2010/07/19

«واقعية» إيران وبواخر غزة

الياس حرفوش

جريدة الحياة اللندنية 16 من رجب 1431هـ / 28 من يونيو 2010م

مثل كل المبادرات غير المدروسة التي تنهار عند اصطدامها بالواقع وما يمكن أن يترتب عليه، يبدو الآن ان الحملات التي انطلقت في لبنان ثم في ايران لتنظيم رحلات لبعض السفن باتجاه شواطىء قطاع غزة المحاصر قد اصطدمت ايضاً بحقيقة ما سيكلفها القيام بخطوة من هذا النوع. بدأت المبادرات بـ «اسطول الحرية» الذي رعته الحكومة التركية وانتهى الى المجزرة التي ارتكبتها القوات الاسرائيلية في عرض البحر. ومع ان ذلك أدى الى حملة دولية ضد اسرائيل أعادت توجيه الانظار الى معاناة أبناء القطاع، وأرغمت الحكومة الاسرائيلية على اتخاذ اجراءات محدودة لتخفيف الحصار، فان تلك الحملة لم تصل الى حد توفير الدعم الدولي للمبادرات الهادفة الى ما اصبح موضوعاً تحت شعار «كسر الحصار» عن غزة. خصوصاً أن هذا «الكسر» بحسب تعريفه لا يمكن تنفيذه الا بالقوة، أي أن هذا التنفيذ سيتطلب الاصطدام مرة أخرى بالقوات الاسرائيلية، التي اكدت على قرارها السابق بمنع أي سفينة من دخول المياه الاقليمية لشواطىء غزة.

ولأن اصطداماً من هذا النوع له أكلافه الباهظة على من يقفون وراءه، خصوصاً ان القضية هنا لا تتعلق بتركيا، الدولة التي لا تزال تحظى بمسايرة غربية، ورغبة في مهادنتها من جانب قوى سياسية في اسرائيل من خارج تكتل «الليكود»، بل ان هذه الخطوة تتعلق بايران وبالتالي بـ «حزب الله» في لبنان، والجانبان لا يتمتعان بأي حظوة في الاوساط الغربية، فقد كان الموقف الدولي واضحاً في حالة حملة البواخر الاخيرة، المقرر انطلاقها من لبنان وايران، وهو ان هذه المبادرات يمكن ان تنتهي هذه المرة بمواجهة عسكرية واسعة بين المنظّمين والقوى التي تقف وراءهم وبين الجيش الاسرائيلي.

هل كان المنظّمون يدركون هذه الحقيقة وهل كانوا مستعدين للمواجهة؟ يظهر أنهم لم يكونوا كذلك، والدليل هو البيان الذي صدر عن الأمين العام للمؤتمر الدولي لدعم الانتفاضة الفلسطينية حسين شيخ الاسلام والذي قال فيه انه صُرف النظر عن ارسال سفينة المساعدات الايرانية التي كان مقرراً أن تبحر اليوم الى غزة «لعدم اعطاء العدو الصهيوني أي حجة» بعد أن وجهت اسرائيل رسالة الى الامم المتحدة اعتبرت فيها أن وجود البواخر الايرانية واللبنانية في شواطىء غزة سيعتبر اعلان حرب على اسرائيل.

والسؤال: هل كان النظام الايراني بحاجة الى ذريعة لاعلان الحرب على اسرائيل؟ كان متوقعاً على العكس ان يكون هذا النظام الايراني هو الذي يبحث عن أي حجة للاصطدام بالاسرائيليين واقتلاع دولتهم من المنطقة، كما يهدد رئيس هذا النظام من وقت الى آخر. أما ان يصبح الهرب من المواجهة مع اسرائيل هو شعار هذه المرحلة، فانه قد يكون دليلاً على مدى «الواقعية» الذي بلغه العقل السياسي الايراني في تعامله مع الازمات التي يمكن ان تواجهه، وهي «واقعية» تذكّر بموقف المرشد الايراني علي خامنئي خلال الحرب الاسرائيلية الاخيرة على غزة، عندما أفتى بمنع الشبان الايرانيين من التوجه الى القطاع للمشاركة في الدفاع عنه، قائلاً لهم: «عليكم أن تنتبهوا إلى أننا لا نستطيع أن نفعل شيئاً في هذا المجال».

أما في الجانب اللبناني فقد كان اعلان «حزب الله» البقاء بعيداً عن تحرك الباخرتين من الشواطىء اللبنانية اشارة اولى الى هذه «الواقعية» المحمودة التي نتحدث عنها. من جهة لأن الحزب يدرك الاخطار التي يرتبها قرار كهذا على الوضع في الجنوب وعلى هدنة الامر الواقع القائمة بينه وبين الاسرائيليين، ومن جهة ثانية لأن هاتين الباخرتين لا تستطيعان التوجه مباشرة من لبنان الى غزة، بل عليهما الانطلاق من مرافىء أخرى كمرافىء قبرص مثلاً، حيث يُستبعد السماح لباخرة يرعاها «حزب الله» علناً بالتوجه الى غزة.

ليست هناك تعليقات: