نعم،
هذه هي الحقيقة! نظام الملالي في طهران يستمد قسما كبيرا من قوته في
بلادنا من المغفلين الذين في صفوفنا، وهؤلاء المغفلون ليسوا من العامة
والسذج فحسب، بل الأخطر والمهم المغفلون من الساسة والإعلاميين والمثقفين
والإسلاميين والعلمانيين، وطبعاً هناك شريحة أخرى من هؤلاء وهم العملاء
والخونة لإيران، وهؤلاء كما قالت العرب "فالج لا تعالج"، فلا أمل فيهم ولا
رجاء.
أما
المغفلون والماضون في دعم وتأييد إيران وسياساتها فدوافعهم الطيبة
والكارثية متنوعة، وإيران تعرف أن ولاءهم غير مضمون، لكنها تقبل منهم ذلك،
فهي "تريد عنباً لا مقاتلة الناطور"، وهو ما يتحقق لها.
بعض
الساسة المغفلين عندنا يتوهم أن إيران يمكن الوصول معها إلى تفاهم على
المصالح وقسمة المكاسب أو النفوذ في المنطقة، وخاصة حين يتصدر المشهدَ
ملالي لطفاء مبتسمون مثل رفسنجاني وخاتمي وروحاني، بخلاف المتزمتين
والمتعصبين كنجاد.
ولذلك
نجد دعوات للحوار والتفاهم وتقاسم النفوذ والأدوار، وخاصة أن أمريكا
والغرب على وشك عقد صفقة مع إيران، فلماذا لا نجرب نحن أيضا عقد صفقة معها؟
قد يبدو هذا منطقياً، لكن إذا كانت إيران تفاوض القوى الدولية من سنوات
طويلة دون الوصول لنتيجة واضحة، وطيلة تلك السنوات إيران تتقدم وتتوسع على
غرار الإستراتيجية الإسرائيلية في التفاوض، فكلما قاربت المفاوضات على
الوصول لنتيجة، تكون المعطيات الإيرانية والإسرائيلية على الأرض قد
تجاوزتها وتعدّتها، مما يرجع المفاوضات لنقطة الصفر في كل مرة.
فهل
يمكن للدول العربية الوصول لنتيجة مع إيران! خاصة وأن إيران تستفرد بها
دولة دولة، وفي مفاوضات غير معلنة، ولا تكل إيران ولا تمل من دعوة العرب
للتحاور بهذه الطريقة الخبيثة، فإذا كانت القوى الدولية مجتمعة لم تفلح في
منازلة الخبث الإيراني، فكيف بدول عربية متفرقة؟ وهكذا تمضي إيران تشتت
الصف العربي وتمزقه، مما يدفعها للأمام، وأكبر دليل على ذلك، حال أصدقاء
سوريا من العرب، فقد نجحت إيران في تفريق صفهم بنزاعات على الحدود وعلى
ملفات إقليمية، وإشغالهم في قضايا وتحدّيات محلية، مما أضعف دعم الثورة
السورية، وجعل ظهرها مكشوفاً لا قوة يستند إليها.
أما
الإعلاميون والمثقفون المغفلون فإيران تسوق عليهم خطاباً أيديولوجياً
محملا بشعارات العداء للسياسات الغربية والإسرائيلية، وهؤلاء تدغدغهم هذه
الخطابات وتستهويهم لإخلاصهم للعروبة وفلسطين، فيتقبلونها مع اعتراضهم على
مواقف إيران وطائفيتها، لكنهم يقومون بعملية فصل بين إيران في العراق
وسوريا واليمن ولبنان والبحرين، وبين إيران وإسرائيل، ويصرحون: طالما أن
إيران ضد إسرائيل – طبعاً بالشعارات فقط – فنحن مع إيران!
ويروْن
أن التصدي للعدوان الإيراني يضعف من العداء العربي لإسرائيل! وهؤلاء
المثقفون والإعلاميون حالهم كحال الأنظمة العربية التي احتضنت الاستبداد
والفساد وحاربت الحريات والديمقراطية والشفافية بحجة الصراع مع إسرائيل،
وفي الحقيقة لا هي صارعت إسرائيل ولا أصلحت نفسها، وهؤلاء لا يحاربون
إسرائيل ولا يحافظون على ما تبقى من دول العرب!
والعجيب
أنهم يقولون إن صد العدوان الإيراني يشعل الحالة الطائفية لمصلحة إسرائيل،
وإيران تستغل ذلك لمواصلة العدوان بأمان لأن هناك من يعطل جرس الإنذار
واستدعاء الإطفاء، وهكذا تقوم إيران بإلهاء العرب في قضايا طائفية متجددة
تصرف الجهد عن إسرائيل، ويقوم المغفلون بتعطيل مقاومة العدوان، حتى نصل
للصراع مع إسرائيل ولا نجد قوة نعتمد عليها، وإلا من دمر الجيش العراقي؟
أليست إيران، ومن يدمر الجيش السوري في حرب مع شعبه بكل الأسلحة التى لم
تتحرك يوماً للدفاع عن العاصمة دمشق ضد ضربات سلاح الجو الإسرائيلي؟ أليست
إيران.
وفوق هذا يرون الصفقات والمفاوضات الإيرانية الأمريكية تكرر، ولا يزالون يعتقدون أن إيران عدو حقيقي لإسرائيل وأمريكا!!
أما
الإسلاميون المغفلون، فهم يظنون أنهم خارقو الذكاء بحيث يمكنهم التلاعب
بالورقة الإيرانية مع إيران بحيث يكسبون دعمها لصالحهم في الصراع مع
إسرائيل أو الأنظمة، وللأسف أنهم يعيشون في وهمٍ كبير، فإيران ليست جمعية
خيرية ولا تدعم الإسلاميين لسواد عيونهم، وإنما لما تحققه من مصالح لها في
اختراق المجتمعات السنية، وقد رأينا إيران وحزب الله يتفرجان على غزة وهي
تُقصف في 2008، وإيران لم تتورع عن الغدر بالإسلاميين في مصر وسوريا ولبنان
وغيرها، بل لم تتورع من دعم الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، ولم تتورع من
ضرب الثورة السورية، وها هي إيران وحزب الله يقتلان الشعب الفلسطيني في
سوريا وهما يرفعان شعارات تحرير فلسطين ونصرة المستضعفين، ثم نجدهما أجرما
بحق الفلسطينيين في العراق وسوريا بأبشع مما فعلت إسرائيل.
إن
بقاء هذه النخب المغفلة والساذجة تمارس هذا الدور الخبيث في تمرير
المخططات الإيرانية أو التبرير لها أو تعطيل جهود فضح عدوانها، لهو من أكبر
أسباب تمادي إيران في غيّها وعدوانها، وهو ما قد يمتد للشارع العربي
والإسلامي الذي نبذ إيران ووكلاءها بسبب فضائحهم في سوريا وطائفيتهم في
العراق وما تبثه قنواتهم وفضائياتهم من اعتداء على المقدسات الإسلامية
والأحكام الشرعية.
ولكن
جهود هؤلاء المغفلين مع سياسات الإعلام الرسمي العلماني المرتكز على تلهية
الجماهير بالشهوات وتخديره بالراقصات والفنانين، بحجة محاربة التطرف
والإرهاب، ستكون نتائجها كارثية على الدول العربية.
إذ
في الوقت الذي يقوم فيه الإعلام الإيراني بتبني خطاب تحريضي عاطفي حماسي
مخادع، يجذب المخلصين المغفلين، ليصنع منهم جواسيس وعملاء وخدما له، يقوم
الإعلام الرسمي بتفريغ الساحة أمامه بصناعة جيل تافه لا قيم له ولا أخلاق،
جيل تائه لا قضية له ولا فكر يحمله، ويكمل الدائرة النخب المغفلة التي
تستجلب الذئب لبيتها وتظنه الحارس لها والحامي.
وطالما
بقيت هذه الدائرة السيئة قائمة فلا تتوقع أن تجد وحدة وطنية، أو نهضة
اقتصادية، أو جيلا صاعدا، أو تقدما في نصرة الأقصى، أو قوة تتراكم، بل ستجد
صراعات محلية وفوضى دائمة، وجيلا تائها، واقتصادا منهارا، وتمددا
إسرائيليا، وضعفا وتفتتا متواصلا.
--------------
السبت, 21 حزيران/يونيو 2014