مجلة الراصد - العدد 85 - رجب 1431هـ
مأساة فلسطين وقضيتها النازفة توجع قلب كل مؤمن وحر، لأن الحق فيها واضح جلي كالشمس، والظلم فيها ساطع كالبدر!!
ولأن أمتنا مهما أصابها من ضعف وهوان لن تنسى أو تفرط في فلسطين والقدس والمسجد الأقصى ولا أهلها الشرفاء الصامدين والمجاهدين.
من هنا أصبحت قضية فلسطين مصدر قوة وشعبية وثقة لمن يلوح لأهل فلسطين وبقية المسلمين بنصرتها ومساندتها، فضلاً عمن يفعل شيئاً صادقاً لها، ولذلك تتغنى أمتنا كلها عربها وعجمها صغيرها وكبيرها بأمجاد من نصروا القدس وحموها بداية من الفاروق عمر بن الخطاب الذي تسلم مفاتيحها وأعاد للمسجد الأقصى حياته، ومن ثم من كان معه من قادة الجيوش والمجاهدين، مرورا بالسلطان نور الدين زنكى ووالده السلطان محمود والبطل الفاتح صلاح الدين الأيوبي الكردي الأصل، ومن ثم المجاهدين الأبطال كالشيخ عز الدين القسام الشامي وعبد القادر الحسيني وبقية إخوانهم.
وقد ركب موجة فلسطين كثير من القادة والزعماء والأحزاب والتنظيمات خصوصاً ذات الخلفيات اليسارية والثورية، فملؤوا الدنيا صراخاً وألهبوا أكف الجماهير بالتصفيق، ولكن العاقبة كانت ضياع المزيد من فلسطين وزيادة معاناة الفلسطينيين.
وفي هذه المرحلة تسلم زمام التلويح بقضية فلسطين قادة إيران بريادة الخميني، وعلى منواله تعاقب قادة إيران، لكن أحمدى نجاد قد تميز بذلك من بينهم، فكان أكثرهم صراخاً وأعلاهم صوتاً، وجاراه في ذلك وكيل المرشد الإيراني في لبنان، حسن نصر الله، زعيم حزب الله.
وقد غر هذا الصراخ والزعيق بعض السُذج والبسطاء، فظنوا أن القلوب مخلصة وأن المدد قادم، ولكن أثبتت الأيام أن هذا الصراخ على حد قول المثل السائر: "أشبعهم شتماً لكنهم فازوا بالإبل"، فقد بقيت غزة تُقصف بالطائرات والمدفعية أياماً وأسابيع، وحنجرة نجاد وحسن نصرالله تقصفهم بالخطب والشعارات الرنانة!!!
وها هي قاقلة الحرية تختطف، ويعدم عشرة من ركابها بدم بارد أمام عدسات الإعلام، ومناورات وتهديدات نجاد وحسن نصر الله بقصف السفن الإسرائيلية والأمريكية المعتدية تدوي دون أن يشعر بها أحد.
إن سياسة أحفاد الصفويين القائمة على الوعيد والصراخ أمام الميكروفونات، وعقد الصفقات في الغرف المغلقة ومن تحت الطاولة كما في العراق وأفغانستان، لم تعد تنطلي على أحد.
وإن تبريرات أصدقاء إيران أنه لم يقف مع فلسطين سوى الشيعة كذب فضح أمره، ودعواهم أن المعركة مع إسرائيل تحتاج إلى رصف الصفوف وتجاوز الخلاف العقدي مع الشيعة خداع انتهى مفعوله، ففي الوقت الذي يطالب فيه بالتغاضى عن الخلاف العقدى والسياسي مع إيران ووكلائها تقوم إيران بنصب المشانق للسنة من مواطنيها، وتطارد وتضطهد الإصلاحيين المعارضين لنجاد، وتواصل السير بكل عزم لزعزعة استقرار دول العرب والمسلمين.
وقد جرت أطماع إيران ووكلائها على القضية الفلسطينية الويلات، فتصريحات نجاد النارية ضد الإبادة النازية زادت من تعاطف الشعوب والحكومات الغربية مع إسرائيل!! ورسخت النظرة العدائية تجاه حركة حماس بوصفها منظمة إرهابية!!
وتهجم نصر الله على الدول العربية ساهم في تعميق الفجوة بين حركة حماس والعرب، وفي الوقت الذي تطالب فيه إيران وحزب الله وحماس بإلغاء المعاهدات العربية الإسرائيلية، يعلن بشار الأسد أن إيران دعمت مفاوضاته مع إسرائيل!!
وبسبب الشعارات الإيرانية الفارغة لنصرة فلسطين، تم توريط بعض قادة حماس في تصريحات تثني على الخميني وعقيدته وتدينه!! وعلى الشيعة بشكل عام، ومن جهة ثانية لم تستطع حماس من مساعدة الفلسطينيين الذين أبادتهم وهجّرتهم الميلشيات الشيعية المدعومة إيرانياً والمدربة بإشراف حزب الله!!
وآخر ما سببه هذا الصراخ والزعيق من قبل إيران ووكيلها حزب الله للقضية الفلسطينية هو محاولة سحب البساط من تحت أقدام حماس في بعض الأوساط الإسلامية خاصة في دول شرق آسيا وجنوب أفريقيا، عبر إنشاء جمعيات ومؤسسات شيعية باسم القدس تعمل على نشر التشيع تحت هذا الستار وجمع التبرعات من محبي فلسطين، وهذا ينطبق أيضاً على مؤسسة القدس التي يرأسها الشيخ يوسف القرضاوى!!!
هذا فيما يتعلق بأحفاد الصفويين، أما أحفاد العثمانيين فرغم أنهم دخلوا المشهد من مدة قريبة، لكنهم دخلوا المشهد بقوة جلبت نصرة حقيقيةً لفلسطين، دخلوا المشهد بذكاء يستند لخبرة تركية عريقة قادت الدنيا ردحاً من الزمن.
هذا الدخول التركي أثار إيران ووكلاءها، لأنه سحب البساط من تحت أقدامهم فقد اختفت صور نجاد وحسن نصرالله من مظاهرات محبي فلسطين لتعلو أعلام تركيا وصور أردوغان، فبدؤوا يثيرون التساؤلات حول حقيقة هذا التدخل التركي وأبعاده.
ونحن نعلم أن لكل لاعب أغراضا ومقاصد ومصالح، لكن من المتفق عليه أن أغراض تركيا لا تشكل تهديداً لأغراضنا ومصالحنا، بل عبر بعض الكتاب عن ذلك بالقول: "تركيا تلعب معنا لا علينا"، إذ ليس هناك سياسة تركية في التدخل في شؤون الآخرين، وليس هناك صراخ عاطفي يلهب المشاعر، بل الموجود إدارة سياسية احترافية تراعي الظروف والوقائع على الأرض، وتسعى لقلب السحر الباطل الإسرائيلي عليها، عبر الوسائل السلمية المتفق عليها.
إن التدخل التركي لم يعمل على إثارة الصراعات في داخل الوسط الفلسطيني – وإن كان ينتظر منهم العمل رأب الصدع الفلسطيني – ولم يعمل على إثارة الدول العربية والصدام معها.
كما أن الأتراك حكومة وشعباً ينطلقون من عاطفة صادقة في نصرة الحق المظلوم في فلسطين، بعكس الحال في إيران الذي قد يكون الشعب أو بعضه صاحب عاطفة صادقة تجاه فلسطين، لكن بالتأكيد أن القيادة الإيرانية لا تشكل لها فلسطين سوى ورقة مساومة أمام الغرب وأمريكا.
إن الدعم التركي حتى يستمر نجاحه فإننا نحتاج إلى:
1- عدم الانخداع بالخطابات الإيرانية - ولو بألسنة عربية سنية – حول ضرورة تصعيد تركيا للأمور بإلغاء العلاقات السياسية والاشتباك العسكري مع إسرائيل، لأن هذا في الحقيقة ما هدفت له إسرائيل من خلال تعمد المبالغة في القتل والبطش بأعضاء قافلة الحرية، ليسقط من يد تركيا زمام الأمور التي من خلالها نجحت في محاصرة إسرائيل وتعريتها أمام العالم.
وإن عرض الحرس الثوري مرافقة السفن التركية لحمايتها هو محاولة مكشوفة لإفشال وسرقة هذه الصفعة التركية لإسرائيل وقد أحسنت حماس برفضها.
2- الوعي بأن حزب العدالة والتنمية ليس دولة الخلافة العثمانية العلية، وأن رجب طيب أردوغان ليس السلطان محمد الفاتح.
فمع حبنا لأردوغان وللدولة العثمانية إلا أن حزب العدالة وأردوغان هم أتراك مسلمون، وليسوا إسلاميين أتراك، فلولا خروج أردوغان ورفاقه من عباءة سياسة ومنهج نجم الدين أربكان لما استطاعوا فعل ما فعلوا.
وعلى الكثير من الإسلاميين دراسة منهج الحركة والسياسة لحزب العدالة لتطوير حركتهم وسياستهم، وتجنب أخطاء حزب العدالة التي كثير منها من مسلمات التنظيمات الإسلامية الأخرى.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق