2009/04/21

الإخوان والشيعة مرة أخرى

د.محمود غزلان
عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين
نشر الأستاذ يوسف ندا مقالاً على موقع (إخوان أون لاين.نت) منذ حوالي شهرين عنوانه ( نحن والشيعة) ادعى أنه يمثل المستقر في الفكر الإخواني في هذا الموضوع، وكان رد الفعل إزاءه سيئًا إذ رفضه معظم المعلقين عليه في الموقع، كما طلب آخرون منا أن نوضح موقفنا فقمت بالرد عليه ووضحت موقفنا جليًا فتلقاه المعلقون بالقبول والاستحسان وظننت أن الرجل استوعب الدرس وعلم أن التشيع ليست له أرضية في أوساطنا وأنه سينصرف عن هذا الموضوع، إلا أنني فوجئت بأنه زاد في مقاله السابق وأضاف إليه فقرات أشد سوءًا ونشره في صحيفة (المصري اليوم) في 11/4/2009 ثم نشر في موقع (إسلام أون لاين.نت) وعجبت من عدة أمور: الإصرار الغريب على نفس الأفكار، ونسبتها للإخوان المسلمين، وتوقيت نشرها وكأنه يريد بث فتنة في صفوف أهل السنة ولكن قوبل من المعلقين على الموقع برفض أشد وإدانة دامغة، واستغاثة بالإخوان ليوضحوا موقفهم من هذا المقال.
ولما كان المقال يروج للفكر الشيعي ويتعارض مع الفكر السني الذي يعتنقه الإخوان، ونتيجة للبلبة التي أثارها في أوساط أهل السنة ولدى قواعد الإخوان اضطررت اضطرارًا لتبيان الحقيقة، وكنت في ذلك كمن يتجرع المر، فرغم أنني كنت أرى أن وحدة الأمة وخصوصًا في هذا الوقت تقتضي الإعراض عن الخوض في المسائل الخلافية إلا أنه فرض عليّ الكتابة فرضًا عملاً بالقاعدة التي تقول بأنه "لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة إليه".

بعيدا عن الإخوان
أول ملاحظة على مقال الأستاذ ندا أنه مليء بالسباب والشتائم والبذاءات التي أطلقها على كل مخالفيه سواء كانوا من الإخوان أو السلفيين أو العلماء القدامى أوالمحدثين، مثل: أنهم لا يفهمون أو لايريدون أن يفهموا، وأنهم أصحاب الفكر القشري المغالي الانتقائي، وأنهم أصحاب الأفكار المتزمتة والمتشعوذة والموجهة والغالية وأنهم ساروا كالقطيع في خط سمي لهم خط العقيدة، وأنهم يمرون بمرحلة مراهقة دينية، وأنهم يرددون صوت سيدهم الذي أخلى عقولهم وحشى محلها بذور الكراهية والتزمت والفرقة والمغالاة والعمى الفكري والتعالي بقشور العلم والمعرفة، وأنهم يرجعون إلى كتب شيوخ السطان المسيسة والمدنسة، وأنهم يجترون معلومات قاصرة تسمم عقيدتهم وتغير بوصلتهم، وأنهم يؤلفون كتباً مليئة بالافتراءات والأكاذيب والمبالغة في التزييف والاختلاف، وأنهم إما موتورون أو مفتونون أو جاهلون أو إمعات أو سياسيون منتفعون باعوا دينهم ليرضى السلطان، وأنهم حشرات ضارة .....إلى آخر هذا الطوفان الكاسح من البذاءات.
وما كنت أتصور أن يصدر كل هذا السوء من شخص عادي ناهيك عمن يدعي التفكير الإسلامي الإخواني .... إن الإسلام دين أخلاقي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ويقول (ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء)، والإخوان ينتهجون التربية الإسلامية وسيلة للتغيير وعلى رأسها التربية الأخلاقية والأستاذ البنا حينما يقرر صفات الأخ المسلم يضع (متانة الخلق) بعد سلامة العقيدة وصحة العبادة، وحينما يقرر خصائص جماعة الإخوان يؤكد أنها لا تتعرض بالتجريح لا للأشخاص ولا للهيئات. إنني في غاية الحزن من أجل المستوى الأخلاقي لهذا الرجل وحظه من التربية والأدب. وهكذا يتضح من أول وهلة أنه لا يمثل المستقر في الفكر الإخواني ولا السلوك الإخواني ولا حتى الإسلامي العام.
الملاحظة الثانية: أن هذه القسوة البالغة والشدة المنفرة خص بها أهل السنة فقط، وعندما تكلم عن الشيعة حتى وهو يذكر تكفيرهم للصحابة وسبهم لهم وتعرضهم لأعراض أمهات المؤمنين كان رفيقًا رقيقًا لطيفًا ....فيا للعجب.
كما أنه أقام مقاله على التدليس والتلبيس، تلبيس الحق بالباطل، والخطأ بالصواب والادعاءات غير الصحيحة. فأول تلبيس هو زعمه أنه لا يمكن أن يخالف فيما يكتب رأي مكتب الإرشاد، وأن الخلاف فقط هو مع أحدهم ( شخصي الضعيف) بما يوهم أن الباقين جميعاً موافقون له وأنا أقرر له أن جميع أعضاء المكتب يرفضون مقالتيه ويلفظونهما، وأنهم مستاءون منهما أشد الاستياء، فإذا كان فعلاً يلتزم برأي المكتب كما يقول فعليه أن يعلن على الملأ وفي نفس الصحيفة السيارة (المصري اليوم) والموقع المنتشر (إسلام أون لاين.نت) خطأه ومخالفته للمستقر في الفكر الإخواني، وأن الإخوان لا يمكن أن يخرجوا على مذهب أهل السنة والجماعة.
وحتى إذا أصر على رأيه فعليه أن يعلن أنه رأيه الخاص وأنه لا يمثل إلا نفسه ولا يمثل الإخوان فيما يقول.
الخلط بين السنة والشيعة
التلبيس الثاني أنه يذكر جملة من الأصول الصحيحة في مذهب أهل السنة ثم يدس فيها أصولاً شيعية مرفوضة، من ذلك قوله: بأن القداسة لله وحده، وأن باب الاجتهاد مفتوح، وأن الفقه والاختلافات الفقهية صناعة بشرية ويجب احترام الأئمة الذين تصدوا لهذه الصناعة، وكل ذلك مقبول.
ثم يدس السم في عبارة (ومن المستقر في الفكر الذي ربيت عليه في صفوف الإخوان أن علياً كرم الله وجهه كان أصلح وأتقى من معاوية الذي اغتصب الخلافة ثم حول المسلمين إلى أدوات له ثم ملكهم لذريته الفاسدة، وهذا تاريخ ثابت لم يؤرخه الإخوان).
والناظر في هذه الفقرة وما قبلها وما بعدها يلاحظ دون عناء أنها مقحمة من خارج السياق مدسوسة دسًا فيما بينها حتى تمر على القارئ وتنطلي عليه.
الأمر الآخر: أن هذا الكلام السيء يتناقض مع أبجديات فكر أهل السنة ومن ثم يتناقض مع أبجديات الفكر الإخواني.
ويثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن المفكر الإخواني الكبير ـ ادعاء ـ إما أنه لم يقرأ الأصول العشرين التي كتبها الإمام البنا كخلاصة علمه ودراسته وفقهه لكل علوم الشريعة، وإما أنه قرأها وتجاهلها لحاجة في نفسه، فقد جاء في الأصل التاسع ما نصه: (فكل مسألة لا ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نُهينا عنه شرعًا، ومن ذلك كثرة التفريعات للأحكام التي لم تقع، والخوض في معاني الآيات القرآنية الكريمة التي لم يصل إليها العلم بعد، والكلام في المفاضلة بين الصحابة رضوان الله عليهم، وما شجر بينهم من خلاف، ولكلّ منهم فضل صحبته وجزاء نيته، وفي التأويل مندوحة).
وهكذا يتضح أن الرجل يفتري على الإخوان المسلمين ويريد أن يتدثر بعباءتهم ويرفع لواءهم، وهو ينشر الفكر الشيعي وهذا ما يقوله الشيعة. وأنا أقول له: إن أعجبك الفكر الشيعي أو أردت أن تتشيع فهذا شأنك، أما أن تزعم أن هذا هو فكر الإخوان الذى ربيت عليه فقد أعظمت عليهم الفرية.
تلبيس الحقائق
التلبيس الثالث: أنه يحاول أن يوهم أن آراء ابن تيمية وابن القيم في طاعة ولي الأمر إنما تصب في مصلحة أصحاب السلطان الطغاة مغتصبي السلطة.
والذي لا يعلمه سيادته أن هذا الرأي إنما هو رأي عبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، وأسامة بن زيد، وعثمان بن عفان وكثير من العلماء من أهل الحديث، وأيضًا فإن الطاعة في رأيهم ليست مطلقة وإنما تقترن بجملة من المبادئ:
أ‌- أنهم يعترفون بإمامة المتغلب جريًا على القاعدة التي يتبعونها وهي أنه ينبغي احتمال الضرر الأقل في سبيل دفع الضرر الأكثر، فإذا حدث العكس تغير الحكم.
ب‌- أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب ولا يصح أن يُترك الحبل للحاكم على غاربه ولا يُرضى بأعماله كيف كانت، وإنما لا بد أن يدعي إلى الخير ويصد عن الظلم بكل الطرق الممكنة دون قتال (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر).
ت‌- أن الطاعة لا تكون إلا في المعروف، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة).
أما أن الطغاة يستخدمون هذا الرأي بعد قطعه عن سياقه وعن شروطه، فهذا لا يعيب الرأي وإنما يعيب الاستخدام المنحرف، كما يستخدم أي شيء في غير ما وضع له .
الإخوان وحقيقة الشيعة
التلبيس الرابع: أنه ينسب إلى الفكر الإخواني رفضه لطوفان الكتب التي كتبها علماء أهل السنة في الشيعة، وأنها تقول فيهم ما ليس فيهم افتراءً وكذباً ومبالغة في الاختلاق والتزييف، وأن كاتبي هذه الكتب وناشريها إما موتورون أو جاهلون أو إمعات أو سياسيون باعوا دينهم ليرضى السلطان.
والإخوان ـ كما أسلفت ـ قوم أخلاقيون، كما أنهم لا يجرحون أشخاصاً ولا هيئات ناهيك عن علماء أهل السنة الذين هم أئمتهم وعلماؤهم وأساتذتهم، فهم يبرئونهم من كل هذه الصفات الذميمة التي نسبها إليهم الأستاذ ندا ويعتقدون فيهم العلم والتقوى والورع والغيرة على الدين والأمة.
وإمعانًا فى التلبيس فإنه ينسب لنفسه ما يوهم القارئ بأنه خبير عليم بالمذهب الشيعى والإخوان المسلمين معًا، فقد حمل ملف إيران ثلاثين عامًا، وقابل آيات الله العظمى والوزراء وحضر الحسينيات والمحاضرات، وقرأ كتبًا كثيرة لهم ذكر بعضها، وأريد فقط أن أقف عند الكافى ومراجعات الموسوي.
وفى نفس الوقت قضى فى الإخوان ستين عامًا فى كل المستويات التنظيمية والفعاليات العامة والسياسات القطرية والدولية ... إلى آخر سيل المديح الذى كاله لنفسه حتى يقبل القارئ مزاعمه حقائق مسلمة.
فكتاب الكافي الذي يدعي الأستاذ يوسف ندا أنه قرأه لن أنقل منه شيئًا قط حتى لا أوغر صدور أهل السنة فما زلت وسأظل حريصاً على رأب الصدع ووأد الفتنة، ولكني أريد أن أسأله ألم يقف شعر رأسك ويقشعر جلدك وينتفض قلبك وأنت تقرأ ما فيه – إن كنت قرأته حقًا ؟.
وأما كتاب الموسوي فاسمه ( الشيعة والتصحيح ) ومؤلفه هو العلامة الدكتور موسى الموسوي وهو حاصل على الشهادة العليا فى الفقه الإسلامي (الاجتهاد) من النجف الأشرف، وعلى شهادة الدكتوراة فى التشريع الإسلامي من جامعة طهران، وجَدُّه كان أكبر مرجع للشيعه فى زمنه، والرجل ينحو منحىً تصحيحيًا لمذهبه بعد مراجعته فهو ينكر على الشيعة فكرة الإمامة المنصوص عليها من الله، وأن الأئمة معصومون وأن منزلتهم تساوي منزلة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وتفوق منزلة الأنبياء الآخرين، وأن لهم بعض صفات الله كعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون وأن أعمال العباد تُعرض عليهم.
وينكر عليهم تكفير الصحابه وسبهم ولعنهم ولعن السيدة عائشة والسيدة حفصة. وينكر عليهم عقيدة الرجعة، وهى أن الله سيبعث للإمام الغائب عند ظهوره ثلاثة آلاف من حكام المسلمين الذين اغتصبوا الحكم من آل البيت وعلى رأسهم أبو بكر وعمر فيقتلهم جميعًا. وينكر عليهم القول والعمل بالتقية حيث يقول: ( إننى أعتقد جازمًا أنه لا توجد أمة فى العالم أذلت نفسها وأهانتها بقدر ما أذلت الشيعة نفسها فى قبولها لفكرة التقية والعمل بها).
وينكر عليهم ما يفعلونه يوم عاشوراء من شج الرؤوس وتمزيق الجلود وإسالة الدماء فى منظر وحشي همجي مقزز كفيل بتنفير من يراه من الإسلام والمسلمين.
وينكر عليهم استيلاء الأئمة والمراجع على خُمس ما يكسبه الشيعة جميعًا بدون وجه حق، إضافة إلى الزكاة. وينكر عليهم زواج المتعة. وينكر عليهم طلب الحاجات من الأئمة وليس من الله. وينكر عليهم السجود على التربة الحسينية. وينكر عليهم الزعم بتحريف القرآن. وينكر عليهم القول بالبداء ومعناه أن الله – سبحانه – يتغير علمه – حاشاه – فيتغير تبعًا لذلك قضاؤه.. إلى آخر ما ذكره هذا العالم الشيعي المتبحر. فهل هذه كلها افتراءات من هذا العالم على أهل شيعته؟ وهل ما كتبه أهل السنة عنهم يخرج عن هذا كله؟.
وهكذا يتضح أن الأستاذ ندا إما لا يعلم – رغم زعمه العلم – وإما أنه يحيد عما يعلم لغرض ما، وعلى كل الأحوال فإنه لا يمثل لا الإخوان ولا أهل السنة فى مزاعمه.
المواقف السياسية والمذهبية
ويؤكد غزلان على أن هناك خلاف لدى الإخوان بين المواقف السياسية من الشيعة والمذهبية
لقد فرّقتُ في ردي السابق عليه بين أمرين: المواقف السياسية والموقف من المذهب وقلت إن المواقف السياسية تقاس على قيم الحق والحرية والعدل فإن اتفقت المواقف معها أيدناها رضى من رضى وسخط من سخط؛ ولذلك فنحن نؤيد حق إيران فى استقلالها وحرية قرارها، وفى برنامجها النووي، وتصديها للمشروع الغربي ودعمها لحركات المقاومة فى المنطقة، وأدنّا العقوبات الاقتصادية عليها، ونرفض ما يتعارض مع هذه القيم مثل دعم متعصبي الشيعة فى العراق فى حربهم على أهل السنة المستضعفين، وكذلك تصريح المدعو ناطق نوري بأن البحرين جزء من إيران، فهذه كلها مواقف سياسية.
وأما الموقف من المذهب فنحن نميل إلى عدم التعرض له بالمدح أو القدح، وعدم الخوض فى الخلافات بين مذاهب المسلمين حرصًا على وحدة الأمة واستبعاد كل أسباب الشقاق، وعلم الله أننى ما خضت فيما خضت فيه الآن إلا لاستغلال يوسف ندا هذا الموقف وتلبيسه على عموم أهل السنة وتجريحه لعلمائهم ولإخواننا السلفيين ونسبته للإخوان ما هم منه براء.
ثم راح يستنكر تحذيري من أننى لن أسكت فى حال استغلال الآخرين حرصي على وحدة الأمة ورغبتي فى عدم الخوض فى الخلافات بين المذاهب إذا لم يحترموا مشاعرنا ويكفوا عن محاولات نشر التشيع بين أبنائنا، فيقول لي: ( قف من أنت؟ إن الخطأ – حتى لو اعتبر خطأ – لا يبرر الخطأ ) فالرجل لا يعتبر نشر التشيع بيننا خطأ، وهذا واضح من عبارته – حتى لو اعتبر خطأ – أى على سبيل الافتراض، بل يعتبر التوعية والتوضيح هى الخطأ.
هل إذا رأيت شخصًا يدعو أولادي إلى فكر منحرف وقمت بتوعيتهم وتحصينهم أكون مخطئًا؟ الأستاذ ندا يقول: نعم.
والذي يحيرني حتى الآن هو معرفة حل هذا اللغز، لماذا يصر الرجل على هذا الموضوع رغم رفض أغلبية الناس له حينما كتبه أول مرة؟. إنه يقول في رسالة سابقة: ( لم يأتِ قراري الكتابة فى هذا الموضوع من فراغ، بل كانت هناك ضرورات كثيرة فرضته عليَّ ). فما هي هذه الضرورات؟. نسألك الصدق والشفافية أيها الأستاذ الكبير.
----------------
نقلا عن موقع إسلام أون لاين

ليست هناك تعليقات: