2010/03/25

اضطراب نظرية (الخمس) وعدم معقوليتها عند الفقهاء

موقع القادسية - دكتور عدنان الدليمي
إليكم هذه الفضائح العلمية المزرية! اطلعوا عليها، واحكموا بأنفسكم:
ماذا عند الشيخ المفيد (ت 413هـ)؟
وهو أستاذ الشيخ الطوسي الملقب بشيخ الطائفة. جاء في ترجمته في بداية كتاب (الإرشاد) ما يلي: (… خاطبه "إمام العصر" عجل الله فرجه في كتابه الأول: بالاخ السديد والمولى الرشيد، أيها المولى المخلص في ودنا الناصر لنا…الخ. ويقول في الثاني: من عبد الله المرابط في سبيله إلى ملهم الحق ودليله، سلام عليك أيها العبد الصالح الناصر للحق الداعي إليه بكلمة الصدق…الخ)([1]).
وعلق المترجم على هذه الأقوال فقال: (تعرف حينئذ أن من يتخذه "حجة الزمن"(ع) أخاً له ويتعرف له بالصدق في الأقوال والرشد في الأمر هو فوق مستوى البشر بعد الحجج الأطهار)([2]).
يقول الشيخ المفيد أخو الحجة المنتظر:
قد اختلف قوم من أصحابنا في ذلك (أي الخمس) عند (الغيبة) وذهب كل فريق إلى مقال:
¯فمنهم من يسقط اخراجه لغيبة الإمام وما تقدم من الرخص فيه من الأخبار.
¯وبعضهم يوجوب كنزه (أي دفنه) ويتأول خبراً ورد: (ان الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الإمام وانه (ع) إذا قام دله الله على الكنوز فيأخذها من كل مكان).
¯وبعضهم يرى صلة الذرية وفقراء الشيعة على طريق الاستصحاب.
¯وبعضهم يرى عزله لصاحب الأمر، فإن خشي إدراك الموت قبل ظهوره وصى به إلى من يثق به في عقله وديانته حتى يسلم إلى الإمام ان أدرك قيامه، وإلا أوصى به إلى من يقوم مقامه في الثقة والديانة، ثم على هذا الشرط إلى أن يظهر إمام الزمان.
وهذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم؛ لأن الخمس حق لغائب لم يرسم فيه قبل غيبته شيئاً يجب الانتهاء إليه فوجب حفظه إلى وقت إيابه… وان ذهب ذاهب إلى ما ذكرناه من شطر الخمس الذي هو خالص الإمام وجعل الشطر الآخر لأيتام آل محمد وأبناء سبيلهم ومساكينهم على ما جاء في القرآن لم يبعد اصابته الحق في ذلك بل كان على صواب.
وإنما اختلف أصحابنا في هذا الباب لعدم ما يلجأ إليه من صريح الألفاظ، وإنما عدم ذلك لموضع تغليظ المحنة مع إقامة الدليل بمقتضى العقل في الأمر من لزوم الأصول في حفظ التصرف في غير المملوك إلا باذن المالك وحفظ الودائع لأهلها ورد الحقوق)([3]).
لاحظـــوا ..!
أول ما ينبغي ان يلاحظ على ما تقدم من كلام الشيخ المفيد هو أن القول الوحيد المستند إلى الأخبار الواردة عن (الأئمة) من بين كل الاقوال التي استعرضها الشيخ هو القول الأول الذي يسقط إخراج (الخمس).
وأما باقي الأقوال فهي:
¯إما عارية عن الدليل بالكلية. أي الدليل النقلي الذي يمثل قول (الإمام). قد اعترف الشيخ المفيد بذلك صراحة كما جاء في قوله: (إن الخمس حق لغائب لم يرسم فيه قبل غيبته شيئاً يجب الانتهاء إليه)!.
¯وإما مستندة إلى تأويل.
ويلاحظ أيضاً أن الفقيه أو (السيد) لا محل لهما من إعراب هذه الاقوال جميعاً!.
كذلك يلاحظ - كما يعبر أحمد الكاتب - أن المفيد يكشف عن الحيرة في موضوع (الخمس)، والغموض الذي يلفه، ويتحدث عن عدم وجود نصوص صريحة عن (الإمام المهدي) أو غيره عن حكم (الخمس) في (عصر الغيبة)([4]).
وأخيراً أقول: كيف يمكن أن يقال بعدم وجود نصوص صريحة مع انها موجودة في امهات الكتب المعتمدة التي سبقت عصر المفيد، وهو نفسه أشار إليها عند حكايته القول الأول مما يدل على اطلاعه عليها‍‍؟!
شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي (ت 460هـ)
وهو صاحب كتابي (الاستبصار) و(تهذيب الاحكام). وهما اثنان من كتب أربعة عليهما مدار المذهب في الحديث وكذلك هو صاحب كتابين من كتب أربعة عليهما مدار المذهب في (الرجال). جاء في التعريف به في بداية كتاب (النهاية): (إمام الفرقة بعد الأئمة المعصومين، وعماد الشيعة في كل ما يتعلق بالمذهب والدين، شيخ الطائفة على الاطلاق).
يقول الطوسي: (أما في حالة الغيبة فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم من المناكح والمساكن والمتاجر. فأما ما عدا ذلك فلا يجوز لهم التصرف فيه على حال. وما يستحقونه من الأخماس في الكنوز وغيرها فقد اختلف قول اصحابنا فيه، وليس فيه نص معين، إلا أن كل واحد منهم قال قولاً يقتضيه الاحتياط:
¯ فقال بعضهم: انه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر.
¯ وقال قوم: إنه يجب حفظه ما دام الإنسان حياً فإذا حضرته الوفاة وصى به إلى من يثق به من اخوانه المؤمنين ليسلمه إلى صاحب الأمر إذا ظهر، أو يوصي به حسب ما وصى به إلى أن يصل إلى صاحب الأمر.
¯ وقال قوم: يجب دفنه لان الارضين تخرج كنوزها عند قيام القائم.
¯ وقال قوم: يجب ان يقسم الخمس ستة أقسام؛ فثلاثة أخماس للإمام يدفن أو يودع عند من يثق به، والثلاثة الأقسام الأخر يفرق على مستحقيه من أيتام آل محمد (ص) ومساكينهم وأبناء سبيلهم.
وهذا مما ينبغي أن يكون العمل عليه، لأن هذه الثلاثة الأقسام مستحقها ظاهر، وإن كان المتولي لقبضها وتفريقها ليس بظاهر، ولا أحد يقول في الزكاة انه لا يجوز تسليمها إلى مستحقيها.
ولو أن انساناً استعمل الاحتياط وعمل على أحد الأقوال المقدم ذكرها من الدفن أو الوصاة لم يكن مأثوماً)([5]).
لاحظــــــوا ..!
يلاحظ على هذه الفتوى أن الشيخ الطوسي- كشيخه المفيد - لم يذكر الفقهاء قط لا في قبض (الخمس)، ولا تفريقه ولا عند الوصية إلى موثوق، ولا عند الدفن؛ بل صرح أن المتولى لتفريق الخمس ليس بظاهر (أي غائب)، ولو كان يرى أن الفقهاء يتولون ذلك لما قال: (إن المتولي لقبضها وتفريقها ليس بظاهر).
بل ذكر صراحة - عند ذكر الوصية - أن الذي يوصى إليه بـ (الخمس) هو من يثق به صاحب (الخمس) من (إخوانه المؤمنين) ولم يقل (من الفقهاء)!.
ويلاحظ أيضاً أن الشيخين (الطوسي والمفيد) لم يذكرا من بين جميع الاقوال التي ذكراها قولاً واحداً يشير إلى دفع (الخمس) إلى الفقيه أو (السيد)! وهذا يعني اجماع فقهاء المذهب الاقدمين على إغفال ذكرهما وأنهما لم يكونا واردين في حساب أولئك الفقهاء.
وكذلك يلاحظ أن جميع الاقوال لا تستند إلى أي نص عن (الأئمة) سوى القول الأول القاضي بإباحة (الخمس) وسقوط فرضيته.
وإذا رحنا نناقش الفتوى نقاشاً منطقياً عقلياً وواقعياً فإنا نجد أموراً خارجة عن المنطق مثل:
¯ ان يدفن إنسان عاقل خمس أمواله ومكاسبه وأرباحه طيلة حياته!.
أي ان خمس أموال الأمة يذهب طعاما للديدان والتراب! وهو أمر يتنافى مع المعقول ولا شك في ان فاعله سفيه، حقه الحجر.
¯ أو أن يوصي به إلى ثقة وهو أمر خيالي غير واقعي، لا يمكن وجوده أو تحققه إلا تصوراً في الأذهان. وإلا فكيف يمكن ان يوصى بخمس اموال الأمة لتحفظ إلى قيام (المهدي)؟‍‍!.
ان هذا يعني أن تعاقب بضعة أجيال يولد فائضاً من المال يساوي أموال الأمة جميعاً في جيل واحد. وهذا الفائض المتراكم يجب ان يحفظ! فاين؟ وعند من؟ وفي أي مصرف؟‍‍. فكيف وقد مضى على (غيبة المهدي) ألف ومئة عام وأكثر، أي ما يساوي أربعين جيلاً‍‍‍‍‍ فإذا بقي غائباً عشرة آلاف سنة أخرى أو أكثر؟
فهل الفقهاء الذين أفتوا بذلك كانوا يعنون ما يقولون أو يتخيلونه مجرد تخيل؟‍.
ولذلك قال الشيخ حسن الفريد في عصرنا الحالي (ت1417هـ) ناقداً هذه الاقوال ومتأسفاً (كما يعبر أحمد الكاتب): (اختلف الاصحاب فيما يجب أو يجوز أن يصنع بسهم الإمام في عصر الغيبة على أقوال ليتهم لم يقولوا بها ولم ينحطوا بذلك عن شامخ مقامهم، وليت المتأخرين لم ينقلوا هذه الأقوال في مؤلفاتهم، ولعمري إني أجل فقه الشيعة عن نقل مثل القول بالدفن والوصية فيه)([6]).
ونفى الشيخ محمد النجفي (ت1266هـ) وجود أي دليل على القول بالعزل والحفظ والوصية بـ (الخمس) إلى أن يظهر (الإمام المهدي) سوى ما أشار إليه المفيد: من كون الخمس حقاً لغائب لم يأمرنا ما نصنع فيه فيجب حفظه له كما في سائر الأمانات الشرعية)([7]).
فلم يبق- مما يقبله العقل - إلا القول الأول الذي ينص على الإباحة والسقوط، وهو الذي نطقت به الأخبار الواردة عن (الأئمة) بإقرار الفقهاء أنفسهم وعمل بعضهم على أساسه.
وأنا لا أدري على أي فتوى كانت جماهير الشيعة تعمل طيلة القرون التي سبقت الفتوى بوجوب دفع (الخمس) إلى الفقيه. لا بد أن بعضهم عمل بالفتوى القائلة بالوصية، فهل وجد المتأخرون أموالاً مدخرة تراكمت بفعل تحولها من يد (ثقة مأمون) إلى (ثقة مأمون) جيلا بعد جيل؟ وإن لم يجد أحد شيئاً من ذلك فأين صار مصير تلك الأموال التي أوصى بها أصحابها؟!.
22/3/2010

([1]) الإرشاد للمفيد ص6، ونسب المترجم الكتابين إلى كتاب الاحتجاج للطبرسي ص277.
([2]) المصدر السابق.
([3]) المقنعة للشيخ المفيد ص46.
([4]) تطور الفكر السياسي الشيعي من الشورى إلى ولاية الفقيه لأحمد الكاتب ص306.
([5]) النهاية في مجرد الفقه والفتاوى ص200- 201.
([6]) رسالة في الخمس ص83- 86.
([7]) جواهر الكلام ص165.

ليست هناك تعليقات: