2010/03/25

فشل مشروع الإخوان المسلمين في العراق

موقع القادسية - جزء من مقال للدكتور عدنان الدليمي
كشفت النتائج الأولية للانتخابات عن فشل ذريع لمشروع الإخوان المسلمين في العراق، فـ(الحزب الإسلامي/الجناح السياسي لتنظيم الإخوان) من خلال (جبهة التوافق) لم يتمكن إلى الآن من حصد أكثر من (5) خمسة مقاعد من مجموع (325) مقعداً..! وهي نتيجة بائسة ومفزعة! تعبر عن الحجم الحقيقي للجماعة في الوسط السني، وتكشف عن عجز مزمن في الأداء، ورفض شعبي، بل عقوبة جماعية قاسية وجهها أهل السنة لها.
وبالمقارنة بين ما حصل عليه إياد علاوي (العلماني غير السني) في مناطق السنة التي هي ليست منطقته ولا بيئته ولا حاضنته، بل تختزن الذاكرة الجمعية للشعب العراقي في هذه المناطق صورة دموية بشعة، من الصعب محوها ما دام هذا الجيل على قيد الحياة. بمقارنة هذا مع ما حصل عليه الحزب الإسلامي، الذي هو الحزب السني الديني الوحيد، الذي له تنظيم وهياكل وأتباع أكثر وأقوى من التنظيم الشكلي لعلاوي الذي ليس له وجود حقيقي على أرض الواقع حتى في منطقته وحاضنته وبيئته: تزداد صورة الفشل بشاعة!
إنها هزيمة ساحقة، على الإخوان أولاً أن يواجهوها بشجاعة ليعترفوا علناً بها، وثانياً أن يتصرفوا على أساس هذا الاعتراف دون روغان أو مواربة. فإما يغادروا الساحة بعدها، أو يقرروا تجميد عملهم، وترك العمل السياسي مؤقتاً، ريثما يراجعوا حساباتهم بالتفصيل ويشخصوا الخلل ويضعوا العلاجات الناجعة له.
إن هذا يضع الإخوان المسلمين في العراق أمام مسؤولية كبيرة: واقعاً وتاريخاً. لقد فرطوا بحقوق أهل السنة أيما تفريط: في دينهم ودنياهم على السواء. وقد بدا - من خلال حملاتهم الانتخابية التي تبجحوا فيها بـ(إنجازاتهم) غير المسبوقة التي ادعوا تحقيقها! - أنهم كانوا يفتقرون إلى الحس المسؤول افتقاراً يصل إلى حد الازدواجية والانشطار بين القول والفعل، والنظرية والواقع، والغيبوبة عن رؤية التقصير والخلل الكبير في داخل النفس الجمعية لجسم الجماعة. كما بدا أيضاً أنهم كانوا يتصرفون دون اعتبار لقناعة الناس ونظرتهم لهم فضلاً عن حقوقهم عليهم، وكأنهم لا وزن لهم، ولا قيمة لما يشاهدونه مما يصدر عنهم من ضعف في الأداء والمواقف. الحقيقة أن الجمهور كان يرصد ذلك كله بألم، ويرى باستغراب تنصل بعض كبارهم عن المبادئ الكبرى التي لا يحل ولا يصح التفريط بها، وظهروا بذلك علناً على الفضائيات. ما يدل على الشرخ الكبير الذي أصاب الأسس التي قامت عليها هذه الجماعة؛ بسبب العجز المنهجي المزمن، والاختلالات العقائدية والقيمية والشخصية الكبيرة التي شاعت في صفوفها، ومنها ما ذكرته بالتفصيل في كتابي (منطق النقض في نقض المنطق السلمي). وأزعج الكثيرين من الإخوان وعلى رأسهم الأستاذ محمد أحمد الراشد، واعتبروني بسببه متحاملاً عليهم، مع أنني أريد بيان الحقيقة لهم ولغيرهم، ولا يهمني بعد ذلك لوم اللائمين ونفرة النافرين. وليس هذا من شأني.
لم أصدق أذني يوم ترك علي بابان الحزب الإسلامي مفضلاً عليه التمسك بمنصبه الوزاري وقال: "أنا خرجت من الحزب بسبب مشروعه الإسلامي، فهم يريدون دولة تحكم بالشريعة، وهذا لا يمكن في العراق"! أو كلاماً أشبه بهذا. نعم انتهى الإخوان إلى هذه النهاية، وصرحوا بما يشير إليها، لكنهم لم يجرؤوا على التعبير عن الحالة بهذه الصراحة. وفاجأنا قبيل الانتخابات د. رافع العيساوي بالقول: "لا يصلح العراق إلا مشروع وطني ليبرالي علماني، المشروع الإسلامي غير ممكن؛ لأنه سيكون إما شيعياً لا يتقبله السنة، وإما سنياً لا يتقبله الشيعة؛ وهذا سيؤدي إلى تقسيم العراق"!. رحم الله صدام حسين؛ لقد سمعته يقول هذا منذ سنة 1979. والحمد لله الذي هدى الإخوان المسلمين إلى هذا الاكتشاف الخطير بعد بلوغهم الأربعين من ذلك التاريخ! إذن علام ذاك الصراع مع الحكومات والأحزاب واتهامها بالعلمانية؟
وإذا اختلت القناعة بالجماعة ومبادئها من داخل الجماعة؛ فالنتيجة الحتمية فقدان الثقة بها من خارجها. وهو الذي نطقت به نتيجة الانتخابات بلسان عربي مبين.
والسؤال الذي أريد طرحه هنا: هل يدرك الإخوان الانحراف الخطير الذي اجتاح جماعتهم؟ وهل هم على استعداد للاعتراف الشجاع برفض المحيط السني لهم؟ وهل آن الأوان لأن يشعروا بمسؤوليتهم الدينية والاجتماعية ويعترفوا بالتقصير تجاه أهلهم؟ وطلب السماح؟ وهل توصل جمهورهم إلى أنهم يسيرون وراء وهمٍ ليس له من المشروع الإسلامي إلا الدعوى؟ وأن لا بد من وجود بديل جذري بكل معنى الجذرية كحل وحيد للوضع البائس الذي وصل إليه الإخوان، وأوصلونا معهم إليه؟
ظواهر الأمور لا تدل على غير المكابرة، والهروب إلى الأمام؛ فآخر تصريحات د. أسامة التكريتي الأمين العام الحالي للحزب: "سيكون لنا دور فاعل ورئيس في العملية السياسية" يثير العجب! ولا يبشر بجديد.

ليست هناك تعليقات: