2010/11/28

حملات تصفية تستهدف الرموز المؤثرة

المصدر: الرائد نت / مجلة الرائد
سلام أحمد

يقول المثل العربي (من ليس له كبير يشتري له كبير)، وفي وقت لم يكن للكبار مكان في العراق بعد الاحتلال الأميركي مباشرة يأتمر الناس بأمرهم باطمئنان وثقة، ظهرت كوكبة من الرموز لتقود الساحة، وشيئا فشيئا بدت الساحة وكأنها خالية منهم بعد حملة تصفية طالتهم اعتقالا أو اغتيالا أو تهجيراً، حتى ضاعت دوائر تأثيرهم بدوائر تأثرهم.
في وقت لم يكن يسمح فيه بروز رموز مجتمعية أو سياسية أيام النظام السابق، كان للمجتمع رمز واحد يدور حوله الحديث برغم التنوع الفكري والمذهبي والقومي الذي يتمتع به المجتمع العراقي.
وهذا ما أدى إلى خلو الساحة العراقية من رموز قوية بُعيد الاحتلال تؤثر في المجتمع وتوجهه نحو هدف معين يتفق عليه طائفة من الناس، فكان الاختلاف والتقلب سيد الموقف حتى ظهرت رموز تنوعت بتنوع الفكر والتوجه، وقبل بهم الناس كواقع حال، لحلحلة الوضع العراقي المضطرب، ولانتشالهم من واقعهم المأساوي.
كثيرة هي الانعطافات التي مرت بها الساحة العراقية منذ 2003 وحتى الآن، أولها واقع الاحتلال الذي دفع بكثير من الناس إلى ملازمة مقاومة مسلحة لا تزال تنشط حتى اليوم برموز وقيادات، ثم واقع عملية سياسية دفع أناساً آخرين إلى تشكيل أحزاب تقول انها تقاوم "مقاومة سياسية لدفع أكبر قدر من الضرر وجلب ما يمكن من منفعة" ولها أيضا رموز وقيادات.
وفي غير هاتين الحالتين .. انفتح المجتمع العراقي على مختلف مجالات الحياة، فكان هناك مؤسسات مدنية، وآخر شرعية تمثل مرجعيات، فضلاً عن قوى معارضة، ولكل من هذه المؤسسات قيادات ورموز لها تأثيرها في المجتمع العراقي.
يقول الصحفي والكاتب العراقي جلال عادل وهو يتحدث لـ"الرائد" عن هذه الرموز: "أدت هذه الرموز مهام عديدة في كثير من مشاكل الساحة العراقية، ويوم كانت عوائل المعتقلين أو الشهداء أو الأيتام بحاجة إلى لقمة عيش أو مسكن تأوي فيه من حر الصيف أو برد الشتاء، كان هناك علماء وشيوخ مساجد ومؤسسات اغاثية تقدم ما تستطيع من عون لها".
ويضيف عادل: "حين عصفت الفتنة الطائفية في العراق عامي 2006 و2007 وقف مع الناس لنزع فتيل الأزمة رموز المجتمع من علماء وشيوخ مساجد وأساتذة وغيرهم".
كانت الدولة في هذين العامين شبه غائبة، والسلطة للمليشيات، والمناطق التي يُعتدى عليها كثيرة، والجثث مجهولة الهوية هنا وهناك تسقط بالعشرات يومياً، وأعداد المهجرين زادت على الأربع ملايين، وكان الناس في أحرج وقت وأمس الحاجة لرمز أو قائد يقف إلى جانبهم ليعبر بهم الأزمة.
لماذا تتسع مساحة التصفية؟
ربما ان الدور الذي أدته أو ستؤديه هذه الرموز والقيادات هي السبب وراء استهدافها، يأتي ذلك متوازياً مع توجهات الدولة القائمة حاليا والذي يميل إلى تشديد سلطة الدولة وتحجيم قوى المعارضة لها بشكل يذكرنا ما كان عليه الواقع العراقي قبل 2003.
يتحدث ابو عبد الله (31 سنة) لـ"الرائد": "هناك أسباب عديدة وراء استهداف الرموز، أولها ان ضرب الرموز الكبار يخلق مخافة لدى الآخرين الصغار فتختفي المعارضة، ولإزاحة الند المواجه وإقامة وضع لا يقف بوجهه احد، فضلاً عن ان الرموز أركان للمناطق وللمؤسسات المختلفة، واغتيالهم يعني تفتيت بناء هذه المناطق والمؤسسات".
ابو عبد الله احد سكنة العامرية ذكر لـ"الرائد" عددا ممن قال انهم رموز تعرضوا للتصفية في منطقته، منهم "رئيس المجلس البلدي عمر فاروق وقد تم اغتياله، وإمام وخطيب جامع ملوكي الشيخ حسين عمير وقد تمت ملاحقته وتهجيره لخارج العراق، وإمام وخطيب جامع العباس الشيخ خالد العبيدي الذي تم اعتقاله، وقائد صحوة العامرية محمد كحلة الذي اغتيل مؤخرا، والشيخ د. الشهيد عبد الجليل الفهداوي".
اما عثمان أديب (27 سنة)، فقد أبدى أسفه وهو يتحدث لـ"الرائد" مستذكرا بعض رموز مدينته الذين تم اغتيالهم، ويقول: "ان تصفية الرموز هي لتفريغ المجتمع من القادة الاجتماعيين لإرباك المجتمع وجعله يمشي على غير هدى".
ويضيف أديب الذي يسكن مدينة الموصل: "من ابرز رموز مدينتي الذين تم اغتيالهم هم خالد عثمان مسؤول عن مجموعة من مؤسسات المجتمع المدني، والشيخ فيض الفيضي، ود. المعروف عمر محمود عبد الله، والطبيب أديب الجلبي".
ولم تتركز سياسة التصفية على القادة أو الرموز الذي ادو دورا سياسي في المجتمع، بل اتسعت لتشمل كل من ادى دورا في نشر التدين أو إيجاد مرجعيات يحترمها الناس، أو أدى دورا في دعم المقاومة، أو أدى أي دور مجتمعي آخر للتخفيف من معاناة المواطن العراقي.
يقول سيف القيسي (32 سنة) القاطن في منطقة السيدية ببغداد لـ"الرائد": "تأتي عمليات التصفية المستمرة لطمس الأصوات المؤثرة في العراق، ولكبت أي صوت معارض للحكومة"، كما يقول، مستذكرا الشيخ مهند الغريري الذي تم اغتياله والشيخ عبد الرحيم محمد إمام وخطيب جامع الصديق في السيدية الذي اغتيل هو الآخر.
ومنذ ظهور قادة ميدانيين علنيين في بعض مناطق العراق كقادة الصحوات وشيوخ العشائر وغيرها، اتسعت ظاهرة الاستهداف، ومن هؤلاء الآلاف ممن اعتقل أو اغتيل أو هجر ولا يعلم له احد مكان.
حوادث كثير تؤكد هذه الحملات، قد تكون أبرزها عملية التفجير التي جرت في فندق المنصور ببغداد وذهب ضحيتها ستة من شيوخ عشائر الانبار البارزين الذين كان يعقدون مؤتمرا بشأن استقرار مناطقهم.
وحتى عملية اغتيال نائب رئيس مجلس علماء العراق د. الشيخ عبد الجليل الفهداوي، فإن ملابسات الحادث كانت تشير الى تورط جهات معينة خططت ودبرت بدقة لعملية الاغتيال، واغتيل الشيخ وأغلق الملف، وقبل ذلك عملية اغتيال الشيخ يوسف الحسان احد ابرز شيوخ محافظة البصرة، وعملية اغتيال رئيس رابطة التدريسيين الجامعيين د. عصام الراوي، وعملية اختطاف رئيس اللجنة الاولمبية العراقية أحمد الحجية والذي لم يجد له أحد أثراً حتى اليوم، وعملية اغتيال رئيس لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي د. حارث العبيدي، وعملية اغتيال الشيخ بشير الجوراني احد شيوخ محافظة ديالى، وعملية اغتيال شيخ عشيرة العكيدات في الموصل صالح الياس ياسين، وغيرها الكثير من عمليات التصفية، ولعل آخر عمليات التصفية عملية اعتقال قائمقام قضاء أبو غريب شاكر فزع الزوبعي والذي حصد أصوات كثير في الانتخابات البرلمانية الأخيرة 2010.
ولان الساحة العراقية اليوم مفتوحة أمام الجميع للعب أي دور، فالجهات التي تقف وراء استهداف الرموز والقيادات العراقية متعددة، منها تلك التي ذكرها ابو فيصل (44 سنة) في حديثه لـ"الرائد": "هناك دول تريد أضعاف العراق وتفتيته والسيطرة عليه وخاصة اميركا وإيران وإسرائيل، وهناك أحزاب ومليشيات تريد الهيمنة على كل العراق، وهؤلاء يستخدمون عصابات وجُهّالاً ومتطرفين كيد للقتل والتصفية".
ويضيف أبو مصطفى (32 سنة) على حديث أبي فيصل ويقول لـ"الرائد": "هناك مصالح لجهات حكومية وإقليمية متنفذة في العراق هي التي تقوم بهذه العمليات".
وتختفي اليوم معظم المظاهر البارزة للمعارضة السلمية كالمظاهرات والاعتصام التي الفتها الساحة العراقية بعد الاحتلال وحتى نهايات عام 2007، ويقف سكنة المناطق عاجزين عن الاستنجاد بقائد أو شخصية بارزة بمناطقهم للتعبير عن سخطهم أو حتى رضاهم.
وقبل أسابيع قام الحرس الوطني بمنع وقوف السيارات في شوارع العامرية الرئيسة وأسواقها، وأغلق جميع المحال التي ليس لها عقود أجار مصدق عام 2010 حتى شلت حركة المدينة بكاملها، وأثار ذلك سخط كبير لدى جميع سكان المنطقة، "إلا أن أحد لم يتفوه بكلمة يقول فيها إنني غير راضٍ عما يجري"، كما يقول أبو إحسان صاحب محل للمواد الغذائية في العامرية.
واليوم في رمضان في العراق، لم يبقَ من الشخصيات من له قدرة على تقديم محاضرة مؤثرة في الناس عقب صلاة التراويح كما جرت عليه العادة، ولم يعد هناك محاضر يتعنى عشرات الكيلومترات ليصل مسجد يقدم فيه محاضرة قيمة.


ليست هناك تعليقات: