2009/04/27

تلاعب إيران بالقضية الفلسطينية

أسامة شحادة [1]
شبكة الراصد الإسلامية
من المتفق عليه أن القضية الفلسطينية رافعة لكل من أراد أن يشتهر ويروج بين الناس من دولة أو حزب أو جماعة أو شخص، فيكفي بعض الشعارات الرنانة أو الحركات الاستعراضية التي تدغدغ العواطف وبعدها تأخذ الشرعية والمصداقية من الجماهير الجاهلة والمندفعة، وعلى أساس هذه القاعدة تعاملت إيران الخميني مع القضية الفلسطينية.
البداية:
تعود علاقة إيران الخميني بالقضية الفلسطينية حين كانت مضطهدة ومطاردة في منتصف السبعينيات فهربت إلى العراق ولبنان حاضنة كل الأحزاب والتنظيمات، وهناك تبنت منظمة التحرير الفلسطينية كوادر الخميني فدربتهم على العمل السياسي والعسكري وسلحتهم ودعمتهم من أموال الثورة الفلسطينية لأنهم أعداء الشاه حليف إسرائيل القوي في معسكراتها بالعراق ولبنان، كما أن المنظمة عملت على فتح الأبواب أمامهم لدى الدول العربية وحصلت لهم على مساعدات مالية منها. وذلك بعد أن سبق للمنظمة أن احتضنت موسي الصدر وقدمت له الدعم والرعاية والسلاح والتدريب، حتى قيل أن أبو عمار هو من اختار اسم حركة أمل لها، وبذلك كان الفلسطينيين متفضلين على شيعة لبنان وثورة الخميني ولم يكن البعد الطائفي موجوداً في حساباتهم في لبنان.
كما أن رفسنجاني بمساعدة من موسي الصدر قام بمقابلة عرفات في بيروت قبل قيام الثورة الإيرانية بغية الإستفادة منها حيث كان رفسنجاني ورفاقه معجبون بنموذج الثورة الفلسطينية[2]
بعد نجاح الثورة:
وحين نجحت ثورة الخميني كان عرفات أول من استقبل في طهران مهنئاً بالانتصار، وفي خطاب لعرفات بطهران تفاخر بأنه درب عشرة آلاف عنصر إيراني في معسكرات فتح وأنه أعطاهم عشرة آلاف كلاشنكوف، ومن ثم قدم عرفات مزيد من السلاح للخميني ودرب الحرس الثوري، وقامت إيران بإعطاء منظمة التحرير الفلسطينية مقر السفارة الإسرائيلية في طهران لتكون سفارة لهم، وعين هاني الحسن سفيراً للمنظمة في طهران وجلال الدين الفارسي سفيراً لإيران لدي المنظمة ومن ثم تولى مصطفي جمران السفارة.
كما تم فتح مركز ثقافي للمنظمة في أصفهان وتعيين مندوب عنها في كل مدن إيران ، وطلبت إيران من المنظمة وعرفات الحصول على تأييد حرب الأهواز للثورة، فذهب عرفات وأحمد الخميني لافتتاح مكتب المنظمة بالأهواز لهذه الغاية.
وسرعان ما ظهرت محاولات ثورة الخميني في محاولة أجنحة الثورة لتوظيف المنظمة في أغراضها الخاصة، فبعد أشهر تم الطلب من المنظمة إقفال مكتب الأهواز، واستمرت المضايقات ليغادر هاني الحسن منصبه هناك، ولم يتحسن الوضع مع السفير الجديد، وحين حاول وفد رفيع من المنظمة التوسط في قضية الرهائن الأمريكان رفض الخميني مقابلتهم رغم أن قطب زادة وزير الخارجية الإيراني أرسل برقية رسمية بالموافقة على الوساطة الفلسطينية. وخاصة مع تصاعد سياسات تصدير الثورة ومحاولة الزج بالمنظمة في ذلك، وبعدها جاءت الحرب مع العراق التي وقفت فيها المنظمة على الحياد فاعتبرت إيران ذلك موقف عدائي تجاهها، وبذلك انتهت العلاقة الودية ودخلت مرحلة الجمود[3].
وعلى الجانب اللبناني لم يكن الحال بأفضل من ذلك، فرغم أن المنظمة هي من أنشأت منظمة أمل ودربتها وسلحتها إلا أن الغدر والخيانة كان جزائها منها، فحين غزت إسرائيل لبنان سنة 1982 لم تشارك أمل بالقتال ضد اليهود سوى بالبيانات، بل بعضهم قام بالترحيب بالجيش الإسرائيلي، [4] وقد فضح ذلك شارون في مذكراته حين قال " لم أرَ يوماً في الشيعة أعداء إسرائيل على المدى البعيد " بل أقترح إهدائهم بعض الأسلحة كبادرة حسن نية!!
وبسبب اختفاء مؤسس أمل موسى الصدر وتزايد النفوذ الإيراني في لبنان وحركة الانشقاق في صفوف أمل، أعلنت حركة أمل سنة 1982مبايعتها للخميني إماما للمسلمين في كل مكان[5] .
وبعد أن غادر الفدائيون الفلسطينيون بيروت عقب الغزو الإسرائيلي، بدأت أمل ونواة حزب الله تسعي للتمدد على حساب السنة اللبنانيين والفلسطينيين، ولم يأت عام 1985 إلا وقد أعدت أمل العدة لمجزرة للفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية ببيروت استمرت شهراً كاملاً كما حدث مع غزة مؤخراً، كانت من الفظاعة والإجرام بمكان كبير شملت القتل والذبح والاغتصاب وغيرها[6] .
وقد صادف وقوع هذه المجازر وجود الأستاذ فهمي هويدي في طهران فكتب لنا عما عايشه: " في يونيو 85 وقتال " أمل " للفلسطينيين في بيروت كان قد بلغ ذروته وبينما تكلم مختلف رموز النظام منتظرى ورفسنجانى وخامنئى، فإن الإمام التزم الصمت. وقيل وقتئذ أنه معتكف في الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان. ولما انتهى الصيام خرج الإمام من اعتكافه وألقى خطاباً في " حسينية جمران" بعد صلاة العيد . وفيما توقع الكثيرون أن يعلن موقفاً تجاه ما يجرى في لبنان، فإن الإمام لم يشر إلى الموضوع من قريب أو بعيد، وكان جل تركيزه في الخطاب على دلالة المظاهرات المؤيدة للحرب مع العراق ، التي خرجت يوم القدس ( آخر جمعة من رمضان ). كنت أحد الذين استمعوا إلى خطبة الإمام في صبيحة ذلك اليوم (20 يونيو) ولم أستطع أن أخفى دهشتي من تجاهله لما يجرى في لبنان ، ليس فقط لأن الفلسطينيين هم ضحيته ولكن لأن الجاني منسوب إلى الشيعة . ونقلت اطباعاتى إلى صديق خبير بالسياسة الإيرانية ، فكان رده أن الإمام له حساباته وتوازناته!!".[7]
أما تصريحات رموز النظام فقال عنها هويدي : " كان خامنئى يعبر بصدق عن موقف الحكومة والأجهزة الرسمية، التي لزمت الصمت طوال خمسة أيام بعد بدء الإعتداء على المخيمات الفلسطينية، ثم بدأت تتحدث عن " وقف القتال" " وتجنب استمرار نزيف الدم " وهو موقف بدا خاضعاً " للحسابات " أكثر منه ملتزماً بالمبادئ . إذ كان واضحاً الدور السوري في دعم أمل فضلاً عن أن تلك الأجهزة وضعت في اعتبارها أن " أمل " هي في النهاية منظمة شيعية "[8].
ومع استمرار اعتداء أمل على المخيمات قام الشيخ أسعد بيوض التميمي وغازي عبد القادر الحسيني بالذهاب إلى إيران في العام 1986م من أجل أن يطلبوا من الخميني أن يتدخل لوقف المجازر التي ترتكبها حركة أمل ضد الفلسطينيين في جنوب لبنان ، ولكن رفض ذلك ، ثم ذهبوا بعد ذلك إلى نائبه ( منتظري ) فأصدر فتوى تستنكر هذه المذابح ، ولكن الخميني غضب على (منتظري) لأنه تجاوزه فكان هذا أحد أسباب عزله من نيابة الخميني[9].
القدس جيش ويوم!!
وكان الخميني قد أعلن عن تأسيس جيش القدس سنة 1980 وأن طريقه للقدس يمر بكربلاء، وهكذا تأخر هذا الجيش عن نصرة القدس لانشغاله بحرب العراق، لكن جيش القدس تحول لفيلق القدس، الذي تمكن رغم حربه للعراق من القيام بعمليات نوعية ضد العديد من الشخصيات والأهداف الإسلامية في أنحاء متفرقة من العالم، فقد قام هذا الفيلق عبر أجنحته المختلفة ومنها أحزاب الله المنتشرة في عدة دول بتفجيرات واغتيالات في مكة والبحرين والكويت ولبنان، وبعد احتلال أمريكا للعراق قام فيلق القدس بالعديد من العمليات ضد السنة العراقيين والفلسطينيين بدلاً من حرب الأمريكان الذين احتلوا العراق بما فيها كربلاء، والآن بعد أن تثبت أقدام إيران في العراق وتقاسمت النفوذ عليه مع أمريكا، بدل من العودة لمواصلة الطريق للقدس يبدو أن هناك أوضاع طارئة تستدعى تغيير وجهته عن القدس للجزر الإماراتية، والقدس لن تضييع وبإمكانها الصبر قليلاً !!
وأعلن الخميني عن يوم عالمي للقدس ليدغدغ عواطف الفلسطينيين والمسلمين بذلك عبر تريد شعارات الموت لأمريكا وإسرائيل، لكن من يموت هم دوماً أعداء الخميني من أهل السنة وأعداء إسرائيل من المجاهدين فقط!!
حركة الجهاد الفلسطينية:
وفي الثمانينات تواصلت إيران مع حركة الجهاد الفلسطينية المغرمة لليوم بالثورة الخمينية حتى أصبحت حركة الجهاد تحسب على إيران والتشيع[10]، وقد قدمت لها الكثير من الوعود والآمال والقليل من الدعم[11]، وهو ما جعل الشقاقي يحاول فتح خطوط دعم من ليبيا بدلا من إيران فلقي مصرعه في قبرص بعد مغادرة ليبيا، كما حدث من قبل لموسى الصدر الذي وصل ليبيا ولم يخرج منها بعد!!
حماس:
ولم ترحب إيران بالعلاقة مع حماس في البداية وحتى سنوات قريبة، لأنها تعلم أن حماس سنية تتبع لجماعة الإخوان وأن حماس لها خلفية سلفية نوعاً ما، وكان هذا الموقف بتحريض من حركة الجهاد رداً على جهود الإخوان في رمي الجهاد بالعمالة لإيران[12] ، وقد حدثني د. بسام العموش السفير الأردني الأسبق في طهران وهو من القيادات السابقة للإخوان عن شكوى مندوب حماس في طهران له من إهمال الإيرانيين له بعكس مندوب الجهاد.
حزب الله:
أما حزب الله الذي أنشأته إيران[13] لمقاومة إسرائيل فقد أثبتت الأيام أنه وسيلة لتنفيذ الأجندة الإيرانية ومصالحها التي لا تحتوى إزالة إسرائيل أو عداء حقيقي، فقد غير الحزب أكثر من مرة نظرته لإسرائيل بحسب معطيات المرحلة، ففي البداية أعلن الحرب على إسرائيل حتى يتبرء من تقاعس وخذلان الشيعة عند غزو إسرائيل عام 82 ، وبعد ذلك أصبح يحصر الصراع في استعادة الأراضي المحتلة ومن ثم جعل الصراع لبنانياً فقط ولا يتعدى الحدود اللبنانية، وقد تبدى هذا في توقفه عن نجدة غزة بالصواريخ المكدسة عنده بزعم حرب إسرائيل وتنصله من الصواريخ التي أطلقت من الجنوب لفك الضغط عن غزة.
كما قام حزب الله بحصار المقاومة السنية والفلسطينية في الجنوب والقضاء عليها، مما دعا الأمين الأسبق للحزب صبحى الطفيلي بوصف الحزب أنه أصبح حارس للحدود.
وقد بدا بشكل واضح في حرب تموز 2006 أن الحزب لا يرغب بحرب حقيقية مع إسرائيل ولذلك تجنب ضرب المصالح الحيوية لإسرائيل رغم زعمه القدرة على ذلك، كما أن إيران ضبطت إيقاع الحرب من خلال إدارتها المباشرة لذلك، والتي نتج عنها احتلال بيروت وتدعيم قوة الحزب في لبنان مع أضعاف الحكومة والسنة بالتحديد[14].
كما أن الفلسطينيين في المخيمات اللبنانية الذين يقاسون أنواع عديدة من البؤس والعوز في ظل القوانين والقوى اللبنانية التي تخشي أن يكون الفلسطينيين سند وعون لسنة لبنان، فإن إيران وأذرعها تمارس أنواع كثيرة من الأذى بحقهم والتضييق عليهم.
ومن أبرز هذه الأمثلة أن حزب الله من أجل فصل ضابط محسوب عليه في المطار قام باحتلال بيروت، وتحدى الجيش اللبناني ولم يحسب له حساب، لكن مخيم نهر البارد والذي أعلن حزب الله " أنه خط أحمر" لكن ثبت " أن المخيم خط أخضر!! " -على حد تعبير الشيخ داعي الإسلام- فتم تدمير وإزالة مخيم نهر البارد وحزب الله يتفرج ويعد القتلى السنة من الفلسطينيين والجيش !!
جيش لبنان الجنوبي:
قد يصدم الكثير من الناس حين يعلم أن غالبية أفراد جيش لبنان الجنوبي أو ما كان يعرف باسم جيش لحد هم من الشيعة، ولذلك حين انسحبت إسرائيل وسيطر حزب الله على الجنوب لم يتم معاقبة أحد من أفراد الجيش العميل، بل قدم نواب حزب الله قانون عفو عنهم حفاظاً على الوحدة الوطنية.
الاستعداد للاعتراف بإسرائيل:
رغم زعم قادة إيران أنهم ضد إسرائيل وأمريكا الشيطان الأكبر إلا أنهم وحين كان الأميركيون يغزون العراق في 2003، قدمت إيران بموافقة المرشد علي خامنئي "اقتراح" لعقد "صفقة كبيرة" لحل النزاع الأميركي ـالإيراني.
جوهر العرض الإيراني: نعترف بإسرائيل ونتنازل عن النووي ونوقف دعم حزب الله، مقابل منحنا الوصاية على الخليج، والاعتراف بنا: قوة إقليمية شرعية.
تضمن الاقتراح عرض إيران إيقاف دعمها للمجموعات الفلسطينية المعارضة، والضغط عليها لإيقاف عملياتها العنيفة ضد المدنيين الإسرائيليين داخل حدود إسرائيل العام 1967،التزام إيران بتحويل حزب الله اللبناني إلى حزب سياسي منخرط بشكل كامل في الإطار اللبناني، قبول إيران بإعلان المبادرة العربية التي طرحت في قمة بيروت عام 2002م، أو ما يسمى طرح الدولتين، وتنص على إقامة دولتين والقبول بعلاقات طبيعية وسلام مع إسرائيل، مقابل انسحاب إسرائيل إلى ما بعد حدود 1967م. [15]
فلسطينيو العراق:
حين تمكنت الميلشيات الشيعية العراقية الموالية لإيران من السيطرة في بغداد لم تتورع عن القيام بمجازر بحق الفلسطينيين في مجمع البلديات هناك مماثل لمجازر أمل بالمخيمات الفلسطينية بلبنان[16]، دون أن تتدخل إيران لوقف هذه المجازر بل كانت بسلاح إيراني ورضي منها، ولذلك اعترف خالد مشعل أن حماس لم تستطع مساعدة فلسطينيي العراق لدى أصدقائها[17]. وللأسف قام ممثل حماس في المجمع باستضافة قوة من مغاوير الداخلية العراقية, على وجبة إفطار رمضاني في مسجد القدس 28/9/2008 في حين أن تلك القوة قامت في وقت سابق باعتقال إمام المسجد [18]!!!.
ومن لم يقتل من فلسطينيي العراق إما بقي تحت سطوة الخوف وعدم الأمان، أو أصبح لاجئ على الحدود أو المنافي البعيدة، ولم تعمل إيران على المساعدة بعودتهم لبيوتهم أسوة بمئات الألوف الإيرانيين الذين جنستهم في العراق بما تملك من نفوذ !! كما أنها لم تعمل تحسين ظروفهم المعيشية حتى ولا في المخيم الحدود السورية التي تملك فيها حظوة كبيرة.
لا يعترفون بالأقصى !!
رغم تشدق إيران بفلسطين والقدس، إلا أن رواياتهم وعقائدهم لا تعترف بالمسجد الأقصى الذي نعرفه! ولذلك ألف أحد أكبار علماء الشيعة العلامة جعفر مرتضى العاملي كتاب بعنوان " المسجد الأقصى أين ؟ " جاء فيه : " لقد تبين لنا عدة حقائق بخصوص المسجد الأقصى والذي يحسم الأمر أنه ليس الذي بفلسطين"!!
وقرر أن المسجد الأقصى هو في السماء !! كما في كتابه " سيرة الرسول الأعظم " الذي لا تزال تصدر أجزائه تباعاً من عشر سنوات والذي حاز على جائزة أفضل كتاب في إيران مما استدعى تكريم الرئيس نجاد له شخصياً !![19]
دعم إيران لحكومة حماس:
وحين فازت حماس بالانتخابات وشكلت الحكومة قامت إيران بلعبة ذكية شرحها أحد موالين حماس بقوله " وكان الموقف الإيراني من الذكاء بمكان أن دعموا ولم يدعموا حكومة حماس؟؟!!
فإيران أعلنت أنها ستدعم الحكومة الفلسطينية بالملايين ولم تسلمها لا يدويا ولا تحويلا، وأعلنت أنها ستتبرع بآلاف السيارات للحكومة وهي تعلم أن عصفورا لا يدخل لفلسطين بلا موافقة إسرائيل، وأعلنت عن تسخير طائرتين للوزراء المسجونين في غزة والضفة الغربية ؟؟.. وبهذا لن يلومهم أحد بالخذلان"[20] .
والأعجب أن إيران أعلنت شهر 4/2006 أنها ستقدم لحكومة لحماس 50 مليون، ولكن بعد أكثر من شهرين صرح منو شهر متقي وزير الخارجية الإيراني أن هذا المبلغ لم يوافق عليه بعد مجلس الشورى الإيراني.[21]
وحصدت إيران الثناء العاطر من الجماهير العاطفية، رغم أن بعض المحللين ينبهون أن " طهران مشهورة ببخلها. فبرغم أن حزب الله اللبناني المحسوب عليها والذي حقق انتصارات في السياسية الخارجية طيلة ربع القرن المنصرم، بدءاً من حرب الرهائن في الثمانينات إلى حرب تحرير الجنوب وانتهاء الآن بدوره كحاجز صاروخي لردع أي هجوم “إسرائيلي” على منشآتها النووية، إلا إنها لا تقدم له سوى 50 أو 75 مليون دولار سنوياً" [22].
خذلان غزة:
وهاهي غزة تتعرض للإبادة والقصف والناس تترقب صواريخ إيران وحزب الله، فيكون الجواب على لسان سعيد جليلي وحسن نصر الله لن نطلق صواريخ على إسرائيل !!
وقد تنازعت سوريا وإيران على بطولة وشرف من الذي ضبط حزب الله حتى لا يطلق الصواريخ، وكأن حزب الله كان في وارد إطلاق صواريخ وقد أعلن حسن نصر الله من أول يوم لن نطلق الصواريخ، لأن ذلك لا يفيد غزة ولا يضر إسرائيل !!
ولكسب عواطف الجمهور قامت إيران بإرسال سفينة تحتوى على أسلحة لغزة وتم ضبطها، وكل عاقل يدرك أن إسرائيل لا تحاصر غزة بحراً الآن بل هي تقصفها ولا يمكن لقارب فلسطيني الخروج للبحر، ولكن لضرورات الإعلام والدعاية لابد من التضحية ببعض البنادق والذخائر.
وبذلك تكون إيران فرضت نفسها بأنها باب للمشاكل لكنها مستعدة لأن تكون مفتاح للحل أيضاً، إذا تم مراعاة مطالبها بالنفوذ والسيطرة في المنطقة، ولذلك وغزة تحت القصف، وإيران تطلق الشعارات والهتافات لفلسطين وتستقبل قادة حماس وتشارك في قمة الدوحة لنصرة غزة، كشف النقاب عن مباحثات ولقاءات استمرت طوال سنة 2008 بين مستشار نجاد الخاص مجتبى هاشمي وبين ويليام بيرى وزير الدفاع إبان إدارة كلينتون، للوصول لصفقة على غرار ما اقترحته إيران في 2003 من الاعتراف بإسرائيل والضغط على المقاومة الفلسطينية!!![23]
ولذلك جاءت نتائج الاستطلاعات في غزة متدنية بخصوص الرضي عن موقف إيران، حيث صوت 58.2 % أنهم غير راضين عن موقف إيران،وأعرب 45.5% عن عدم رضاهم عن حزب الله[24].
تلاعب إيران بالقضية الفلسطينية حقيقة ثابتة:
وكون إيران تستخدم القضية الفلسطينية لمكاسب إيرانية شيعية ليس سراً، هذا أسامة حمدان أحد قادة حماس يقول في مقابلة بالهاتف مع بعض العلماء: "إننا بإذن الله سبحانه وتعالى لا نقبل أن يغير صمود المجاهدين وصبرهم وجهادهم وتضحيتهم في صالح راية غير الراية التي نحمل ونؤمن أن الجهاد تحت لوائها فمن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" .
و يقول أيضاً " ونرجو أن تكون أمتنا معنا في ذلك وأن تبذل الجهد في ذلك إلى جانبنا لا نفرح بأن يقترف هذا النصرَ وأن يقترف هذا الجهاد وهذه التضحيات أحد لا نثق به ولا نعتمد عليه"[25].
أما الدكتور صالح الرقب القيادي البارز في حماس بغزة فيعلن بكل وضوح أن دعوى الشيعة برغبتهم لتحرير القدس وفلسطين " هذه الدعوة المزيّفة، لأن ما يجري على أرض الواقع يُكذب هذه الشعارات التي تعد فقط مطية لكسب تأييد جماهيري، وما يطلقه الإيرانيون في يوم القدس ما هي إلا شعارات وكلمات ثم بعد ذلك ينفض المولد"[26].
ويؤكد على ذلك الكاتب صلاح حميدة الحمساوي بقوله " السياسة الإيرانية في المنطقة في هذه الفترة تقوم على إبقاء التوتر وتصعيده في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين حتى تستنزف القوى المتضررة من التصعيد وتمنعها من التفكير بمهاجمة إيران في هذه المرحلة ، ولذلك فان إنجاح حكومة حماس ليس من ضمن الأجندة الإستراتيجية الإيرانية في المنطقة" [27] .
لماذا لا تنتشر هذه الرؤية؟
ولكن هذه الرؤية الصائبة لحقيقة الموقف الإيراني من قضية فلسطين تلتبس على كثير من المسلمين الخاصة منهم والعامة، لأسباب:
1- أن هذه الرؤية لا يفسح لها المجال للتعبير عن نفسها إلا في مجالات ضيقة ومحدودة وبلغة غير واضحة غالباً بل تكتفي بالتلميح كما في كلام حمدان المتقدم.
2- وأيضاً هذا الكلام يصدر فقط حين يكون المخاطب به هم معارضي مشروع إيران أو في معرض الدفاع عن تهمة ارتباط حماس أو تعاونها مع إيران.
3- كما أن مما يزيد الأمر لبساً هو بعض التصريحات لقيادات من حماس أو جماعة الإخوان التي تضفى على إيران البطولة والمصداقية كما في تصريحات المرشد العام لجماعة الإخوان أو رئيس المكتب السياسي لحركة حماس حين قال لقناة العربية "إيران على الدوام منذ انطلاقة الثورة الإيرانية المظفرة وهي تأخذ مواقف جادة ومواقف كبيرة ومبدئية تجاه القضية الفلسطينية وفي مواجهة المشروع الصهيوني"[28]
خالد مشعل: خطة جديدة بمعنى جديدة لا أعتقد، لكن كما قلت أنا أعتبر السياسة الإيرانية تجاه القضية الفلسطينية هي سياسة مستمرة، امتداد لنهج متعارف عليه معتمد رسمياً وشعبياً في إيران، ونحن نقدر هذا ونثمنه عالياً، ونحن منسجمون في تأكيدنا على الحق الفلسطيني على حق المقاومة في رفض إعطاء الشرعية للكيان الصهيوني، وإذا كانت إيران تقف مع الحق الفلسطيني فالفلسطينيون بكل فصائلهم يقفون مع إيران وحقها والدفاع عن نفسها، ونحن وإياهم في خندق واحد أمام المطامع الأجنبية، وأمام التهديدات والاعتداءات سواء الصهيونية أو الأميركية." رغم أن السؤال كان هل تبلغتم عن خطة جديدة لإيران في الموضوع الفلسطيني بعد تصريحات نجاد بإزالة إسرائيل وعودتها إلى أوربا، مما جعل المذيع يعيد السؤال ليجد نفس الجواب وزيادة " المذيع : هذا يدفعنا إلى السؤال عما إذا كنتم قد تبلغتم خطة إيرانية جديدة في الموضوع الفلسطيني!
4- وتقوم إيران بإطلاق تصريحات كاذبة على لسان قادة حماس لتظهر أنها المتولية لشؤون حماس أو لنفي طائفيتها بدعم حركة سنية، حيث نشرت صحيفة كيهان الإيرانية[29] إن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل قدم تقريرًا حول حرب غزة، لولي أمر المسلمين، مما اضطر حركة حماس لتوضيح أن ذلك ديباجة خاصة بالصحف الإيرانية[30]، وهذا قد تكرر من قبل حين نسبت المواقع الإيرانية عن مشعل قوله " أن حماس هي الابن الروحي للإمام الخميني " وهو مما يستبعد صدوره من مشعل ولم تنفه حماس !! رغم أنه قد زل بقوله " الشيعة والسنة في خندق واحد " وإهداء النصر لإيران وجعلهم شركاء في النصر!!
5- كما أن من سياسة إيران القيام بحملات إعلامية لزيارات قادة حماس لها ونقل صور قادة حماس في زيارة قبر الخميني والقيام بالصلاة معاً لترويج الوحدة المزعومة والكسب من شعبية حماس، وخاصة بعد التعاطف والتضامن الإسلامي الرائع مع غزة وحماس.
وبذلك تكون إيران قد حققت مطلبها من زعم دعم القضية الفلسطينية !!
المطلوب من حماس :
يجب الإقرار بوجود نشاط للتشيع في غزة بخلاف تصريحات بعض قادة حماس مثل الزهار وأسامة حمدان، ويكفينا كلام د. صالح الرقب حول سبب تأليفه لكتاب " الوشيعة في كشف شنائع وضلالات الشيعة " وذلك قبل سنة 2000م ، هو " ما لوحظ من زيادة نشاط الدعوة للشيعة الإثني عشرية في الآونة الأخيرة على مستوى قطاع غزة خاصة "[31] ،وقوله أيضاً " ومما يؤسف له أنه تولى طباعة الصحيفة السجادية وتوزيعها في قطاع غزة بعض الجهلة المغرر بهم ، وأطلقوا عليها " الطبعة الفلسطينية " وكتب أحدهم مقدمة لها غالى في مدحها وتعظيمها "[32] .
ومن الممارسات التي تجرى على الأرض في غزة بالتحديد لنشر للتشيع بشكل مكثف ما يلي:
* نشرت صحيفة الاستقلال - التابعة لحركة الجهاد الإسلامي – بتاريخ 11/ 1/2007م ، مقالا خطيراً فيه لمز وتعريض بالصحابي الجليل أبي سفيان ، وقد تكرر منها ذلك، وما تبثه إذاعة صوت القدس التابعة للجهاد من أفكار تشجع على التشيع .
* إرسال بعض الجرحى للعلاج في إيران ويتم الضغط عليهم للتشيع .
* تأسيس بعض الجمعيات التي تباشر التبشير الشيعي مثل :
1- جمعية الإحسان الخيرية مقرها الرئيس في مدينة غزة ولها فروع في كافة أنحاء القطاع.
2. جمعية غدير ، ومقرها في بيت لاهيا في شمال قطاع غزة .
3. جمعية رياض الصالحين مقرها في مدينة غزة.
4. جمعية أرض الرباط مقرها أيضاً في مدينة غزة .
5. جمعية آل البيت .
ولهذه الجمعيات أنشطة بين طلبة الجامعات وتقوم بترتيب دورات في داخل البيوت للترويج للفكر الشيعي .
* الإعلان عن بداية تأسيس جامعة تحمل اسم جامعة آل البيت.
* توزيع مطويات شيعية بمناسبة عاشوراء.
* أما في محافظة بيت لحم فتم إنشاء اتحاد الشباب الإسلامي وبعض المؤسسات التي تنشر التشيع .
هذا أبرز مظاهر التشيع في فلسطين ولأن حماس هي المسيطرة على غزة اليوم ولأن حماس هي الجهة التي تحاول إيران استغلال شعبيتها ومصداقيتها لخداع المسلمين فإن على حماس مسؤولية وقاية المسلمين في غزة وخارجها من الانخداع بأحابيل إيران أو الظن أن دعم إيران لحماس هو بدافع الولاء الإسلامي، من خلال ما يلي:
في الخارج:
1- على حماس أن تكون أكثر حرصاً في تصريحاتها وخطاباتها وخاصة خالد مشعل، فلا يطلق المدح والثناء العلني لإيران بل ليكن في المجالس الخاصة وليس أمام وسائل الإعلام، فحماس تتلقى الدعم من أطراف عديدة ولم يطلب منها أحد شكراً علنياً فلماذا إيران دون غيرها ؟؟ كما أن هذه التصريحات والزيارات والصور التذكارية عند قبر الخميني وصلاة الجمعة، يتم ترويجها عند كثير من بسطاء المسلمين على أنها تزكية من مجاهدي فلسطين لإيران والخميني والشيعة، وأن منهج التقارب مع الشيعة هو منهج صحيح، كما أن هذه الصور – خاصة صلاة قيادات حماس مع الشيعة- تخالف قناعات حماس بضلال الشيعة وخطأ التقارب معهم، وهذه ما كان يعلنه الشيخ أحمد ياسين والدكتور نزار ريان رحمهما الله.
2- يجب على حماس تكذيب أي خبر إيراني غير صحيح حول علاقتها بإيران علناً، والإعلان عن أن أي تصريح لا ينشر في موقع الحركة أو ما تعلنه هي غير صحيح، لنسحب البساط من أيدي الإيرانيين من استغلال اسم حماس لمصالحهم الطائفية، كما حدث في تصريح " مشعل يقدم تقريره لولي أمر المسلمين" وقبله ما نسبته وكالة مهر الإيرانية لمشعل قوله " حماس الابن الروحي للخميني".
3- على حماس توضيح حقيقة " العلاقة الإستراتيجية مع إيران " بشكل معلن عبر وثيقة أو حوار أو ما شابه ذلك، وليس فقط في المجالس الخاصة للمعارضين للمشروع الإيراني!!
4- يجب على حماس تبني قضايا الفلسطينيين في الخارج بشكل قوي وصريح بخلاف ما جرى في حق مجازر فلسطينيي العراق، من عدم تسمية المجرم باسمه.
5- لا يجوز السكوت عن ما يجرى في المخيمات الفلسطينية في الشتات من تشييع أو تضييق من قبل القوى الشيعية وغيرها.
6- يجب على حماس الشجب العلني لأي ممارسات إيرانية تمس المصالح الحيوية للدول العربية، كما في مطالبات إيران بالبحرين أو جزر الإمارات وغيرها، وبيان أن هذا لا يصب في صالح القضية الفلسطينية، فتغاضي حماس عن مثل هذه التصرفات يولد الشك والريبة في قلوب الأطراف العربية، وعدم التأني في بعض التصريحات ضر حماس والقضية الفلسطينية كما في تصريح أبو مرزوق بخصوص جزر الإمارات والذي تراجع عنه وصححه فيما بعد.
أما في الداخل :
1- على حماس العمل على تعزيز التحصين ضد التشيع، من خلال التركيز على بث وتثبيت عقيدة أهل السنة، والتحذير من خطر البدع والشرك، وتعزيز مكانة أمهات المؤمنين والصحابة، من خلال أجهزة الإعلام التي تملكها ومنابر المساجد والمناهج المدرسية والحركية.
2- التعامل بجدية أكثر مع ظواهر التشيع في أماكن سلطتها، من خطب ومحاضرات ومقالات ومنشورات تروج وتحث على التشيع.
3- إبطال نشاطات التشييع التي تقوم بها حركة الجهاد عبر مؤسساتها الدعوية والإغاثية، ولا يقتصر الحزم معهم في قضايا النفوذ والسلطة!!
4- عدم منع من يعملون على إفشال المشروع الشيعي في غزة وفلسطين، أسوة بعدم منع بقية الفصائل من العمل مع تبنيها لمشاريع وتوجهات مخالفة لحماس، وبعضها للإسلام نفسه، فلماذا تستطيع حماس استيعاب نشاط العلمانيين والرافضة وتعجز عن استيعاب نشاط بعض الإسلاميين من مخالفيهم!!
-------------------------------------------------------
[1] - باحث وكاتب أردني.
[2] - ( حياتي ) رفسنجاني ص 171.
[3] - ( الحرب المشتركة إيران وإسرائيل ) حسين علي هاشمي ص 49.
[4] - أ ثبت ذلك د. مسعود أسد اللهي الباحث الإيراني في رسالته للدكتوراة من جامعة الإمام الصادق بطهران، والحائزة على جائزة وزارة الإعلام الإيرانية لأحسن أطروحة دكتوراة سنة 2000، والتي نشرت بالعربية بعنوان " الإسلاميون في مجتمع تعددي " ص 109، 131، 138.
[5] - ( أمل والمخيمات الفلسطينية ) عبد الله الغريب، ص 182.
[6] - المرجع السابق 69.
[7] - ( إيران من الداخل) فهمي هويدي ، ص 404.
[8] - نفس المصدر 403.
[9] - (ماذا يجري في لبنان) محمد أسعد بيوض ، موقع مفكرة الإسلام، 20/9/2006 م.
[10] - انظر دراسة ( حركة الجهاد والهوى الشيعي الإيراني ) لكاتب هذه السطور.
[11] - ( موسوعة الحركات والأحزاب الإسلامية )تحرير فيصل دراج وجمال باروت ، 2/251 .
[12] - ( دراسة في الفكر السياسي لحركة المقاومة حماس) تحرير جواد الحمد وإياد البرغوثي إصدار مركز الشرق الأوسط المقرب من حماس ص 276 .
[13] - يكفي لإثبات هذا الأمر وجود إيرانيان في قيادة الحزب بشكل غير معلن . ( حزب الله ) غسان عزي ص 34 .
[14] - لمزيد من التفاصيل انظر ( حزب الله تحت المجهر ) لعلي باكير على موقع الراصد نت.
[15]- ( القصة الكاملة للعرض الإيراني السري) ، لعلي باكير في مدونته على مكتوب.
[16] - رصد تفاصيل هذه المجازر كتاب وموقف ( فلسطينيو العراق ).
[17] - مجلة "البيان" عدد 246 – 2/2008.
[18] - (حماس والتشيع السياسي (قراءة في الخطاب)) أحمد عبد العزيز موقع القلم .
[19] - راجع كتاب " الشيعة والمسجد الأقصى " لطارق حجازي، على شبكة الانترنت.
[20] مقال (الموقف الإيراني من حزب الله وحركة حماس) لصلاح الدين حميدة. على شبكة فلسطين للحوار.
[21]- رويترز 9/7/2006.
[22] - (مقال حماس" وإيران و"الجهاد المالي" ) لسعد محيو صحيفة الخليج 23/2/2006.
[23] - الوطن العربي 11/2/2009 .
[24] - استطلاع رقم 67 يناير 2009 نفذه مركز القدس للإعلام والاتصال بالقدس.
[25] - موقع المسلم 15/1/1430 هـ.
[26] - (حماس والتشيع السياسي (قراءة في الخطاب)) أحمد عبد العزيز موقع القلم .
[27] - مقال (الموقف الإيراني من حزب الله وحركة حماس) لصلاح الدين حميدة. على شبكة فلسطين للحوار.
[28] - العربية نت برنامج ضيف وحوار 23/12/2005
[29] - بتاريخ 2-2-2009.
[30] - العربية نت 2/20/2009.
[31]- ص 3 .
[32] - ص 63.

ليست هناك تعليقات: