2014/06/25

المغفلون في صفوفنا ركيزة تفوق إيران وإسرائيل

 نعم، هذه هي الحقيقة! نظام الملالي في طهران يستمد قسما كبيرا من قوته في بلادنا من المغفلين الذين في صفوفنا، وهؤلاء المغفلون ليسوا من العامة والسذج فحسب، بل الأخطر والمهم المغفلون من الساسة والإعلاميين والمثقفين والإسلاميين والعلمانيين، وطبعاً هناك شريحة أخرى من هؤلاء وهم العملاء والخونة لإيران، وهؤلاء كما قالت العرب "فالج لا تعالج"، فلا أمل فيهم ولا رجاء.
أما المغفلون والماضون في دعم وتأييد إيران وسياساتها فدوافعهم الطيبة والكارثية متنوعة، وإيران تعرف أن ولاءهم غير مضمون، لكنها تقبل منهم ذلك، فهي "تريد عنباً لا مقاتلة الناطور"، وهو ما يتحقق لها.
بعض الساسة المغفلين عندنا يتوهم أن إيران يمكن الوصول معها إلى تفاهم على المصالح وقسمة المكاسب أو النفوذ في المنطقة، وخاصة حين يتصدر المشهدَ ملالي لطفاء مبتسمون مثل رفسنجاني وخاتمي وروحاني، بخلاف المتزمتين والمتعصبين كنجاد.
ولذلك نجد دعوات للحوار والتفاهم وتقاسم النفوذ والأدوار، وخاصة أن أمريكا والغرب على وشك عقد صفقة مع إيران، فلماذا لا نجرب نحن أيضا عقد صفقة معها؟ قد يبدو هذا منطقياً، لكن إذا كانت إيران تفاوض القوى الدولية من سنوات طويلة دون الوصول لنتيجة واضحة، وطيلة تلك السنوات إيران تتقدم وتتوسع على غرار الإستراتيجية الإسرائيلية في التفاوض، فكلما قاربت المفاوضات على الوصول لنتيجة، تكون المعطيات الإيرانية والإسرائيلية على الأرض قد تجاوزتها وتعدّتها، مما يرجع المفاوضات لنقطة الصفر في كل مرة.
فهل يمكن للدول العربية الوصول لنتيجة مع إيران! خاصة وأن إيران تستفرد بها دولة دولة، وفي مفاوضات غير معلنة، ولا تكل إيران ولا تمل من دعوة العرب للتحاور بهذه الطريقة الخبيثة، فإذا كانت القوى الدولية مجتمعة لم تفلح في منازلة الخبث الإيراني، فكيف بدول عربية متفرقة؟ وهكذا تمضي إيران تشتت الصف العربي وتمزقه، مما يدفعها للأمام، وأكبر دليل على ذلك، حال أصدقاء سوريا من العرب، فقد نجحت إيران في تفريق صفهم بنزاعات على الحدود وعلى ملفات إقليمية، وإشغالهم في قضايا وتحدّيات محلية، مما أضعف دعم الثورة السورية، وجعل ظهرها مكشوفاً لا قوة يستند إليها.  
أما الإعلاميون والمثقفون المغفلون فإيران تسوق عليهم خطاباً أيديولوجياً محملا بشعارات العداء للسياسات الغربية والإسرائيلية، وهؤلاء تدغدغهم هذه الخطابات وتستهويهم لإخلاصهم للعروبة وفلسطين، فيتقبلونها مع اعتراضهم على مواقف إيران وطائفيتها، لكنهم يقومون بعملية فصل بين إيران في العراق وسوريا واليمن ولبنان والبحرين، وبين إيران وإسرائيل، ويصرحون: طالما أن إيران ضد إسرائيل – طبعاً بالشعارات فقط – فنحن مع إيران!
ويروْن أن التصدي للعدوان الإيراني يضعف من العداء العربي لإسرائيل! وهؤلاء المثقفون والإعلاميون حالهم كحال الأنظمة العربية التي احتضنت الاستبداد والفساد وحاربت الحريات والديمقراطية والشفافية بحجة الصراع مع إسرائيل، وفي الحقيقة لا هي صارعت إسرائيل ولا أصلحت نفسها، وهؤلاء لا يحاربون إسرائيل ولا يحافظون على ما تبقى من دول العرب!
والعجيب أنهم يقولون إن صد العدوان الإيراني يشعل الحالة الطائفية لمصلحة إسرائيل، وإيران تستغل ذلك لمواصلة العدوان بأمان لأن هناك من يعطل جرس الإنذار واستدعاء الإطفاء، وهكذا تقوم إيران بإلهاء العرب في قضايا طائفية متجددة تصرف الجهد عن إسرائيل، ويقوم المغفلون بتعطيل مقاومة العدوان، حتى نصل للصراع مع إسرائيل ولا نجد قوة نعتمد عليها، وإلا من دمر الجيش العراقي؟ أليست إيران، ومن يدمر الجيش السوري في حرب مع شعبه بكل الأسلحة التى لم تتحرك يوماً للدفاع عن العاصمة دمشق ضد ضربات سلاح الجو الإسرائيلي؟ أليست إيران.
وفوق هذا يرون الصفقات والمفاوضات الإيرانية الأمريكية تكرر، ولا يزالون يعتقدون أن إيران عدو حقيقي لإسرائيل وأمريكا!!
أما الإسلاميون المغفلون، فهم يظنون أنهم خارقو الذكاء بحيث يمكنهم التلاعب بالورقة الإيرانية مع إيران بحيث يكسبون دعمها لصالحهم في الصراع مع إسرائيل أو الأنظمة، وللأسف أنهم يعيشون في وهمٍ كبير، فإيران ليست جمعية خيرية ولا تدعم الإسلاميين لسواد عيونهم، وإنما لما تحققه من مصالح لها في اختراق المجتمعات السنية، وقد رأينا إيران وحزب الله يتفرجان على غزة وهي تُقصف في 2008، وإيران لم تتورع عن الغدر بالإسلاميين في مصر وسوريا ولبنان وغيرها، بل لم تتورع من دعم الانقلاب على الرئيس محمد مرسي، ولم تتورع من ضرب الثورة السورية، وها هي إيران وحزب الله يقتلان الشعب الفلسطيني في سوريا وهما يرفعان شعارات تحرير فلسطين ونصرة المستضعفين، ثم نجدهما أجرما بحق الفلسطينيين في العراق وسوريا بأبشع مما فعلت إسرائيل.
إن بقاء هذه النخب المغفلة والساذجة تمارس هذا الدور الخبيث في تمرير المخططات الإيرانية أو التبرير لها أو تعطيل جهود فضح عدوانها، لهو من أكبر أسباب تمادي إيران في غيّها وعدوانها، وهو ما قد يمتد للشارع العربي والإسلامي الذي نبذ إيران ووكلاءها بسبب فضائحهم في سوريا وطائفيتهم في العراق وما تبثه قنواتهم وفضائياتهم من اعتداء على المقدسات الإسلامية والأحكام الشرعية.
ولكن جهود هؤلاء المغفلين مع سياسات الإعلام الرسمي العلماني المرتكز على تلهية الجماهير بالشهوات وتخديره بالراقصات والفنانين، بحجة محاربة التطرف والإرهاب، ستكون نتائجها كارثية على الدول العربية.
إذ في الوقت الذي يقوم فيه الإعلام الإيراني بتبني خطاب تحريضي عاطفي حماسي مخادع، يجذب المخلصين المغفلين، ليصنع منهم جواسيس وعملاء وخدما له، يقوم الإعلام الرسمي بتفريغ الساحة أمامه بصناعة جيل تافه لا قيم له ولا أخلاق، جيل تائه لا قضية له ولا فكر يحمله، ويكمل الدائرة النخب المغفلة التي تستجلب الذئب لبيتها وتظنه الحارس لها والحامي.
وطالما بقيت هذه الدائرة السيئة قائمة فلا تتوقع أن تجد وحدة وطنية، أو نهضة اقتصادية، أو جيلا صاعدا، أو تقدما في نصرة الأقصى، أو قوة تتراكم، بل ستجد صراعات محلية وفوضى دائمة، وجيلا تائها، واقتصادا منهارا، وتمددا إسرائيليا، وضعفا وتفتتا متواصلا.

--------------
السبت, 21 حزيران/يونيو 2014
موقع الراصد

معركة الخلاص السني في العراق

الأخبار طيبة، والنفوس مستبشرة، والآمال في انتعاش. وصفحة سوداء طويت من واقع السنة، لتنتقل فتكون واقع الشيعة في العراق.
لقد انتهت مرحلة وبدأت مرحلة.

ميدان المعركة حتى الآن
المعركة في تقدم مستمر لصالحنا، والانتصارات تتلاحق.
على أن هذا لا يلزم منه أن لا تكون بعض المعارك لصالح العدو؛ فالحرب تجري على مساحة واسعة جداً، وضد جيش وقوى أمنية وشرطة بمئات الآلاف مدججة بالسلاح، يسندهم عملاء السنة وهم كثر ويمثلون الجانب الأكثر إصراراً ومطاولة. هذا وصفحاتها عديدة، فليس من طبيعة الحروب أن لا تخسر الجهة المنتصرة بعض معاركها. هل تعلم أن مساحة من الأرض تعادل مساحة الأردن حررها مقاتلونا خلال بضعة أيام! وإذا أضفنا إليها تلك التي سيطروا عليها منذ انطلاقة الحرب قبل حوالي ستة أشهر، تكون المساحة الكلية للأرض التي أصبحت تحت نفوذ السنة حتى الآن أكبر من مساحة سوريا بأجمعها! بصرف النظر عن الجيوب التي تنتثر هنا وهناك فيها والتي ما زال بعضها بيد العدو الذي ترتخي قبضته عنها يوماً بعد يوم.
يمكن توصيف المعركة في هذه المرحلة بأنها معارك تطهير الجيوب، وإعادة التنظيم والتعبئة تهيؤاً لمعركة بغداد إن شاء الله.  

اليوم هو يوم الانتصارات
أمس تحررت بلدات عانة وراوة والقائم غربي الأنبار، وأصبح منفذ القائم الحدودي بيد السنة. وانفتح الحد بين مدينة البو كمال السورية ومدينة القائم (حصيبة) العراقية، وصار أهالي المدينتين، وهم من قبائل واحدة، يزور بعضهم بعضاً تغمرهم الأفراح، كأنهم في عرس، ينثرون الحلوى ويطلقون نيران البهجة. ويزود السوريون إخوانهم العراقيين بالبنزين.
اليوم 22/6 هو يوم الانتصارات. وهذا بعض ما تحقق فيه من إنجازات عسكرية:
-     السيطرة على منفذ الوليد، وهو المنفذ الوحيد المتبقي في يد الحكومة السورية. يعني بالتعبير العراقي (باي باي إيران!).
-     الاستيلاء على منفذ طريبيل الذي يريط العراق بالأردن.
-     السيطرة على قاعدة البغدادي العسكرية غربي الرمادي.
-     سيطرة المقاتلين على قضاء الرطبة غربي الرمادي (تبعد عن الأردن 120 كم).
-    تحرير تلعفر وسيطرة المقاتلين على مطارها، وهروب اللواء محمد القريشي المعروف بـ(أبو الوليد) إلى سنجار وتسليم نفسه إلى قوات البيشمرگة الكردية مع 600 من قواته.
-     تحرير قضاء حديثة وهي من مدن غربي الأنبار أيضاً، وهروب قوات الصحوات والشرطة، وانسحاب الجيش عند الغروب عبر مفاوضات بينية.
-  وبالمجمل يبدو أنه لم يبق خارج نطاق السيطرة سوى عقدة الرمادي. وهناك أخبار عن اتفاق كبار المسؤولين وقادة الجيش المتبقي في محافظة الأنبار مع المقاتلين على الانسحاب من المحافظة عن طريق النخيب جنوباً مقابل عدم التعرض لهم.
-  إبادة أكثر من رتل عسكري ومليشياوي، أحدها تمت إبادته في منطقة الإسحاقي جنوب سامراء أثناء معركة استمرت من الساعة العاشرة صباحاً حتى السابعة مساءً.
انعكس هذا الوضع العسكري على مثيله في سوريا، سيما بعد انسحاب المليشيات الشيعية إلى العراق فتنفس السوريون الصعداء وتحسن وضعهم العسكري ضد طاغية الشام. ولا أستبعد تطور الأمور لتبلغ أوكار الشيعة في لبنان بقيادة (حزب الشيطان).

الحرب خدعة ولا بد من تأمين ظهر الأنبار وصلاح الدين
تظهر قراءة خريطة المعارك ذكاء وحنكة عسكرية فائقة لدى مقاتلينا!
ليس من الصعب إدراك حقيقة عسكرية هي أنه لا يمكن تنفيذ هجوم ناجح لفتح بغداد دون أن يؤمن المقاتلون ظهرهم من جهة الأنبار غرباً وصلاح الدين شمالاً. فماذا فعلوا؟ شدوا أنظار الحكومة إلى بغداد وأوهموها أنهم على وشك الهجوم عليها، ثم قاموا بهجمات على بعض مناطق ديالى، فرمى الشيعة بثقلهم على بغداد، وبلعوا الطعم فطفقوا يهربون وينسحبون إليها وإلى ديالى؛ فأصبحت الجبهة الغربية والشمالية هشة عسكرياً فاكتسحها المجاهدون، وما هي إلا جيوب سيتم تطهيرها قريباً إن شاء الله.

غروب الفكرة الوطنية وبزوغ الفكرة السنية
من الطبيعي أن ينعكس الوضع العسكري على الصعيد الفكري، لتنكشف سوءات أفكار شاركت مشاركة أساسية وفاعلة في الجناية على أهل السنة. لقد عبّر الحدث عن سقوط مدوٍّ للفكر الوطني في العراق: تنظيراً وواقعاً. وأدى ذلك إلى انكشاف الفكر الإسلامي التقليدي، ومعه الفكر القومي والليبرالي؛ بسبب الفكر الوطني المتخلف الذي يشكل الدعامة الأساسية لهذه التوجهات الفكرية، إضافة إلى جمودها وافتقارها إلى الواقع الذي تستند إليه؛ فهي أفكار تنطلق من واقع افتراضي يحلم بشعب واحد في العراق المنقسم حقيقة إلى ثلاثة شعوب لا يجمع، ولا يمكن أن يجمع، بينها جامع إلا إذا تحول الشيعة إلى سنة، أو يعزلون بإقليم لحل المعضلة الشيعية. في ظل حكم رباني يمكن أن يجتمع في ظله الشعبان السنيان: العربي والكردي. وهذا في حاجة إلى زمن وإلى تحولات اجتماعية وفكرية وسياسية كبيرة. ودون ذلك فالتقسيم آت لا محالة. اقلعوا خيامكم وارحلوا يا أصحاب الفكر الجامد؛ لقد ذهب زمانكم. وجاء زمان (الفكر السني) الواقعي المرن. فكر المستقبل الذي لا إنقاذ لثلاثة أرباع الأمة (العراق والشام والجزيرة العربية) إلا به.
العالم اليوم يتكلم بلا حرج باسم السنة الذي طالما حاد عنه المنهزمون، ونكره المتخاذلون، وكان أول من نطق به رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما، فتبعه الآخرون كأن سلكاً انقطع فانفرطت خرزه تباعاً، وفي مقدمتهم أولئك الذين هم أكثر الناس استغراقاً في حلم الوطنية، بل أصيب هؤلاء بحالة (إسهال فكري) جعلتهم يرددون عبارة (سنة، شيعة، أكراد) بلا انقطاع؛ يبدو أنها نتيجة طبيعية لحالة حرمان مزمن عانوا منها طويلاً وتحرروا منها فجأة.. فهنيئاً لهم!

إيران وعنقود العراق الحامض
أما إيران فتمر الآن بحالة سيئة لم تمر بها منذ سنة 2000. لقد قاتل الجميع بالنيابة عن إيران وحصدت هي العناقيد كلها. لقد استخدمت إيران أمريكا في إسقاط أخطر عدوين لها: دولة طالبان في أفغانستان، ودولة البعث في العراق. وحصدت ثمار تسع سنين من المقاومة العراقية. وتمددت فبلغت بمكرها سوريا ولبنان وغزة واليمن، وزادت شهيتها فمدت يدها لتنوش البحرين. ثم فاجأها الحدث فأرادت أن تكرر اللعبة نفسها لتورط أمريكا نيابة عنها فدعتها للتدخل العسكري في العراق وضرب من وصفتهم بالإرهابيين. لكن اللعبة مكشوفة جداً الآن، إلى حد أن جي گارنر الحاكم العسكري الأمريكي للعراق عند احتلاله أجاب هازئاً بالإيرانيين: (إن "داعش" مشكلة إيران قبل أن تكون مشكلة أميركا. وإيران لديها سلاح جو فلماذا لا تتولى هي ضرب "داعش")؟ بل قال: (إن المالكي عميل إيراني يريد منا ضرب "داعش" ليجير المكاسب السياسية بعد ذلك لنفسه ولرعاته في طهران). فلم يجد خامنئي أمامه إلا أن يلبس فروة النمر مرة أخرى ليقوم بتحذير أمريكا من التدخل في شؤون العراق! وقديماً قيل: من لم يقدر على نوش العنقود قال عنه "حامض"!
لقد انتهت مرحلة وبدأت مرحلة. وما على القوة التي بدأ نجمها بالظهور في سماء العراق إلا أن تحسن التعامل مع الواقع بحكمة وعقلانية حتى لا يعيد التاريخ علينا نفسه فيضحي قوم ويحصد ثمار تضحياتهم قوم آخرون.

-------------------
الإثنين, 23 حزيران/يونيو 2014

أنت مع أو ضد ؟ بين النظرة الأحادية والنظرة الريادية

كان تحرير الموصل وما جاورها من ربوع السنة ليلة الثلاثاء 12/شعبان 1435 الموافق لـ 10/حزيران 2014، وامتداد الموجة الجارفة حتى مشارف بغداد، فتحاً باهراً بكل المقاييس، ونصراً عجيباً أذهل العدو والصديق والبعيد والقريب. ولأن "الهزيمة يتيمة ولكن النصر له ألف أب" كما يروى عن نابليون، فإن هذا الحدث أثار أنظار الكثيرين وجذبها قسراً نحو مأساة السنة المنسية، وأنطق جموع الساكتين من الشيوخ والعلماء والسياسيين والمثقفين والنخب والدهماء وقنوات الأرض والفضاء، واتجهت شهية الأطراف القريبة نحو ارتداء بزة القائد الذي يضع الريشة على رأسه ويمر من تحت قوس النصر. وتساءل الجميع عن الجهة التي تحقق على يدها هذا الإنجاز العظيم الذي اهتزت له الدنيا أجمعين!
لم يبق سني مظلوم في المناطق المحررة إلا وكان يفتش عن قدميه هل ما زالتا على الأرض من شدة الفرح؟ بعد أن انزاح عنهم كابوس لعين لم يخطر ببال أحد منهم أنه سيتبدد بهذه السرعة (مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) (الحشر:2). ولم يبق سني في بقية المناطق إلا وشاركهم ذلك الشعور وهو يتطلع إلى يوم كيومهم وخلاص كخلاصهم. وترقبت يوم الجمعة فكانت حلقة (لقد نهض الأسد) على قناة (وصال) وعلى مدار ساعتين في الحديث عن هذا الحدث العظيم الجميل. وقد كنت منذ سنين أتوعد الشيعة بأن لا يغرهم ما يجدون من تباطؤ لدى أهل السنة؛ فهم كالأسد الرابض له عادة سيئة إذ يظل ينظر بتكاسل وتثاؤب إلى ما حوله من ذئاب وضباع وخنازير وبنات آوى، حتى إذا وجدها اخترقت المسموح نهض فتطايرت من حوله تلك المخلوقات التي تجاوزت بغبائها أقدارها مذعورة لا تلوي على شيء.

ليس من خيار ثالث : الحقيقة أو الصمت
في ليلة الفتح وما بعدها كنت أتواصل مع أصدقائي في الموصل، وكانوا يجمعون على أن (الدولة الإسلامية في الشام والعراق) كانت رأس الحربة في القوة المحررة، وإن شاركها آخرون لكن من باب الإسناد لا أكثر. وقد أظهر قادتها مرونة كبيرة وتفهماً واضحاً للواقع، فطمأنوا الناس وانصرفوا، مع مراعاة أعباء المعركة المحتدمة، إلى تنظيم إدارة المحافظة وتوفير الخدمات وإزالة مخلفات المعارك. كانت أربعة أيام من التواصل كافية للتأكد من حقيقة  ما أسمع وأرى؛ وإذا وصل الأمر إلى هذه الدرجة فإن المسلم يكون بين خيارين لا ثالث لهما: إما النطق بالحقيقة، وإن كرهها من كرهها، وإن خالفت حتى ما يرغب المتكلم. وإما الصمت. وإلا كان شاهد زور والعياذ بالله. فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله e: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) متفق عليه.  ووالله ما شهدت إلا بما أعلم طول عمري، ولا أذكر أنني ترددت عن شهادة دعيت إليها ما قدرت عليها. ولقد رزقني الله جل جلاله نفساً تأنف أن أنسب لها قولاً مجرد قول ليس لها، فكيف ترضى لي أن أنسب لغيرها فعلاً هو ليس له! ثم كيف نتطلع إلى موضع الصدارة ونحن عاجزون عن أداء تكليف الشهادة! والله تعالى يقول: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة:143). فذكرت تلك الحقيقة في الحلقة المذكورة بوضوح وصراحة، وأنا أعرف دقة الموقف الذي أنا فيه.
ذكرت مع فرحي المُسبَطِر أنني متفائل ولكن بحذر. ودعوت السلطة الجديدة إلى مراعاة الواقع، وتأجيل إقامة الحدود إلا لضرورة بالغة، وأن هذا هو الموقف الشرعي الذي عليه قامات علمية سامقة. كما نصحت بعدم إجبار الناس على رأي مذهب مختلف فيه، وإلا كان ذلك مدعاة للتفرق والفشل؛ فالرأي المذهبي المظنون ليس هو الدين المعصوم، الذي أوصى الله تعالى به فقال: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى:13).

أنت مع ؟ أو ضد ؟
ومع الارتياح الكبير الذي لاقته الحلقة من عامة الناس، فإنني وجدت آخرين نظروا إلى كلامي بمقياس (أنت مع أو ضد)! مقياس ليس فيه إلا خطان: أبيض أو أسود. تجاوزت كلمة الحق عندهم حدود الإنصاف فصارت مدحاً، وتجاوز المدح للشخص بما فيه فصار المادح فيه ومنه وبه. مع أن الرجل: محبوباً كان أم مبغوضاً، قريباً أم بعيداً، يمكن أن يمدح باعتبار ويذم باعتبار. لقد قال الله تعالى عن كفار أهل الكتاب: (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ) (آل عمران:75)، فمدَحَهم باعتبار وذمَّهم باعتبار، وليس في مدحه دعوة للمسلمين لأن يكونوا منهم، وليس في مدح المسلم لنصراني بما فيه أنه صار نصرانياً. لكن الأحاديين لهم شأن آخر: أنت مدحت (داعش) فأنت منها. مع أن توجهي معروف ومنهجي مكتوب ومعروض للجميع. وصار البعض يزايد على أهل العراق مستدلاً بما يحصل لأهل سوريا وكأن العراقيين لم يجر عليهم ما جرى للسوريين قبل ذلك بتسع سنين! وكنا نتكلم معهم بالحقيقة فكنا نكلم جدراناً، ويفلسفون الأمور بطريقة جعلتنا أمام واقع يقول: أنت في واد والأمة في واد، حتى ذاقوا ما ذقنا، كشف الله عنا وعنهم ما هم فيه.

النظرة الأحادية
النظرة الأحادية هي نظرة جزئية تركز على حركة واحدة من المشهد ثم تفسرها حسب ما تتوهم أو ترغب، ضاربة عرض الحائط كل الحركات التي تنبض بها المساحة الكلية للواقع المشهود؛ فهي نظرة عوراء منحازة. ثم إنها – لَلأسف! – عديمة الإحساس، كما يبدو؛  فكثير من أهل الدول المستقرة ينظرون إلى الحدث من خلال واقعهم فيقولون: (داعش) خطر علينا، فتكون المقارنة لديهم بين واقع مستقر وواقع آخر مضطرب فيما لو وصل إليهم ذلك الخطر؛ إذن (داعش) خطر عليكم يا سنة العراق! وينسَون أننا لا نفكر، ولا يمكن أن نفكر، بهذه الطريقة. فالمقارنة عندنا مختلفة تماماً، إذ البديل المقارَن هو الواقع السيئ تحت حكم الشيعة الذي ظلم وطغى، وسحق فما أبقى. فأي نظرة أحادية عوراء من ناقد منحاز يتفرج عليّ إحدى عشرة سنة دون أن تهتز شعرة في جلده الناعم الرطيب!
نحن نملك عينين اثنتين لا عيناً واحدة أيها الأحاديون، ولسنا بلهاء إلى هذا الحد لنكون  تبعاً لأفكار وأنظار، وضحية لمشاريع الآخرين!
وإذ تمر الأمة بمخاض عسير في طريقنا نحو القيادة العالمية، نحتاج إلى تصحيح النظر وتصويب الفكر؛ لأننا بناة حضارة، وموقعنا من الناس موقع الصدارة؛ وهذا لا يتحقق ما لم نكن قادرين على تجاوز النظرة الأحادية إلى النظرة الريادية؛ فبها وحدها يمكن أن نؤسس للحكم العادل الرحيم القائم على إنصاف الناس، دون النظر إلى العناوين مهما كانت، ونبني النموذج الرائد الذي يصلح للاقتداء والاهتداء (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة:143).

نحن مع السنة كلهم على الشيعة كلهم
وحتى يكون الرسول علينا شهيداً: واقعاً مشهوداً لا اعتقاداً مفروضاً فقط ينبغي أن نُحكِّمه في شؤوننا كلها، ونستشهده عليها فإن شهد سلّمنا وإن نهى انتهينا. وإليكم شهادة واحدة من شهاداته الربانية:
لقد انتصر الفرس على الروم، فساء الصحابة ذلك من حيث أن الروم أهل كتاب فهم أقرب إلى المسلمين من الفرس الذين لا كتاب لهم. ونزل الوحي يؤيد موقفهم ويبشرهم بأن هذا النصر لن يدوم وأن الكرة على الفرس لن تطول أكثر من بضع سنين: (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) (الروم:1-5). أرأيت! بشارة وفرح بنصر روم نصارى على فرس مشركين، مع أنهم لم يكونوا يحكمون مكة، ولكن لهم شبهاً – ولو من بعيد – بحكامها!
أرأيت! ثم هل يقارن نصر الروم على الفرس بنصر أي جهة سنية - (الدولة الإسلامية) فما سواها - على الشيعة؟! دعك من العول في مقارنة كافر بمسلم؟! هذا حكم الله جل في علاه، وهذه شهادة رسوله عليه أفضل الصلاة.
لقد نظر الصحابة إلى الحدث نظرة كلية لا أحادية؛ فرأوا فسطاطين: فسطاطاً رومياً وفسطاطاً فارسياً؛ فكانوا مع الروم على الفرس. ونحن نظرنا إلى الحدث نظرة كلية لا أحادية فرأينا فسطاطين: فسطاطاً عربياً سنياً وفسطاطاً فارسياً شيعياً فكنا مع السنة على الشيعة.
المعركة في العراق بين السنة بكلهم ضد الشيعة بكلهم. ونحن منساقون لأن نقف مع السنة بكلهم ضد الشيعة بكلهم. هذا خيارنا.. ولا خيار لنا سواه.
---------------
الجمعة
20/6/2014

"حزب الله" إلى العراق بحجة الدفاع عن "المقدسات"

كشفت مصادر سياسية مطلعة لصحيفة "المستقبل" إن "حزب الله قرر الدخول في أتون الصراع العراقي وهو ينوي إرسال الآلاف من عناصره للانخراط في الجيش الرديف تحت ذريعة الدفاع عن المقدسات"، مشيرة الى أن احتمال "تدفق المتطوعين اللبنانيين الى العراق لدعم قوات الحكومة العراقية يعتبر تطوراً خطيراً في الصراع الإقليمي من ناحية تواجد عناصر الحزب في العراق بشكل مباشر، بعد أن كانوا يمارسون دور التدريب والتخطيط لدعم ميليشيات عراقية مسلحة".
ورجحت أن "حزب الله سينخرط ضمن تشكيل جديد تحت إمرة جمال جعفر محمد المعروف باسم "ابو مهدي المهندس" ممثل الجنرال قاسم سليماني قائد قوة القدس الإيرانية في العراق الذي أسهم بشكل كبير في تأسيس العديد من الميليشيات العراقية التي تقاتل في سوريا"، مشيرة الى أن "المهندس كلف بأن يكون قائداً لما يُسمى بفصائل المقاومة الإسلامية في العراق، كما تم تكليفه بإنشاء الجيش العراقي الرديف أو سرايا الدفاع الشعبي من قبل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي بناء لأوامر إيرانية بعد زيارة سليماني الى العراق قبل أيام".
وأكدت أن "التشكيل الشيعي العسكري الجديد المدعوم من الحرس الثوري الإيراني والذي يقوده أبو مهدي المهندس يضم كلا من حزب الله وفيلق الوعد الصادق وحركة حزب الله ـ النجباء وكتائب سيد الشهداء وكتائب حزب الله وفيلق بدر وعصائب أهل الحق وسرايا الخراساني، بالإضافة الى لواء أبو الفضل العباس حيث وجهت الأوامر الى عناصرهم في سوريا بالعودة الى العراق للدفاع عن المقدسات".
واعتبرت أن "دخول حزب الله والميليشيات العراقية الأخرى ساحة الصراع سيشكل تطوراً كبيراً يثبت أن طهران تهتم بالجبهة العراقية كما هو الحال في سوريا"، مشيرة الى أن "المأزق الذي تمر به حكومة المالكي بسبب تقدم الجماعات المسلحة سيجعله أكثر اعتماداً على الميليشيات خصوصاً أن التطورات الدراماتيكية جعلت إيران ومن خلفها قطاعات واسعة من شيعة العراق والمنطقة من الموالين لنظام ولاية الفقيه، يعتبرون ما يجري في العراق تهديداً جدياً وخطيراً لمكاسب سياسية تحققت على مدى سنوات طويلة".
وتقاطعت المعلومات الآتية من العراق ومعلومات انتشرت في بيروت، حول إنشاء "حزب الله" غرفة عمليات عسكرية لمتابعة الوضع العراقي من كثب، ولا سيما أن الحزب شعر بأن ما يجري في العراق من انتشار المجاميع المسلحة المعارضة ومنها بقيادة نائب الرئيس العراقي السابق عزة الدوري، وتقهقر قوات المالكي المفاجئ عن مساحات شاسعة استولى عليها تحالف سني واسع، منها محافظتي ديالى وصلاح الدين ومعظم محافظة كركوك، بمثابة زلزال قد تصل أصداؤه ميدانياً إلى بغداد مع استمرار الزخم العسكري للقوى المناوئة للمالكي.
-----------------------
المصدر : موقع فيصل نور

ثورة أسود أهل السنة