الهيثم زعفان
موقع المسلم 29-ذو الحجة-1430هـ / 16-ديسمبر-2009م
يتعجب المرء كثيراً وهو يشاهد انتفاضة النظام الإيراني نحو ما أسماه "إهانة الخميني"، والسعي لسن جملة من العقوبات تنال كل من يمس بالمقام السامي لخمينهم الراحل، في ذات الوقت الذي أهان فيه خمينهم هذا الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، بل ووصل تطاوله وإساءته لمقام رسول الله صلى الله عليه وآله سلم، ولم يجرؤ أي فرد في النظام الإيراني الشيعي الإنكار عليه بل سار جلهم على دربه في إهانة الأخيار والتطاول على النبي المختار صلى الله عليه وآله وسلم.
فمنذ أيام أعلن المرشد الأعلى للثورة الشيعية الإيرانية "على خامنئي" أن المعارضة الإيرانية خالفت النظام بإهانة زعيم الثورة الشيعية الراحل الخميني.
فيما أكد بيان صادر عن الحرس الثوري أنه لن يتهاون مع إهانة الخميني، قائلاً: "نحن أتباع الإمام الخميني.. لن نتهاون مع أي تقصير في تحديد ومحاكمة ومعاقبة من هم وراء الإهانة ومنفذيها".
وكل ذلك رداً على تمزيق عناصر من المعارضة لصورة الخميني ودهسها بالأقدام ثم حرقها.
وبعيداً عن التحليلات السياسية لحادثة دهس الخميني بالأحذية وما تعكسه من شرخ في جدار نظرية الولاء للخميني داخل الدائرة السياسية الإيرانية، ومحاولة جبر الجدار المشروخ بعقوبات ردعية تطيل أمد سقوط نظرية الولاء للخميني بعض الوقت، وبعيداً أيضاً عن ما تمثله حادثة دهس الخميني بالأحذية من تحولات في نسيج المجتمع الإيراني، وتخلخل ولاء هذا المجتمع للثورة الشيعية وإيمانه بمرجعيتها الإثنى عشرية-تحولات مجتمعية رصدناها وحللناها في مقالات سابقة- دعونا نتأمل سريعاً بعض الإهانات التي وجهها الخميني لنبينا محمد صلى الله عليه وآله سلم ولصحابته الكرام رضوان الله عليهم ونقارنها بحجم رد الفعل على إهانة المعارضة الشيعية الإيرانية لذات الشخص، ليقرر كل عاقل بنفسه حجم ما يستحقه هذا الشخص جراء إهاناته التي يتم تدريسها وتوريثها والتبشير بها واستخدامها مدادً لأقلام المد الشيعي الساعية لهدم أركان الإسلام وخلخلة ثوابته.
أولاً .... الخميني يسيء للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويتهمه بخيانة توصيل الرسالة عن رب العالمين سبحانه وتعالى، ويحمله بذلك مسئولية الخلافات والمعارك على الساحة الإسلامية.
يقول الخميني في كتابه كشف الأسرار الصفحة 155 تعليقاً على الآية الكريمة
[الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً] (المائدة الآية 3).
(وواضح بأن النبي لو كان قد بلغ بأمر الإمامة طبقاً لما أمر به الله، وبذل المساعي في هذا المجال، لما نشبت في البلدان الإسلامية كل هذه الاختلافات والمشاحنات والمعارك ولما ظهرت ثمة خلافات في أصول الدين وفروعه).
وما أعظم تلك الإساءة في حق نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم والتي من شأنها في حال الاعتقاد بها أن تخرج معتقدها من ملة الإسلام، لأنه يشكك في كلام منزل من رب العزة بكمال الرسالة وتمام تبليغها، فهو يتجرأ على رب العزة سبحانه وتعالى عما يصفون، ويطعن في رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
فمن يستحق إذاً العقوبة: من أساء للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وتطاول عليه، أم عقاب من يوجه الإهانة للمسيء لحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟.
ثانياً.... الخميني يسيء لصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويطعن فيهم ويتهمهم بأنهم من أهل الأطماع والأهواء وأنهم رضوان الله عليهم بنظره حينما اختاروا أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقد وضعوا الأساس بشكل خاطئ.
يقول الخميني في كتابه كشف الأسرار ص 128: ( في الأيام الأولى قام كبار صحابة النبي؛ من المعروفين بالنزاهة وطهارة الدين، مثل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، والحسن، والحسين، وسلمان الفارسي، وأبي ذر، والمقداد، وعمار، والعباس، وابن العباس برفع راية المعارضة، وأرادوا تنفيذ أوامر الله والنبي بشأن أولي الأمر، إلا أن التكتلات التي ظهرت بظهور البشر، وعرقلت أحكام عقلاء القوم، والأطماع والأهواء التي سحقت الحق والحقيقة في جميع الأزمنة ... فعلت فعلها في هذا المجال. ويشهد التاريخ بأنه فيما كان هؤلاء منشغلين بدفن الرسول، فإن اجتماع السقيفة اختار أبا بكر للحكم، فتم بذلك وضع الأساس بشكل خاطئ.).
مسألة سلامة بيعة سيدنا أبي بكر رضي الله عنه وبيعة سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه له ثابتة في صحيحي البخاري ومسلم وليس هذا مجال للتحقيق ورد شبهة يقذف بها كل أعداء الأمة من يهود ونصارى على مدار التاريخ.
لكن قذفها بهذه الصورة من رجل يقدمه الشيعة الإثنى عشرية بأنه رمز من رموز الإسلام يعد إساءة في حق صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والسؤال ألا تستحق تلك الإساءة التي تضرب في الأساس الذي نقل الدين الإسلامي من خلاله أن يعاقب مروجها والمبشر بها والساعي لنشرها بين العباد؟ بدلاً من معاقبة من يهين قائلها؟.
ثالثاً... الخميني يسيء للشيخين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما معاً ويطعن فيهما ويتهمهما بالتلاعب بأحكام الله سبحانه وتعالى، وظلم بيت النبوة، والجهل بالأحكام الشرعية واتباع الهوى في التحليل والتحريم.
يقول الخميني في كتابه كشف الأسرار ص 126 ( إننا هنا لا شأن لنا بالشيخين وما قاما به من مخالفات للقرآن، ومن تلاعب بأحكام الإله، وما حللاه وحرماه من عندهما، وما مارساه من ظلم ضد فاطمة ابنة النبي صلى الله عليه وسلم وضد أولاده، ولكننا نشير إلى جهلهما بأحكام الإله والدين).
ألا تستحق تلك الإساءة لصديق الأمة وفاروقها رضي الله عنهما أن ينتفض كل ذي عقل وبصيرة ليطالب بعقاب من أهانهما، ومن يسعى لترويج تلك الإهانة بين ربوع الأمة بدلاً من معاقبة من يهين قائلها؟.
رابعاً... الإساءة لأبي بكر الصديق رضي الله عنه والتدليس عليه وإخراج الوقائع عن سياقها التاريخي، ومن ثم الطعن في صديق الأمة واتهامه بالجهل والتقصير في تطبيق حدود الله.
يقول الخميني في كتابه كشف الأسرار ص 126 ( قام أبو بكر بقطع اليد اليسرى لأحد اللصوص، وأحرق شخصاً آخر، مع أن ذلك كان حراماً... وكان يجهل أحكام القاصرين، والإرث، ولم يطبق أحكام الله في خالد بن الوليد الذي قتل مالك بن نويرة وأخذ زوجته في تلك الليلة نفسها).
ألا يستحق هذا التدليس وقذف الشبهات والإساءة المباشرة لصديق الأمة وثاني اثنين، وصهر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأول الخلفاء الراشدين أن يعاقب قائلها ومروجها ومعتقدها بدلاً من معاقبة من يهين قائلها؟.
خامساً... الخميني يسيء لفاروق الأمة رضي الله عنه ويدلس على الناس في سيرته ويتهمه زوراً وبهتاناً.
يقول الخميني في كتابه كشف الأسرار ص 128 ( أما عمر فإن أعماله أكثر من أن تعد وتحصى، فقد أمر برجم امرأة حامل، وأخرى مجنونة، مع أن أمير المؤمنين نهاه عن ذلك، وأخطأ مرة فيما يخص أحكام المهر، فصححت إحدى النسوة- من خلف الحجب- خطأه، فقال عمر في ذلك: جميع الناس يعرفون أحكام الله خيراً مني، حتى النسوة الكائنات خلف الحجب. وخالف تعاليم الله والنبي، فحرم متعة الحج والنساء، وأحرق باب بيت الرسول).
ألا يستحق قائل تلك الإساءات والفريات والتدليس في حق فاروق الأمة رضي الله عنه وفاتح بلاد المجوس، أن يعاقب بدلاً من أن يعاقب مهين قائلها؟.
سادساً.... الخميني يسيء لعثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ويوجه إليهما وللشيخين أقذع الشتائم والإساءات.
يقول الخميني في كتابه كشف الأسرار ص 127 ( أما عثمان ومعاوية، فإن الجميع يعرفونهم جيداً). ليختم الخميني كلامه عن خلفاء المسلمين أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم بإساءته التالية ( إن مثل هؤلاء الأفراد الجهّال الحمقى والأفاقين والجائرين.. غير جديرين بأن يكونوا في موضع الإمامة، وأن يكونوا ضمن أولي الأمر)..
فأي إساءة بعد تلك الكلمات السوقية لرجال حملوا لواء الدين الإسلامي، ودافعوا عنه بأموالهم ودمائهم، ومن يستحق العقاب بعد تلك الإساءات من قالها أم من أهان قائلها؟.
إن هناك بعض المفتونين بالخميني في صفوف أهل السنة وكثير منهم قد تألم لإهانة المعارضة الإيرانية للخميني، ولهم ولكافة عقلاء الشيعة وكذلك للنظام والشعب الإيراني الشيعي نطرح تساؤل بسيط وهو:
"أليس من العجب أن يتم اعتبار إساءات الخميني بحق رسولنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبحق صحابته الكرام رضي الله عنهم جميعاً من باب حرية الرأي والتعبير، ولا يتم اعتبار إهانة المعارضة للخميني من باب حرية التعبير بل ويتم سن قوانين رادعة لجريمة إهانة الخميني... فهل الخميني عندهم أعلى قدراً من رسولنا صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته رضي الله عنهم؟.
إذا كانت إجابتهم بالنفي؛ فلماذا لا يسنون عقوبات مماثلة تكون رادعة لكل من تسول نفسه إساءة رسولنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم؟ مع تنقية كتبهم من أية إهانة بحقهم بما فيها كتابات الخميني نفسه؟".
تساؤل بانتظار الإجابة عليه عملياً.