هكذا تعقد الصفقات المخابراتية وهكذا يجري مبادلة الأفراد بالإفراد، فإيران التي تبذل المال و تقدم الدعم لحماس وغيرها من الحركات والتنظيمات الفلسطينية واللبنانية و العربية الأخرى ليس بدافع الإيمان بالقضية الفلسطينية أو القضايا العربية الأخرى ولكنها تسعى من خلال هذا الدعم للامساك بهذه الأوراق لاستخدامها عند الحاجة. فما أحوج إيران هذه الأيام لورقة تخرجها من الشرنقة التي دخلتها بسبب قضية ملفها النووي خصوصا بعد ان تصاعدت التهديدات الغربية و الإسرائيلية باتخاذ الإجراءات الحازمة ضد طهران و التي بلغت حد التلويح بتوجيه ضربات عسكرية إذا لم يذعن نظام الملالي إيران الى النداءات الدولية ويتوقف عن مواصلة تخصيب اليورانيوم ويبدي التعاون الكامل مع المجتمع الدولي عبر فتح أبواب منشأته النووية ( العلنية منها والسرية ) أمام الوكالة الدولية للطاقة الذرية. والاهم من ذلك ان ما يعانيه النظام من أزمة سياسية داخلية بلغت حد انفجار الشارع الإيراني معيدة الأيام الأولى للثورة ضد الشاه البلهوي، قد دفعت بنظام الملالي للتضحية بأي ثمن من اجل وضع حد لهذه للازمة وتجنب العقوبات المرتقبة من قبل الدول الخمس زائد واحد والتي تضغط ( إسرائيل )على دفع هذه الدول لاتخاذها ضد طهران. وفي هذا الحال ليس أمام النظام الإيراني سوى ان تضحي بأحد أوراقه من اجل التخفيف من الضغط الإسرائيلي من جهة وكسب ثقة لأنصاره وإظهار نفسه بمظهر القوي القادر على الوصول الى معارضيه وخصومه اين ما كانوا، من جهة أخرى.
لذا فان عملية اعتقال زعيم حركة جندالله البلوشستانية "عبد المالك ريغي" التي جرى الإعلان عنها صباح يوم أمس الثلاثاء قد تمت عبر صفقة استخباراتية دولية خسيسة، فالمخابرات الإيرانية اضعف من ان تستطيع اعتقال هذا الرجل الذي تمرس في قتالها لسنوات طويلة واكتسبت حركته مهارات أمنية وعسكرية كبيرة وقوية جدا حيث استطاعت عبر أكثر من سبعة سنوات من الكفاح تلقين النظام الإيراني وقواته الأمنية و الاستخباراتية دروسا لا تنسى أبدا. لقد نفذت حركة جندالله بقيادة عبد المالك ريغي عمليات استخباراتية كثيرة استطاعت من خلالها ان تأسر العديد من ضباط الاستخبارات وعناصر الحرس الثوري الإيراني وقد أعدمت بعضهم وأطلقت سراح بعضهم ضمن صفقة تبادل الأسرى مع النظام الإيراني و ماتزال تحتفظ بعدد آخر منهم. لقد استطاعت حركة جندالله وعبر عملية استخباراتية قبل أشهر من قتل نائب قائد القوات البرية في الحرس الثوري الجنرال شوشتري وأربعون آخرون معه في عملية تفجير فدائية في احد مدن إقليم بلوشستان و قد عجزت الاستخبارات الإيرانية من منعها. فبعد ان خابت كل المحاولات الإيرانية السابقة لاغتيال أو اعتقال زعيم حركة جندالله عبدالمالك ريغي فقد لجأت الى طريقة عقد الصفقات مع أجهزة استخباراتية إقليمية ودولية للإيقاع به، ومن هنا كان لابد عليها من ان تضحي بأحد أوراقها التي أعدتها لمثل هذا الأمر وقد وقع الأخيار على القيادي في حركة حماس الفلسطينية " محمود عبد الرؤوف المبحوح " ليكون الثمن الذي تدفعها مقابل الإيقاع بزعيم "جندالله "عبدالمالك ريغي. وقد سعت إيران ومن اجل إعادة الاعتبار الى أجهزتها الاستخباراتية التي وجهت لها حركة جندالله ضربات لا تنسى أبدا، بأنها هي من اعتقلت عبد المالك ريغي محاولة أظهار العملية وكأنها شبيهة باعتقال زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان من قبل المخابرات التركية فيما الحقيقة ان عبدالمالك ريغي قد تم تسليمه الى إيران من قبل المخابرات الباكستانية التي قامت باعتقاله فجر يوم الأحد 21الشهر الجاري بعد ان تم تحديد موقعه داخل الأراضي الباكستانية على الحدود مع إيران.وإذا أراد احد ان يصدق هذه الرواية التي زعمت أن " ريغي " جرى اعتقاله على متن طائرة كان متجهة من دبي إلى قرغيزستان من خلال أجبار الطائرة على الهبوط في ميناء بندر عباس الواقعة على الخليج العربي، فما عليه إلا ان يقر بشرعية القرصنة الجوية التي كانت قد مارستها إسرائيل وان بشرعية القرصنة البحرية التي تمارسها المليشيات الصومالية ضد ناقلات النفط والسفن التجارية، فإيران قد شهدت على نفسها بأنها قد مارست القرصنة الجوية أسوة بإسرائيل و انها قد بيضت وجه الموساد الإسرائيلي بفعلتها الإرهابية هذه.
لقد كشفت شرطة أمارة دبي لحد الآن عن تفاصيل قليلة من عملية اغتيال المبحوح ومن المؤكد ان لديها الكثير من المعلومات التي مازالت تحتفظ بها لاسيما فيما يخص دور عناصر استخبارات الحرس الثوري الإيراني الذين التقاهم المبحوح في احد مراكز التسوق الكبرى في مدينة دبي وقاموا بتسليمه تذكرة السفر الى الصين وذلك قبل ساعات من مقتله.
فبحسب المعلومات التي المؤكدة ان المبحوح قد دعي من قبل الحرس الثوري الإيراني للذهاب الى الصين للإشراف على نقل شحنة أسلحة كانت استخبارات الحرس الثوري الإيراني زعمت انها قد اشترتها و قررت نقلها عبر احد الشركات النفطية الصينية الى احد الدول العربية الأفريقية ليتم نقلها من هناك الى غزة وقد قامت الاستخبارات الإيرانية باستصدار جواز سفر عراقي لمبحوح صادر من السفارة العراقية في دمشق وطلبت منه التوقف في دبي للقاء عناصر من استخبارات الحرس الثوري ليضعونه في تفاصيل عملية شحنة الأسلحة الموهومة ولكن تبين فيما بعد ان الأمر ماهو إلا عملية استدراج للمبحوح ليذهب ضحية صفقة استخباراتية خسيسة. وهنا تعيدنا الذاكرة إلى عملية اغتيال أمين عام حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الدكتور " فتحي الشقاقي " الذي جرى اغتياله في مالطا عام 1995 على يد الموساد ضمن صفقة إيرانية – إسرائيلية حيث كان الشقاقي قد دخل في خلاف شديد مع السلطات الإيرانية أدى الى إنهاء علاقته بطهران وفي آخر سفرة له الى إيران في شهر رمضان من عام 1415هـ " أي قبل استشهاده بأشهر قليلة"، ففي تلك السفرة التي رافقه فيها مسؤول العلاقات الخارجية في الحركة (عصام الناطور - أبو احمد)، فقد تم احتجاز الشقاقي و رفيقه ببيت شمال في طهران ولم يسمح له بالخروج منه لمدة شهر كامل و قطع عنه جميع وسائل الاتصال ولكن بعد ذلك أفرج عنه و زميله وبعدها عزم على توطيد علاقاته مع ليبيا، و رغم انه قد غادر سوريا بجواز سفر مزور يحمل اسم " إبراهيم الشاويش" وحلق لحيته حتى لا يمكن لأحد من معرفته إلا المقربين منه فقد تم اغتياله بفضل معلومات إيرانية قدمت عبر عميل مزدوج لإيران وإسرائيل كان يعمل في المكتب الإعلامي لحركة الجهاد وقد تم تصفية هذا العميل في لبنان بعد اقل من شهر من مقتل الشقاقي. ولكن هل يتعلم أذيال النظام الإيراني من هذه العبر؟.
إن الأيام سوف تكشف لهؤلاء أنهم ليس أكثر من أوراق بيد النظام الإيراني يضحي بهم كل ما دعته الحاجة الى ذلك و ان اعتقال قائد من قادة النضال الإنساني والقومي لأبناء الشعوب الإيرانية عامة وأبناء الشعب البلوشي خاصة لا يعني ان ذلك نهاية كفاح هذه الشعوب فقد سبق للمخابرات الإيرانية ان اعتقلت و اغتالت قيادات عديدة في الحركة الكردية و الأحوازية و البلوشية ولكن ذلك لم يوقف نضال البلوش والعرب والأكراد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق