2009/06/29

6- بعبع تحت السيطرة ... د. راغب السرجاني

قلما تجد صحيفة عربية أو عالمية، وكذلك قلما تجد نشرة أخبار عربية أو عالمية، إلا وقد نقلت خبرًا بخصوص تهديد أمريكا لإيران، واحتمالية أن تتجه أمريكا لحرب إيران عسكريًّا نتيجة للنشاط النووي البارز الذي تقوم به هذه الدولة "المارقة" بحسب توصيف الرئيس الأمريكي جورج بوش..

ويتساءل الكثيرون: هل يمكن - فعلاً - لأمريكا أن تفتح جبهة جديدة للحرب ضد إيران؟ وهل خطورة النشاط النووي الإيراني ستدفع أمريكا إلى تكرار تجربة العراق؟ وهل المصلحة الأمريكية في العالم الآن تستلزم هذه الخطوة الخطيرة؟

كلها تساؤلات تجعل العالم يتابع باهتمام هذه القضية الحساسة..

والذي يبدو لي في هذه المسألة أن احتمال ضرب أمريكا لإيران بعيد جدًا، بل لعله غير وارد بالمرة!

فأوّلاً: أمريكا لم تصل إلى هذه الدرجة من الغباء حتى تفتح على نفسها جبهة جديدة في إيران؛ فالواضح أن الجيوش الأمريكية قد دخلت في مستنقع العراق، ووجدت ما لم تكن تتوقعه من المشاكل، وتعرضت لما خرج عن حساباتها من الخسائر، والكثير من الشعب الأمريكي يطالب بسحب القوات من العراق، كما يتنافس الآن المرشحان الأمريكيان أوباما وماكين على وسيلة إنهاء المشكلة العراقية.

وثانيًا: فإن أمريكا تعلم أن ضرب إيران قد يُوَحِّدُ السنة والشيعة – على الأقل سياسيًّا - في قضية واحدة هي الحرب ضد الأمريكان، وقد يتوقف مسلسل ذبح الشيعة لسنة العراق، وهذا قد يُتْعِبُ الأمريكان كثيرًا؛ لأن المقاومة الحقيقية في العراق هي مقاومة سنية، وقد ترفع إيران يدها عن مساعدة شيعة العراق، مِمّا يُرَجِّحُ كفة السنة هناك، وهذا لا شَكَّ سيؤثر سلبًا على الوجود الأمريكي.

ثالثًا: تجربة أمريكا الوحيدة في إيران سنة 1980 لتحرير الدبلوماسيين الأمريكان المحتجزين من قبل شباب الثورة الإيرانية، كانت تجربة سلبيّة، وفقدت فيها أمريكا جنودًا وطائرات وموقفًا سياسيًّا، وطبيعة إيران الجبلية والصحراوية قد تُصَعِّبُ على أمريكا أخذ قرار عسكري ضد هذا البلد.

ورابعًا: ليس من السهل أن تأخذ دولة قرارًا بمهاجمة دولة نووية، وأمريكا تعلم أن النشاط النووي الإيراني ليس وهميًّا كالذي كانت تتهم به العراق؛ ومن ثم فضرب

الصواريخ البالستية الإيرانية

هذا البلد لا بُدَّ أن يحمل خطورة وصول رأس نووي إلى مكان حساس بالنسبة لأمريكا، ولا ننسى أن قطر تحوي أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في الشرق الأوسط، كما أن اليهود في فلسطين ليسوا بعيدين عن إيران، ناهيك عن التواجد الأمريكي المكثف في العراق والكويت.

وخامسًا: إن التاريخ الحديث والقديم لم يحمل أي خطورة لدولة شيعية على الدول غير المسلمة المحاربة للمسلمين، وليس من المعتاد أن تُكَشِّرَ هذه الدول أنيابها في وجه هؤلاء المعتدين، إلا إذا تعرضوا لها شخصيًّا حيث يصبح القتال من أجل البقاء، وعادة من تُبْقِى هذه الدول الشيعية قوّتها لحرب الدول السنية المجاورة!

فالدولة البويهية الشيعية لم تحارب الدولة البيزنطية النصرانية القريبة، إنما حاربت الخلافة العباسية السنيّة.

والدولة العبيدية الشيعية (المسماة بالفاطمية)، لم تحارب الصليبيين في شمال الأندلس، بل تعاونت معهم لحرب دولة عبد الرحمن الناصر السنية في جنوب الأندلس.

والدولة العبيدية الشيعية في مصر لم تحارب الصليبيين عند غزوهم للشام وفلسطين، بل عرضت عليهم التعاون لضرب السلاجقة السنة في هذه المناطق، وعرضت عليهم تقسيم هذه المناطق السنية بينهم.

والدولة الصفوية الشيعية لم تحارب فرنسا وانجلترا وروسيا، بل حاربت الدولة العثمانية السنية.

والدولة الإيرانية الشيعية لم تحارب روسيا الملحدة بل كانت تخطف المجاهدين الأفغان، ولم تحارب أمريكا أو اليهود بل حاربت العراق ثمان سنوات..

كل هذا التاريخ يُرَجِّحُ أن إيران لن تتطوع بحرب ضد اليهود أو الأمريكان إلا إذا حدث غزو لأرضها فهنا ستظهر المخالب دفاعًا عن الرقعة التي يسيطرون عليها، تمامًا كما حدث من حزب الله الشيعي عند احتلال جنوب لبنان..

وسادسًا: رأينا منذ عدة شهور أن أحمدي نجاد الرئيس الإيراني عندما زار العراق فإنه زارها تحت حماية أمريكية! مما يؤكد أن العلاقات ليست بالسوء الذي تصفه وسائل الإعلام..

إذا كان الأمر كذلك فلماذا إذن التضخيم من شأن النشاط النووي الإيراني والتهويش الدائم بضربها؟!

إن هذا لا يحمل في تخيلي إلا معنى واحدًا، وهو أن أمريكا تريد أن تصنع من إيران "بعبعًا" جديدًا يُخَوِّفُ المنطقة بكاملها؛ بحيث يصبح الوجود الأمريكي في العراق والخليج مُبَرَّرًا؛ أي أن إيران ستقوم بالدور الذي كان يقوم به صدام حسين قبل ذلك، حيث حرصت أمريكا على إبقائه في مكانه دون أذى ثلاثة عشر عامًا كاملة، حتى يقبل الجميع بوجود الحامي الكريم (أمريكا) لتحفظ البلاد الإسلامية من شرور صدام! ثم انتهى دور صدام، وضعفت قوته إلى الدرجة التي لم يعد فيها مُخِيفًا لغيره، فكانت تمثيلية أسلحة الدمار الشامل ثم القضاء عليه واحتلال العراق، ولم يجد أحد أسلحة دمار شامل ولا غير شامل لكن الناس تنسى بسرعة، والآن تحتاج أمريكا إلى "بُعْبُع" جديد تُبْقِيه تحت السيطرة، فلا يؤذي أحدًا، ولا تنمو له مخالب، ولا يتطوع بهجوم أو تهور، ولم تجد أمريكا أفضل لهذا الدور من إيران؛ ولذلك قادت هذه الحملة الإعلامية المنظّمة..

وقد ينتهي دور إيران بعد عدة سنوات، لتبحث أمريكا عن بُعْبُع جديد، ولن تنتهي هذه اللعبة السخيفة إلا عندما يصبح المسلمون قادرين على الدفاع عن أنفسهم ضد أي بُعْبُع في المنطقة سواء كان إيرانيًّا أو أمريكيًّا أو يهوديًّا أو حتى من الفضاء الخارجي!!

ونسأل الله عز وجل أن يعز الإسلام والمسلمين..

ليست هناك تعليقات: