السياسة الكويتية 6-شعبان-1431هـ / 18-يوليو-2010م
لا يمكن ان يفسر الخطاب الأخير للأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني حسن نصرالله بغير إعلان الحرب على لبنان وسلمه الأهلي, وإدخاله في أتون من الصراع العبثي المدمر, في محاولة للإفلات من العقاب.
فاللهجة التي استخدمها نصرالله ليست لهجة الساعي إلى التهدئة وكشف الحقيقة في ما يتعلق بالاغتيالات السياسية التي شهدها هذا البلد الصغير في السنوات الخمس الماضية, وكانت فاتحتها باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الشهيد رفيق الحريري, بل هي كلام الخائف من أمر ما, أي أن نصرالله كان يتحدث على قاعدة "كاد المريب أن يقول خذوني", وهو في ذلك أسقط كل قناع يمكن ان يتخفى خلفه من يدعي العفة والوطنية والإيمان.
لقد حاول هذا الرجل أن يظهر للناس بمظهر الخبير التكنولوجي من الطراز الأول, وتحدث طويلاً عن الاتصالات وتكنولوجيتها, و بنى فرضيات كثيرة من دون أن يأخذ في عين الاعتبار أنه في كلامه هذا يدين نفسه قبل أي إنسان آخر, بل إنه جعل من تلك الفرضيات مسلمات وكأن الناس لا تزال تعيش في القرون الغابرة حين كان يسهل على المدلسين أن يزوروا الحقائق كيفما يريدون من دون أن يسألهم أحد, فمثلاً نسأل: كيف عرف حسن نصرالله أن القرار الاتهامي للمحكمة الدولية سيطاله هو وحزبه? هل يقرأ الفنجان او يعلم الغيب, أم هو من المنجمين؟
يعتقد بعض السياسيين العرب أن العالم كله يدور في فلك هم من رسم حدوده, وخصوصا أولئك الذين يعيشون خارج العصر, وينسون أن الشرعية الدولية لم تعد فولكلورا تتزين به الأمم, إنما هي ممارسة تترسخ يوميا في كل العالم, وليس في العدالة الدولية أي محسوبيات أو اعتبارات لهذا الخارج عن القانون او ذاك, فلقد ثبت في السنوات الماضية ان المحاكم الدولية لم تكن محاكمات ساكسونية تفرق بين غني وفقير, بل هي نهج دولي حضاري جديد في إرساء العدل, والقضاء على عصر الإفلات من العقاب الذي كان عنوان القرون الماضية ورسخ نهج الظلم في العديد من المجتمعات, وبالتالي ليس للمحكمة الخاصة بلبنان آذان تسمع الضجيج السياسي الذي يثيره حسن نصر الله وتابعه قفة (ميشال عون), ولا تخاف لا من السابع من مايو عام 2008 ولا حتى سبعين 7 مايو, لان زمن الاغتيالات السياسية, وزمن الخروج على الدولة وفرض شريعة الغاب قد ولى في بلد مثل لبنان اختار ان يخرج من نفق الدم والقتل إلى السلم والاستقرار, وبإرادة دولية وعربية, وبالتالي لن يستطيع لا حسن نصرالله ولا حزبه أن يفرضا على اللبنانيين إرادة الأشرار, فحتى البيئة الحاضنة له ستتخلى عنه عند أول اشارة فوضى يطلقها.
نفهم ما يرمي إليه نصرالله من دور الساحر الذي يمارسه في هذه المرحلة, ولن تقنع لعبة »الكشتبان« وإخراج الحمائم والأرانب من أكمامه حتى الولدان الرضع, كما لن يستطيع أن يمحو من أذهان الناس أن حزبه غير منزه عن الاغتيال السياسي, فسوابقه كثيرة جدًا بدءًا من العام 1983 وحتى الأمس القريب, وكل اللبنانيين يعرفون تاريخ هذا الحزب في عمليات الاغتيال والتصفيات الجسدية والاعتقالات.
ورغم أننا لا نتهم لا نصرالله ولا غيره في قضية اغتيال الرئيس الشهيد بانتظار الكلام الفصل الذي ستقوله المحكمة الدولية, إلا أننا نسأل نصرالله نفسه: لماذا كل هذه الحساسية من المحكمة الدولية إذا كان حزبك بريئا فعلا من التورط أو التغطية أو تسهيل ارتكاب الجريمة؟
ليست جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري مجرد جريمة عابرة في بلد أثقلته جرائم القتل السياسي والإفلات من العقاب, بل هي جريمة كبرى على مستوى دولي, وليست أقل مما ارتكب في البوسنة والهرسك, او رواندا من جرائم إبادة عرقية وعنصرية, لأنها كانت تهدف إلى قلب الموازين, ليس في لبنان وحده, بل في الشرق الأوسط كله, ولذلك فمن يثير غبار الشك حول المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ليس بعيدًا عن الشبهة في عملية الاغتيال تلك, بل إنه يعمل بالقاعدة البديهية التي يتبعها كل الخارجين على القانون الذين يدورون حول مكان جريمتهم, أليس هذا يستدعي الإجابة عن الكثير من الأسئلة يا سيد؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق