليسوا من السنة كما هو معلوم) ولم يستثمر هذا الانتصار في إنجاد ما يقارب المليونين في غزة تتقاطر القنابل بشتى أنواعها فوق رؤوسهم وتُجرَّب الأسلحة الحديثة في أجسادهم، وهو بذلك يُصدِّق اتهامات بطائفيته وتبعيته المطلقة لإيران.
كلا الطرفين ربما يحتاج لهذه الخطوة، لكن الأخير في ظل إحجامه عن التدخل هذه المرة وفاء لتاريخ طويل نأى فيه بنفسه عن نجدة الفلسطينيين في معاركهم المصيرية (ومنها مؤخراً حملة السور الواقي ومذبحة جنين وغيرهما)، يخرج جنوب لبنان نهائياً الآن من معادلة الصراع بين العرب و"إسرائيل"، وهو ما يكتب عنواناً جديداً لهذه الحرب أو يفرز واحداً من أهم علاماتها الفارقة تاريخياً، وهو ما يفتح بدوره تساؤلاً حاداً حول ماهية هذا التوافق المؤدي لعدم مشاركة الفلسطينيين في المخيمات بلبنان في التخفيف عن إخوانهم في غزة، أو بالأحرى الحؤول بينهم وفعل ذلك، لاسيما بعد أن أعلن القيادي الفلسطيني أحمد جبريل أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة عن فتح جبهات جديدة في حال استمر العدوان على غزة، ثم عودة أبو رامز مسؤول الجبهة في لبنان إلى نفي مضمون التصريح والتوضيح بـ"أن تصريح جبريل فهم على غير حقيقته"، وفقاً لصحيفة الديار اللبنانية، التي نقلت عن أبو رامز القول "(جبريل) لم يسم الجبهة اللبنانية أو غيرها (..) فنحن لنا حلفاء في لبنان ولا يمكن أن نقوم بأي خطوة دون التنسيق مع حلفائنا وإننا نحترم الخصوصية اللبنانية".. وهو ما يدحض من ناحيته آخر المخاوف الصهيونية والتي وردت بالإذاعة العبرية الاثنين من "أن عددا من كبار المسئولين العسكريين الإسرائيليين استبعدوا إمكانية قيام حزب الله بعمل استفزازي مباشر لكنهم اعتبروا أن المنظمات المسلحة الفلسطينية في لبنان قد تتحرك." ومعلوم أن الجبهة الشعبية قد قامت بكثير من العمليات في الجنوب المنسوبة لـ"حزب الله" من دون أن تتبناها خلال سني الاحتلال الصهيوني للجنوب اللبناني..
إن أحداً في الحقيقة لم يتصور حجم الصمود "الأسطوري" الفلسطيني، ولا مدى تحمل المقاومة للضربات الموجعة، ولعل أكثر من طرف تمنى أن تنجح "إسرائيل" في مهمتها عاجلاً لتقيلهم من عثرة أسقطتهم في مستنقع الخيانة والخذلان، لكنها لم تفعل ولم يتماسكوا.. وها قد حشرت المقاومة البطلة الجميع في زاوية مذلة، ثم هوت بهم من جرف إلى مكان سحيق..
وليس مستبعداً من الجميع أن يستدعي كلا منهما الآخر أو أحدهما الآخر، لملئ جرارهم المثقوبة من شلال المقاومة الهادر، ورتق أثواب العسكرية الصهيونية أو "أخلاقيات المظلومية الحزبية"!! وقد يكون هذا السيناريو ليس قدراً محتوماً، لاسيما بعد صدور إشارة واضحة من طهران بتهنئة النظام العراقي بالاتفاقية الأمنية مع الولايات المتحدة، بعد أن كانت من قبل شروط إذعان واستسلام في الخطاب الرسمي الإيراني، وتلاشي ضجيج الملف النووي الإيراني، لكنه يبقى محتملاً، وربما زاد البعض بأن هذه ستصبح في القادم القريب أمنية صهيونية بدأ يمهد لها عموس يادلين رئيس أجهزة الاستخبارات العسكرية الصهيونية استفزازاً للحزب بالقول: "أن حزب الله تلقى ضربة شديدة خلال حرب لبنان الثانية في صيف 2006 ولهذا فإنه يخشى تنفيذ هجوم كبير."، ومتى وقع ما قد يبدو الآن غريباً، سيقول البسطاء: لقد تدخل الحزب لإنقاذ الفلسطينيين، وستذوب الهمسات في بحور الصخب التعبوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق