شارك رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الخميس الماضي لأول مرة في مراسم "عاشوراء" التي أقيمت في ميدان "حالقالي"، أهم مراكز الشيعة بإسطنبول، وسط أصوات "يا حسين"، ليلقي فيها خطابا حول استشهاد الحسين رضي الله عنه وكربلاء، يحمل في ثناياه كثيرا من أدبيات الشيعة والتودد إليها؛ فإن كان السامع لا يعرف أن المتكلم رئيس سني، يظن أنه أحد أصحاب العمائم السوداء.
وذكر ـ على سبيل المثال ـ أن الملائكة في السماء تبكي على الحسين رضي الله عنه منذ استشهاده، وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن أهل بيتي مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن لم يركبها هلك"، وأنه لا فضل لـ"سني" على "جعفري" ولا لـ"جعفري" على "سني"!
حضور أردوغان مراسم "عاشوراء" وخطابه ذو الطابع الشيعي كان مفاجئا للذين توقعوا من أردوغان أن يسهم في كبح التمدد الشيعي في المنطقة، فضلا عن أن يتحول خطابه إلى دعامة قوية للدعاية الشيعية، حيث لن تتردد فضائياتها استغلال هذه المناسبة في الترويج الطائفي.
مشاركة أردوغان المفاجئة في احتفال الشيعة بـ"عاشوراء" أكدت من جديد وجود صراع الهوية داخل الحزب الحاكم بين التيارات المختلفة، وأظهرت علامات استفهام كثيرة حول مستقبل حزب أردوغان وعلاقاته مع التوجهات الإسلامية السنية.
هناك جماعات صوفية مستاءة من تكثيف دعاة الشيعة أنشطتهم في تركيا في عهد حزب العدالة والتنمية، واستباحة البلد من قبل أجهزة الدعاية الشيعية، دون أن يتصدى لها أحد. وبدأت تلك الجماعات تبتعد عن الحزب الحاكم، بعد أن استطاع هذا الأخير ـ وإلى وقت قريب ـ أن يجمع كل الإسلاميين تقريبا في مواجهة القوى العلمانية.
ما الذي دفع أردوغان إلى المشاركة في الاحتفال الشيعي؟ لكي نفهم جواب هذا السؤال، علينا أن نصحح أولا الخطأ الذي جعل الكثير يظن أن الرجل، وريث العثمانيين، حامل راية أهل السنة كأجداده. والصحيح أن أردوغان لا ينطلق من العقائد، بل من المصالح القومية البحتة، لا فرق لديه بين من يترضى على الصحابة ومن يلعن أبا بكر وعمر ويتهم أم المؤمنين بالزنا، كما أكد هو نفسه في خطابه، ولعله أراد بهذه المناسبة أن يحتضن المواطنين الشيعة حتى لا يتركهم فريسة لإيران.
ولكن السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن للشيعة أن يتخلوا بفعل هذه المناورات عن انتمائهم لمراجعهم خارج الحدود، ويقدمون انتماءهم للوطن؟، وهل التنازلات التي يقدمها كثير من زعماء السنة، تحظى بالاعتراف من الطرف الشيعي، أم أن العملية ذات بعد واحد؟
ومما شجع أردوغان على الظهور في مناسبة شيعية، شعوره بأنه في مأمن من انتقاد السنة، لأن الصحف العلمانية لا تعنيها الاختلافات المذهبية، وأما الصحف "الإسلامية" المقربة من الحكومةـ فلا شك أنها ستصفق لأردوغان مهما قال وفعل.
وهناك قضية مهمة للغاية يغفل عنها الكثير حتى الآن في دراسة وتقييم حزب العدالة والتنمية، وهي مسألة وجود عناصر نشأت في المدرسة الخمينية تغلغلت داخل صفوف الحزب الحاكم. ولا شك أن المدرسة الخمينية خرجت عددا كبيرا من الكتاب والمثقفين في تركيا منذ الثورة، ومعظم هؤلاء ينشطون في الساحات السياسية والثقافية والإعلامية. ولابد من دراسة ثقل هؤلاء في حزب العدالة والتنمية وقوتهم ومدى تأثيرهم في رسم سياسات الحزب الحاكم، وتوجيه رئيس الوزراء التركي إلى ما يريدون، لعل هذا يمكننا من معرفة هوية حزب أردوغان وألوانه والقوى المؤثرة في تحديد مسيرته.