2010/05/04

محمد علي الحسيني: الفرس لم ينتصروا للمذهب الجعفري ...

المصدر: جريدة السياسية الكويتية

تسنى لي الالتقاء بالسيد محمد علي الحسيني الامين العام للمجلس الاسلامي العربي, للمرة الأولى في باريس قبل أكثر من عامين في احد المؤتمرات السياسية هناك, يومذاك دخلت معه في حوار جانبي وتناولت معه مواضيع شتى حتى وجدت نفسي قد أمضيت وقتا طويلا جدا في الكلام مع الرجل من دون أن أشعر بمرور الوقت, وقد كان السبب في ذلك ثقافته الواسعة ومتابعته الدقيقة لمجمل الامور الجارية على الساحة وقبل كل ذلك رؤيته الذاتية الموضوعية لاشكالية الدور الشيعي في الوطن العربي ولا السبل المتاحة بتغيير هذه الاشكالية الى مرتكز ايجابي يخدم الواقع العربي ولا يخترقه. وقد تمكنت من الالتقاء بالعلامة الحسيني لمرات أخرى في روما وبروكسل وبيروت, ووجدته مصرا ومندفعا في سبيل تجسيد أفكاره وطروحاته على أرض الواقع, وبمناسبة مرور عامين على تأسيس المجلس الاسلامي العربي في لبنان, التقيناه عن قرب وأجرينا معه هذا الحوار:
المجلس العربي الاسلامي في لبنان, هل هو بمثابة بديل سياسي - فكري لتيارات سياسية - فكرية شيعية أخرى, أم هو تنظيم يعمل من أجل تغيير في وجهة النظر العربية بخصوص دور الشيعة العرب في الوطن العربي?
نحن لانحبذ فكرة البديل, ولسنا نتصور مجلسنا بمثل تلك الصورة ولا حتى طرحنا لأنصارنا ومؤازرينا هكذا تصور, بيد أننا نرى وفي ضوء تفاقم التوظيفات الخارجية للقضية الشيعية في سبيل أهداف ومآرب مشبوهة, بأنه قد بات من صميم واجبنا العمل بسياق يقف بالمرصاد لهكذا توظيفات. الحقيقة أننا نؤسس لاتجاه جديد على الساحة العربية, اتجاه يرجع بالقضية الشيعية الى أصولها العربية النقية, وذلك يعني تنقيتها من الشوائب والرواسب العالقة به.
من هؤلاء الذين وظفوا القضية الشيعية لأهداف ومآرب مشبوهة? هل بالامكان تحديدهم?
الحسيني: الفرس, ولا سيما بعد الحقبة الصفوية.
هل تعني أن الفرس لم يخدموا القضية الشيعية, أو بكلمة أخرى استغلوها لأهداف ومآرب خاصة?
لا ليس بهذا المعنى الشمولي الجامع, فأنا أفرق هنا بين ما يوظف ليخدم النظام السياسي أو الفئوي وبين مذهب يجتمع عليه أناس بنقاوة فطرتهم بعيدا من اي أهداف مبيتة. صحيح كانوا هنالك علماء أفاضل من الفرس خدموا المذهب الشيعي, لكنه صحيح أيضا ان سياقات سياسية كانت دائماً تسعى لجر حفنة من العلماء لكي يجيروا المذهب وفق تلك السياقات خدمة لمصالح ضيقة.
لكن الفرس انتصروا للمذهب الشيعي وأسسوا دولة بل امبراطورية شيعية تجسد طموح وآمال الشيعة, فكيف بامكانك جدلا أن لاتقر بهذه الحقيقة?
يا أخي, الفرس لم ينتصروا للمذهب الشيعي بقدر ما انتصروا لأنفسهم ولطموحاتهم السياسية, تلك الامبراطورية الصفوية التي تسربلت بالرداء الشيعي, لم تهتم بالانسان الشيعي وبالمذهب الشيعي بقدر اهتمامها بالصراع وقتال الدولة العثمانية وذلك لم يكن الا في سبيل جعل كلمة الفرس الصفويين هي الاعلى وكفتهم الاكثر رجحانا. برأيي, أن الدولة الصفوية قد ظلمت الشيعة العرب وكانت من عوامل عدم اندماجهم الكامل بمحيطهم, ولا سيما وقد ادى الجهل الاجتماعي دوره بربط الشيعة العرب بالعربة الصفوية وتصورهم كطابور خامس يخدم تلك الدولة, كما نحن لسنا ندعي بان البعض لم ينجرف من الشيعة العرب خلف تلك المزاعم الصفوية وذلك لتوهمهم بأنها تخدم مذهبهم. والحق أن سعي أطراف خارجية لاستغلال الورقة الشيعية في لبنان لحسابات ومصالح خاصة ليست لها علاقة بلبنان, يرسم ظلالا من الخوف على الامن القومي العربي وكما تسعى تلك الاطراف الى استغلال الورقة الشيعية فانه من حقنا الشرعي أيضا حماية انفسنا.
لكن ألم يطرأ تغيير على هذه المسألة بعد الثورة الاسلامية - في ايران العام 1979 وسقوط عرش الشاه, أم أنك ترى الامر من الزاوية نفسها?
لو كان الذي حدث في ايران في فبراير العام 1979 ثورة اسلامية بالمعنى الدقيق للكلمة, لكان من الواجب أن نرى واقعا آخرا غير الذي نراه حاليا, واقعاً يحمل في ثناياه كل الذي من شأنه أن يولد بواعث الطمأنينة لدى العرب, لكن الذي حدث ويحدث الى الآن, هو بخلاف ذلك تماما, لقد صارت ايران مصدر قلق وعامل خلق الفوضى والازمات والمشكلات لمختلف الدول العربية من المحيط الى الخليج وهو أمر بامكان أي متابع سياسي مبتدئ أن يشعر به.
أليس بالامكان وعن طريق الحوار والقنوات الديبلوماسية دفع طهران الى انتهاج سياسة لا تحمل في مضامينها عوامل القلق للعرب?
اسمع! أنا شخصيا لست أتمنى أن تنجر ايران في متاهات سياساتها المضادة للعرب في أكثر من جانب, لكن للأسف كل الذي نتلمسه على أرض الواقع يؤكد ان ايران مصرة على المضي قدما في سياساتها, وأن اجراء مفاوضات أو أي حوار معها سيدور في حلقة مفرغة, اذ أن ايران سعت وتسعى الى توظيف عامل الوقت والاستفادة منه قدر امكانها لكي تصل الى أهدافها المبيتة من خلال ذلك وباعتقادي أن ايران ماهرة في ادارة المفاوضات وتسييرها بالطريقة والاسلوب الذي يخدم سياساتها.
حسنا, اذا كان الغرب والدول العربية برمتها غير قادرة على تغيير الموقف الايراني باتجاهات أخرى, فماذا بامكان مجلسكم أن يعمل في مواجهة ذلك, ولاسيما وأنكم تملكون امكانيات متواضعة جدا أمام ايران?
يا أخي الكريم, أنا لاأشعل حربا ضد ايران ولا أقود ميليشيا ضدها ولا حتى أفكر يوما أن أقصيها من الساحة العربية بالقوة, أنا أؤكد أن تقوية الحضور العربي في لبنان وتمتينه بعوامل الثبات والاستقرار, هو الضمان لغلق الباب أمام النفوذ الايراني, نحن في المجلس الاسلامي العربي نعمل من أجل خلق وايجاد تيار سياسي - فكري جديد يرتكز على المبادئ والاسس القومية وينبذ التعامل مع الايادي الاجنبية القادمة من خلف الحدود وأن تقوية المجلس واسناده بالشكل الملائم سيكون كفيلا بسحب البساطة من تحت الاقدام الايرانية ذلك أن الانسان بطبعه يحب الاصل ولا يستسيغ الشئ المفتعل أو المشوه ونحن نمثل الاصل, الاصالة العربية.
واضح من كلامكم أنكم تثقون بمجلسكم ثقة كبيرة, لكن السؤال الذي يطرح نفسه بالحاح هو: ماذا فعل المجلس الاسلامي العربي على أرض الواقع? وما المساحة التي يشغلها على الساحة?
ثقتنا الكبيرة بالمجلس العربي الاسلامي ترجع في الاساس الى ثقتنا بالمبادئ والاسس الصحيحة التي بنيت عليها, نحن ندعو الجماهير بوضوح الى طريق واضح ليس فيه دهاليز ولا أقبية ولا مغارات, نحن نعمل تحت ضوء النهار وليس خلسة أو في جنح الظلام, اننا واضحون وصادقون في طروحاتنا وفي الافكار والمبادئ التي نطرحها والتي نستمدها أساسا من ديننا الحنيف, ولذلك فاننا نكسب الجماهير الى جانبنا ولاتمر فترة من عمر المجلس الذي تجاوز العامين الا وحققنا فيه مزيدا من الكسب في صفوف الجماهير وقد جسد الحضور الجماهيري العارم لاحتفالات الذكرى السنوية الثانية لانبثاق المجلس هذه الحقيقة والتي شاهدها الخصوم قبل الاصدقاء.
من هم خصومكم?
نحن كما أسلفت جبهة سياسية - فكرية سلاحها الوحيد هو الزاد الثقافي ومن يرفض طروحاتنا فان هذا شأنه وهو حر في تقبل ذلك أم رفضه, لكننا نرفض وبشدة الايادي التي تعبث بمقدرات وبارادة اللبنانيين من خلف الحدود وتعمل على مصادرة قراره الوطني الحر المستقل, وكل من يعمل وفق هذا المنهج فهو من خصومنا ومن حقنا أن نفضحه ورفض طروحاته المشبوهة.
ما موقفكم من »حزب الله« اللبناني?
هو تنظيم سياسي له شأنه على الساحة اللبنانية لكنه كما تعلم مثير للجدل ولقلق الكثير من دول المنطقة والعالم لأسباب واضحة للجميع, وهذا الحزب قد حقق انجازات عسكرية كبيرة كانت ستكون أكبر لو لم توظفها قوى خارجية وفق أجندتها الخاصة.
في كلمتكم التي ألقيتموها بمناسبة الذكرى السنوية الثانية لتأسيس المجلس الاسلامي العربي, أكدتم مسألة العروبة بحيث أنكم قد القيتم بكل تفاحاتكم في السلة العربية, هل تعتقدون أن العرب سيساندونكم بالقوة نفسها التي تساند بها ايران تيارات سياسية شيعية في العراق ولبنان مثلا? ألا تتصورون أنكم عولتم أكثر من اللازم على هذا الجانب?
أنا طرحت الذي أستطيع أن أسميه الخيار الستراتيجي للعرب بخصوص تحديد وحتى انهاء النفوذ الايراني داخل الدول العربية, ولاسيما تلك التي يتواجد فيها الشيعة, اذ عوضا عن رفع عقيدة الصوت والاحتجاجات والتنظير ضد تنامي النفوذ الايراني في المنطقة وتزايد خطورته, فان من الافضل جدا البحث في الخيارات المتاحة لمواجهة ذلك الامر عمليا على أرض الواقع, ويشهد الله انني قد اديت واجبي الشرعي من هذه الناحية وحددت الطريق الذي من خلاله سنشهد نهاية أو ضمور الدور الايراني, لكن السؤال هو: هل سيفهم القادة العرب رسالتي ويدركوا فحوى الذي أعنيه تحديدا? ذلك ما أتضرع الى الله سبحانه وتعالى أن يصل الى مراميه ويحقق أهدافه المرجوة.

ليست هناك تعليقات: