2011/03/15

قرآءة في الحالة البحرينية

صلاح الدين يوسف 11 مارس 2011
حصلت الثورات العربية الأخيرة في مشهد قل نظيره في كل الثورات السابقة في العالم، بل كانت ثورات من نوع فريد تخللته العديد من المشاهد التي لايخطئها متابع، ولم تقصر القنوات الفضائية وعلى رأسها الجزيرة من بث كل ما يحدث حتى صار المواطن العربي من الشرق إلى الغرب يعرف تفاصيل الأحداث وكأنه جزء منها وفق الزاوية التي تنظر منها قناة الجزيرة والقنوات الأخرى، فكما هو معلوم لكل قناة أو إذاعة أجندتها الخاصة بها والتي لابد أن تعطي لونا أو نكهة على طروحاتها.

فلو أسقطنا الضوء على ثورتي تونس ومصر كثورات انتهت من مرحلة إزاحة الطغاة وانتقلت لمراحل أخرى سنجد مجموعة من المشاهد التي رافقت الثورات في مرحلته الأولى أنها كانت ثورات سلمية لم يتعرض فيها شباب الثورة على الشرطة، ولم يحملوا فيها أي أسلحة بيضاء وحمراء، ولم يسرقوا أو ينهبوا، ولم يروعوا السكان أو يجبروا أحدا على الخروج والمشاركة معهم، ولم يجبروا أصحاب المحلات التجارية على غلق محلاتهم بالقوة والتهديد.
بل التحم شباب الثورة بشعوبهم، وكانت خطاباتهم جامعة وغير مفرقة، ومطالبهم كذلك مطالب بالحقوق دون التعدي على بعض مكونات الشعب، ولم يكن فيها أي مطالب عنصرية أو إقصائية، والأهم أن هذه الثورات لم تكن بتأثير خارجي له أطماعه وأجندته التي يريد فرضها على أرض الواقع.
لهذا فقد استطاعت ثورت الشباب التونسي والمصري أن توحد الشعب بالكامل تحت راية واحدة ضمت المسلم وغير الملسم، وضمت الإسلامي والعلماني واليساري، فكانت بحق مفخرة من المفاخر.

كل العوامل السابقة كانت سببا في إصابة الهدف، وفي تحقيق خطوات جبارة وبناءة في جدار عزة وكرامة هذه الشعوب المكلومة، ويكفي أنها حققت وقف الهدر في مقدرت وثروات الشعوب التي بلغت المليارات، والأهم من ذلك وقف هدر كرامة المواطن العربي الذي عاش سنوات طويلة يسير بالقرب من جدار الإهانة ويقول يارب الستر!!



ويبدو أن البعض قد تابع الثورات النبيلة ليقرأها بطريقته الخاصة وبأهدافه غير النبيلة لينتهج منهجية "كلمة حق أريد بها باطل" محاولاً ركوب موجة التغيير في المنطقة من خلال محاولة محاكاة الثورات القائمة خصوصاً وأن هوى المواطن العربي اليوم ثوري، فتابعنا في الفترة السابقة ما يسمى بثورة 14 فبراير في البحرين، وقد كانت في الحقيقة محاولة محاكاة فعلية لما حدث في تونس ومصر، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يقنعوا الشارع البحريني بنبالة أهدافهم لأسباب عديدة منها:

1. أن بعض مطالبهم كانت طائفية كالحديث عن "التجنيس" والذي لايتكلمون فيه عن المتجنسين من أصول فارسية أو من المحمرة العراقية أو القطيف والأحساء السعودية لأن هؤلاء كلهم شيعة، بل يتكلمون فقط عن المتجنسين من أهل السنة والجماعة!! أو المطلب بإطلاق سراح من يسمونهم بالمسجونيين السياسيين، الذي غالبهم سجناء في قضايا حرق سيارات وإشعال إطارات في الشوارع وبعضهم كانت عليه تهم جنائية بإعداد متفجرات!!
2. قيام بعض المحطات الطائفية ( العالم والمنار وآل البيت) بتغطية هذه "الثورة"، وتبني خطاب طائفي صارخ حتى قام المرجع الشيعي المدرسي بتكفير قيادات البحرين، ووصف الشرطة بأنهم جنود يزيد، وأن المعركة في البحرين بين أتباع الحسين وأتباع يزيد!!
3. تصدر هذه "الثورة" قيادات شيعة تتبنى الخطاب الطائفي المقيت، والخطاب الإقصائي والتصعيدي، وخطاب الاستقواء بإيران حتى أعلن المدعو حسن مشيمع عبر قناة المنار بشكل صريح أنه مدعوم من إيران وأنه لايستحي من هذا الأمر!! وهذا نفسه قد أعلن يوم الخميس 10مارس عن قيام الجمهورية الإسلامية البحرينية!!
4. كذلك لابد من الإشارة إلى أن خبرة الشارع البحريني بالتحركات الشيعية السابقة لايمكن نسيانها، حيث أنها كانت جميعها يغيب عنها الطابع الوطني حيث تتواجد أعلام إيران وحزب الله والقيادات الإيرانية والشيعية، وكانت ذات طابع عنيف حيث يتم حرق الإطارات وإغلاق الطرقات، ووصل الأمر لحرق أحد العمال الأسيويين على مدخل قرية المعامير في 2009، ومن قبله تم حرق شرطي داخل سيارته!!

كل هذه الأسباب وغيرها أدى لكون هذه "الثورة" خاصة بفئة صغيرة لاتمثل في بدايتها حتى الشارع الشيعي بأكمله عوضا عن الشارع السني، حيث أعلنت جمعية الوفاق الشيعية وهي أكبر تكتل شيعي في البحرين في بداية "الثورة" أنها غير معنية بها.

وبعد قيام "الثورة" في 14 فبراير راهن القائمون على تشابهها بالحالتين التونسية والمصرية إلا أن تتابع الأحداث في البحرين كان مغايرا تماماً عما حدث في تونس ومصر مما أصاب القائمين على مايسمى ثورة 14 فبراير بارتباك ومن ثم ارتجال ردات الفعل حتى وصل الأمر بهم للوقوع في تصوير مجموعة من التمثيليات التراجيدية باستخدام مشاهد مفبركة ودماء في أكياس، بل وحتى الاستعانة بصور لضحايا في دول أخرى على أنها مشاهد من البحرين!!
فما حصل في البحرين بعكس الثورات الأخرى التي كان فيها التحرك يأتي بشكل تصاعدي ومتأزم أكبر، في حين أن البحرين حصلت الأحداث مع الحكومة بشكل تنازلي فقد طالبت المعارضة بمطالبات منها سحب قوات الجيش للدخول في حوار، فقامت الحكومة بسحب الجيش مباشرة، وإعلان يوم حداد على الضحايا الذين سقطوا نتيجة الأحداث، وإطلاق سراح مايسمى بالمساجين السياسيين، وشمل هذا العفو بعض قيادات المعارضة الريديكالية ذات النفس الطائفي في الخارج والذين أحدهم هرب من البحرين بسبب قضايا أخلاقية "دعارة"!!


فلما كانت التحركات لاتخدم من يسمون بثوار 14فبراير تحركوا باتجاه آخر وهو إشعال الفتنة الطائفية في الشارع البحريني من خلال ممارسات غير أخلاقية وكانت هذه التحركات على أربعة أشكال:

1. تسييس التعليم: من خلال شل حركة المدارس، ومن خلال إخراج الطلاب من المدارس حتى الابتدائية والإعدادية لعمل مسيرات سياسية يرددون فيها شعارات إسقاط النظام، وهم لايدركون ما يقولونه، بل ووصل الأمر لمنحنى خطير عندما تم الاعتداء على طالبات سنيات من قبل معلمات شيعيات، وحدث اعتداء حتى على المعلمات السنيات من قبل طالبات شيعيات!!
2. تسييس الصحة: وقد كان هذا التحرك من أبشع التحركات التي تمت والتي تعد جريمة في حق الإنسانية، حيث حصلت اعتصامات –ولازال- بالقرب من مجمع السلمانية الطبي المستشفى الأكبر في البحرين، ورفض بعض الأطباء معالجة أبناء السنة والجماعة!!
3. الاعتداء على بعض الأحياء السنية كما حصل في:
* مدينة حمد: بعد أن قام بعض الشيعة بتتبع فتاة وإزالة حجابها مما أدى لتدخل أهل الحي ومن ثم قدوم شيعة من مناطقهم محملين بالسيوف ومهاجمة أهل الحي الذين دافعوا عن أنفسهم ببسالة.
* منطقة البسيتين: بعد أن حاول مجموعة من الشباب الشيعة الاعتداء على فتاة بالقرب من بيتها بحجة أنها قامت بدهس مجموعة من المتظاهرين الشيعة بالقرب من منطقة المرفأ المالي، والحقيقة بأن هؤلاء المتظاهرين الشيعة هجموا على سياراتها لأنها تحمل صور قادة البلاد، وبعد أن تجمع أهل المنطقة عليهم قام هؤلاء المعتدين بدهس اثنان من الشباب المدافعين عن الفتاة، وتم القبض على المعتدين وتبين أن منهم من أطلق سراحه في العفو الأخير عن مايسمى بالمسجونين السياسيين!! والغريب أن قناة العالم الشيعية قامت بنشر صورة الفتاة وعنوانها في نشراتها المختلفة!!
4. عمل مسيرات شيعية في مدن سنية بالكامل: كما حصل في منطقة الرفاع اليوم الجمعة بقصد استفزاز أهل السنة.

ولتدارك مثل هذه التحركات الشيعية على أرض الواقع فقد تم إنشاء لجان شعبية من أهالي الأحياء السنية لحماية أنفسهم من مثل هذه الاعتداءات، كما أن العلماء والمشايخ السنة واعون تماما لمثل هذه التحركات ولهذا فهم يعملون على ضبط الشارع السني والتأكد من عدم الانفلات الأمني الذي إن حصل فإنه سيتمخض عن حالة فوضى وخسارة كبيرة لكل المجتمع البحريني بكل أطيافه وفئاته.

وفي حين أن نجاح الثورة التونسية والمصرية كانت ثورات حقيقة وعلى أرضية صلبة جامعة لكل مكونات الشعبين لهذا فقد جلبت الخلاص من الطغاة لأهل هذين البلدين الطيب أهلهما ، في حين أن الحالة البحرينية نتيجتها مختلفة وستكون موقعة طائفية شبيه لما حصل في العراق لأنها "ثورة" فرقت المجتمع وتسببت في تصدعه، وقسمته لفسطاطين كبيرين وقامت على أساس باطل، وما نتج من حرام فالنار أولى به.

ليست هناك تعليقات: